في حين كان متوقعاً أن يُفتح باب مشاورات التأليف مجدّداً، من خلال اتصال واتفاق بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إلّا أنّ الرحلة المشتركة الى الكويت لم يتخلّلها بحث معمّق في تأليف الحكومة، بل «حديث على الهامش». وبعد استخلاصه الدروس والعِبر من تجربة التأليف التي خاضها الرئيس المعتذر مصطفى أديب، إن من الخصوم أو الحلفاء، سيدعو عون خلال هذا الاسبوع الى إجراء الاستشارات النيابية الملزمة، ومن المُرجّح أن يكون موعدها مطلع الاسبوع المقبل، وبذلك يُعطي الرئيس الكتل النيابية وقتاً محدّداً للتشاور والاتفاق، ولتكون حاضرة لتسمية شخصية تُكلّف تأليف الحكومة.
باستثناء إقتراح رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي تأليف حكومة تكنوسياسية من 20 وزيراً، يتولّى فيها السياسيون وزارات الدولة، تخلو ساحة التأليف من أي مبادرة داخلية جدّية، فيما لا يزال التعنت هو الغالب، حيث أنّ «الثنائي الشيعي» لا يزال متمسّكاً بتسميته الوزراء الشيعة في الحكومة، وما زال رؤساء الحكومة السابقون يرفضون هذا الأمر. كذلك لم يُعلن أي طرف سياسي اسم مرشحه لرئاسة الحكومة، وما زالت الكتل السياسية والنيابية ملتزمة الصمت، من دون أي تحرُّك جدّي أو محاولة لتفعيل عملية مشاورات التأليف.
إزاء هذا الجمود، وبعد عدم أخذ الحلفاء والخصوم بمبادرة عون لكسر الأقفال، والتي تقضي بإلغاء التوزيع الطائفي للوزارات السيادية وعدم تخصيصها لطوائف محدّدة، بل جعلها متاحة لكلّ الطوائف، فضلاً عن عدم أخذ «الثنائي الشيعي» و»الرباعي السنّي» بالحلول الوسطية التي طرحها عون خلال عملية التأليف الأخيرة، تؤكّد مصادر قريبة من الرئيس، أنّه استخلص دروساً من تجربة أديب في التأليف، وسيأخذها في الاعتبار خلال انطلاق عملية التأليف مجدداً.
قبل دعوته الى الاستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري، سيُجري عون اتصالات بالكتل النيابية لجسّ النبض واستمزاج الآراء، لتحصل الاستشارات على «ضو». إذ إنّ الجمود طاول المبادرة الفرنسية أيضاً، ولم يحصل أيّ اتصال من الجانب فرنسي بعون منذ اعتذار أديب. وبالتالي لا مفتاح لإعادة عملية التأليف الى مسارها الدستوري إلّا الاستشارات الملزمة. هذه الاستشارات لم يتأخّر عون بالدعوة اليها بسبب انتشار فيروس «كورونا» في القصر الجمهوري في بعبدا، بل لغياب التفاهم السياسي، ولأنّ عون يفضّل الاتفاق على اسم رئيس الحكومة المكلّف وشكل الحكومة، قبل إجراء الاستشارات، لتجري عمليتا التكليف والتأليف سريعاً، ولضمان نيل الحكومة ثقة مجلس النواب.
لكن يبدو أنّ تعذّر التوافق دفع عون الى عدم تأجيل الاستشارات لفترة أطول، وهو بذلك يرمي الكرة في ملعب القوى السياسية والكتل النيابية، ويدفعها الى تفعيل الاتصالات وحسم اسم الرئيس المُكلّف الذي ستسمّيه. لكن مصادر قريبة من عون تقول: «الرئيس يفتّش عن مصلحة البلد لا عن تسجيل النقاط على هذا الزعيم أو ذاك. وإنّ مصلحة البلد تقتضي التفاهم قبل رمي الطابة وإحداث مشكلة، وهو يهدف الى المساعدة لإيجاد حلّ وفتح المجال أمام الاتصالات والمساعي ووجهات النظر».
وعن تشبّث الثنائي الشيعي، تحديداً «حزب الله» بموقفه حكومياً، ما يرى فيه البعض إجهاضاً للمبادرة الفرنسية التي تقضي بتأليف حكومة إختصاصيين، وعرقلة لتأليف الحكومة، فضلاً عن عدم أخذه حلول ومبادرة عون بالإعتبار، يتجنّب القريبون من عون اتهام «الحزب»، لكنهم يغمزون من قناة «الحليف»، بالتأكيد أنّ «الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب حكومة اختصاصيين لا يعيّنها الاحزاب أي مستقلة»، ويوضحون، أنّ «حكومة يوافق عليها السياسيون شيء وحكومة سياسيين أو يُسمّيها السياسيون شيء آخر».
ولا يخفي عون أسفه لعدم «الأخذ والعطى» حول مبادرته، إن من الحلفاء أو الأفرقاء الآخرين، والتي كانت الغاية منها أن تكون مخرجاً لكسر النقاط المغلقة. ويقول قريبون من رئيس الجمهورية: «من المفترض الإتعاظ من تجربة أديب، لكي نتحضّر للمرحلة المقبلة والحكومة العتيدة، فالعقبات التي واجهته قد تواجه أي رئيس مكلّف غيره. هناك دروس استنتجناها، وستؤخذ في الاعتبار عند البحث في التأليف مجدداً. فتجربة أديب طرحت علامات استفهام وصعوبات وعقبات».
على صعيد شكل الحكومة، كان عون يرى قبل تكليف أديب، أنّ الحكومة الأنسب في هذه المرحلة هي حكومة تكنو – سياسية، تحظى بثقة مجلس النواب من جهة وتنال رضا الشارع المنتفض، من خلال مشاركة وجوه تريح المنتفضين. عون هو «العليم» بحليف مار مخايل وبتعذّر قبوله بحكومة مستقلة، انطلاقاً من ذلك، كان يسعى عون الى عدم الغرق بالمشكلات مثلما حصل. ويرى قريبون من الرئيس، أنّ «هذا هو الدرس الأساس». ويعتبرون أنّ «الجميع يُجري تقييماً لهذه التجربة»، ويشيرون الى أنّ البعض من أصحاب طرح حكومة الاختصاصيين المستقلين باتوا يتحدثون عن «حكومة مطعّمة»، مثل ميقاتي، الذي يُشبه إقتراحه طرح عون منذ ما قبل اعتذار أديب وحتى منذ ما قبل تكليفه.
الصعوبات والعراقيل في البلد كثيرة، من التأليف الى الوضع المالي – الإقتصادي، لكن هناك أملاً أيضاً، حسب مصادر القصر الجمهوري. وفي حين أنّ الخطوة العملية الأولى هي تأليف حكومة، تمهيداً للتفاوض مع الخارج ولمؤتمرات الدعم، تؤكّد المصادر، أنّ «هناك خطوات أخرى يمكن أن تتخذها حكومة تصريف الاعمال للحدّ من الأزمة. وإنّ هذه الحكومة ما زالت تمارس دورها، وهي تعمل كالمعتاد. لكن هذا لا يعني توسيع مفهوم تصريف الاعمال، فالدستور واضح. أمّا إذا اقتضت ظروف البلد، فيُمكن عقد جلسة لمجلس الوزراء، وهذا الأمر لن يكون سابقة بل سبق أن حصل».
(راكيل عتيق-الجمهورية)
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :