خلط أوراق في شمال شرق سورية : ارتباك اردوغان وقسد…والدولة السورية تتقدم /
حزب الله يدعو لوقف الإنبطاح : على السعودية التراجع…وعلى الحكومة معالجة قضية بيطار /
القومي يدين محاولة إغتيال الكاظمي…ويدعو للتماسك الحكومي والتمسك بالسيادة ورفض التطبيع
رغم استقطاب العراق لأولوية المتابعات السياسية والإعلامية في ضوء ما عُرف بمحاولة اغتيال الكاظمي، رغم تعدّد الروايات العراقية، وما ظهر من مخاطر الانزلاق نحو الفوضى او مغامرات سياسية ودستورية تهدّد التماسك السياسي والاستقرار الأمني في العراق، بقيت سورية على موعد مع تطورات في شمالها الشرقي حيث خلط الأوراق المتصاعد منذ إعلان الرئيس التركي عن بدء عملية عسكرية تستهدف الجماعات الكردية المسلحة، وبدء مسار من الارتباك في الضفتين التركية والكردية، في التعامل مع موقف الدولة السورية التي أعلنت عزمها على تحمّل مسؤوليتها في الدفاع عن كل الأراضي السورية وتحرير كلّ المناطق السورية المحتلة من جيوش أجنبية، وتناقل معلومات عن توجه وفد من قيادة «قسد» الى دمشق أعلن الناطق باسمها عن الاعتراف بالرئيس السوري بشار الأسد رئيساً لكلّ السوريين وبالجيش السورية جيشاً لكلّ سورية، وتسريب مواقف عن قيادات «قسد» حول الاستعداد لتسليم آبار ومحطات تكرير النفط والغاز للدولة السورية، وظهور تقارير إعلامية تتحدث عن سحب القوات الأميركية لأرتال من الشاحنات التي يحمل بعضها مدرّعات ودبابات من سورية باتجاه العراق.
التطورات السورية التي تؤشر لتقدّم مشروع الدولة وجيشها، تعاكس التطورات العراقية التي طرحت مجدّداً مخاطر التفكك والفوضى، في ظلّ استعصاء سياسي ودستوري مع صعوبة إعلان نتائج الانتخابات النيابية، وتعثر تشكيل حلف الفائزين للأغلبية المطلوبة لتسمية رئيس حكومة وتأليف حكومة جديدة، وفي ظلّ توتر أمني أعقب التظاهرات الاحتجاجية على نتائج الانتخابات، لتأتي محاولة اغتيال رئيس الحكومة الكاظمي وتفتح أبواب الاحتمالات الصعبة، فالحديث عن تشكيل حكومة طوارئ يصطدم بولاية مجلس النواب المنتهية، ويلقى معارضة شديدة من قوى المقاومة، التي لا تخفي خشيتها من انّ هدف هذه الحكومة هو التصادم مع المقاومة، بينما التصعيد السياسي بات مفتوحاً على مخاطر انهيار الاستقرار الأمني وبدء ظهور مناطق مقفلة بألوان طائفية ومذهبية، ربما يكون الهدف منها قطع التواصل الجغرافي بين سورية والعراق التي باتت بعهدة الحشد الشعبي من الجهة العراقية.
محاولة الاغتيال التي لقيت استنفاراً خارجياً وداخلياً، لقيت في لبنان إدانة رئاسية وحزبية، حيث تلاقى الرؤساء ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي على بيانات ومواقف تدين وتستنكر العملية، وصدر عن حزب الله بيان أدان العملية وحذر من مخاطر الفوضى على العراق، بينما أدان الحزب السوري القومي الاجتماعي بلسان رئيسه وائل الحسنية محاولة الاغتيال، فيما خصّص المجلس الأعلى للحزب بيانه لدعوة الحكومة للحفاظ على تماسكها، ودعاها للتمسك بمعايير السيادة في مواجهة الأزمات، والحذر من مخاطر مشاريع التطبيع، داعياً إلى مواجهتها كمصدر للخطر.
نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم دعا المسؤولين لعدم الانبطاح معلقاً على الدعوات إلى استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي طلباً لرضا السعودية، قائلاً: إنّ السعودية اعتدت على لبنان، وعليها ان تعتذر وتتراجع عن خطواتها العدائية.
وأدان رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وائل الحسنية محاولة اغتيال رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مشيراً إلى أن هذه المحاولة الآثمة تندرج في سياق مشروع فتنوي تفتيتي يرمي إلى زعزعة أمن العراق واستقراره ومنعه من استعادة دوره وحضوره.
وإذ أكد الحسنية ثقته بقدرة القوى الأمنية العراقية على كشف منفذي محاولة الاغتيال وتقديمهم للعدالة، نبه إلى أن إعلام بعض الدول بدأ يطلق اتهامات ويحدد مسؤوليات، وهذا بهدف تضليل التحقيق والتعمية على الحقيقة.
وقال الحسنية، أثبت العراق في كل مواقفه حرصه الدائم على علاقته القومية، فهو لم يجار معظم الأنظمة العربية في موقفها المناهض لسورية، وبالأمس كانت وقفته إلى جانب لبنان في محنته واحدة من أبرز المحطات في تاريخ العلاقة الراسخة.
وأكد الحسنية تمسك الحزب السوري القومي الاجتماعي بوحدة العراق وسيادته، ودعمه في مواجهة الإرهاب ومشغليه. مشدداً على وجوب أن يبقى التماسك قوياً ثابتاً وراسخاً بين الجيش العراقي والقوى العراقية التي قدمت الشهداء والتضحيات في مواجهة الإرهاب والتطرف. وبهذا التماسك يبقى العراق قوياً وفي قوته قوة لكل الأمة.
بدوره رأى المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي بعد اجتماعه، أن الضغوط السياسية والاقتصادية والأعمال العدوانية والإرهابية لن تغيّر في واقع صمود قوى المقاومة وثباتها وخياراتها. فكلما ازداد الضغط والحصار، كلما إزدادت قوى المقاومة ودولها تماسكاً وقوة وصلابة، وقد أثبتت الوقائع أن القوى والشعوب التي تكافح وتصارع دفاعاً عن الحق والسيادة والكرامة، لا تهزم، وهذه المقاومة في لبنان وفلسطين أنموذج، وهذه سورية ـ الشام، التي انتصرت في مواجهة حرب إرهابية كونية اشتركت فيها نحو مئة دولة ومئات التنظيمات الإرهابية.
وشدد المجلس الأعلى على أهمية التشبث بالمواقف والخيارات الوطنية والقومية، والتأكيد على استمرارية نهج الصراع والمقاومة دفاعاً عن حقنا وسبيلاً لتحرير أرضنا وتثبيت مبدأ السيادة الوطنية والقومية. وحذّر من خطورة اتخاذ أي موقف أو إجراء لتفادي تصعيد اقتصادي أو سياسي معين، فهذا يفسر ضعفاً، و»من يهن يسهل الهوان عليه»، لذلك فإن التمسك بمبدأ السيادة الوطنية هو واجب الوجوب، ولا مصلحة للبنان أو أي كيان من كيانات أمتنا، بترصيد «صفقة القرن» ومندرجاتها المتمثلة يسياسات الهرولة وما يسمى «التطبيع».
وطالب المجلس الأعلى الحكومة اللبنانية بأن تمارس مبدأ التضامن الوزاري بما يشكل طوق نجاة للبنان واللبنانيين للخروج من المأزق وإسقاط كل أشكال الضغوط والحصار، مشدداً على ضرورة السير في اتجاه التساند القومي من خلال مجلس تعاون مشرقي يتكفل بتحقيق المصلحة العليا لدول الهلال السوري الخصيب.
ولم تسجل عطلة نهاية الأسبوع أي مؤشرات على حلحلة قريبة للأزمة المركبة من أزمات عدة متشابكة مع بعضها، تتمثل الأولى بالتصعيد السعودي الديبلوماسي والسياسي والاقتصادي ضد لبنان أزمة استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، والثانية تعميق الخلاف السياسي القضائي حول تنحي المحقق العدلي في قضية المرفأ طارق البيطار معطوفة على خلاف مستحكم سياسي – طائفي – قضائي مستجد حيال القاضي حبيب مزهر الذي كف يد البيطار في ظل تدخل كنسي فاقع من البطريرك الماروني مار بشارة الراعي تحديداً ضد القاضي مزهر بموازاة تشكيل «جبهة سيادية» برعاية الراعي للتصويب على مزهر واستهداف حزب الله ودفاعاً عن الهجمة السعودية على لبنان. أما الأزمة الثالثة بموازاة الخلاف حول أحداث الطيونة، فتكمن في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ظل موجة غلاء فاحش في أسعار المحروقات والمولدات الخاصة والمواد الغذائية والخدمات وتقنين إضافي في التيار الكهربائي أثقل كاهل المواطنين.
أما المستجد فهو ما شهده العراق من تطورات أمنية خطيرة، لا سيما محاولة اغتيال الكاظمي وما يحمله من تداعيات سلبية على الاستقرار الأمني والسياسي في العراق، إضافة إلى ارتداداته السلبية على الساحة اللبنانية، بحسب ما تتوقع مصادر سياسية وأمنية مطلعة لـ«البناء». هذا إضافة إلى المعلومات المتداولة ليل أمس عن قرار خليجي بعد اجتماع وزراء داخلية دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء سلطنة عمان، يقضي بالتحضير لترحيل اللبنانيين العاملين في دول الخليج من مختلف الفئات والطوائف والميول السياسية، وفيما انشغل اللبنانيون بالاستفسار عن مدى صحة ودقة هذا الخبر، نقلت وسائل إعلام عن مصادر خليجية نفيها لهذه الأخبار، مشيرة إلى أن أي قرار لم يصدر بهذا الصدد، كما أكد وزير العمل مصطفي بيرم أن الحكومة لم تتبلغ بهكذا قرار، إلا أن معلومات «البناء» أوضحت أنه سيجري ترحيل اللبنانيين الذين يتبين أن لهم علاقة بحزب الله أو بمؤسساته فقط كقرض الحسن، فيما لفتت مصادر أخرى إلى أن جهات لبنانية معادية لحزب الله وللحكومة قد تكون نشرت هذه الإشاعات لاستدراج موقف خليجي بهذا الصدد، أو قد تكون السعودية مصدر هذه الخبر لإثارة الرعب في لبنان وابتزاز حزب الله والحكومة في إطار الضغط لتنفيذ الشروط التي وضعتها السعودية، لا سيما استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي.
وكشفت أوساط مطلعة لـ«البناء» أن «المساعي التي قادها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على الخطوط الرئاسية للتوصّل إلى حلٍ للأزمة المستجدّة مع السعودية ودول الخليج، وصلت إلى أفق مسدود، ما يعني أن لبنان سيسير حتى مدة طويلة بين خطين متوازيين: جمود ولا حلول، ولا انهيار بعد الخط الأحمر الذي رسمه الأميركيون والفرنسيون حول بقاء الحكومة والاستقرار الأمني». لكن بتقدير الأوساط فإن «التصعيد الأمني في العراق، لا سيما محاولة اغتيال الكاظمي، سينتقل إلى لبنان الذي سيُترجَم بأحداث أمنية كاغتيالات وتوترات واضطربات مذهبية وطائفية متنقلة»، مشيرة إلى أن «المناخ العراقي يوحي بأن شيئاً ما سيحصل في لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة».
وتنظر الأوساط بعين الريبة والقلق حيال موقف البطريرك الراعي من المسار القضائي في تحقيقات المرفأ، وتعتبره انقلاباً على «المبادرة الدستورية» التي عرضها الراعي في عين التينة بتنحّي البيطار عن ملف الوزراء والرؤساء واستمراره ببقية الملف، لكن الراعي عاد واعترض على قرار القاضي مزهر الذي قرّر كفّ يد البيطار مع شن حملة سياسية واسعة النطاق على أداء مزهر، بموازاة تشكيل «جبهة سيادية» يقودها الراعي لدعم البيطار وتقف في وجه «حزب الله».
وترى الأوساط أن «موقف الراعي يشكل الغطاء السياسي لاستكمال البيطار بعمله، ما يفضح حجم التدخل السياسي في القضاء»، متسائلة عن «موقف الراعي الذي لطالما نادى بترك القضاء يقوم بدوره وعدم التدخّل به، فيما اليوم يهاجم قاضياً فقط لأنه طلب كف يد البيطار؟».
وكان الراعي، دعا القضاء إلى «الإسراع في التحقيقات بأحداث الطيونة، والإفراج عن كل من تثبت براءته»، مشدداً على ضرورة «أن يكون القضاء حيادياً تجاه الجميع، فلا إكراميات في القضاء بل عدالة لا نطلب سواها».
وقال في عظة الأحد: «مع تعطيل الحكومة يتعطل عمل القضاء وبعض القضاة يعززون الشك بالقضاء من خلال مشاركتهم في تعطيل التحقيق في تفجير المرفأ أو تعليقه أو زرع الشكّ في عمل المحقق العدلي». وتابع: «أمام ما نرى من تجاوزات قانونية، نتساءل هل أصبح بعض القضاة عندنا غبّ الطلب لدى بعض المسؤولين والأحزاب والمذاهب؟».
وبرز موقف للمجلس الشرعي الأعلى الذي أكد دعمه ووقوفه إلى جانب ميقاتي وخريطة الطريق التي طرحها للخروج من المأزق.
من المتوقع أن يشهد الأسبوع الجاري تطورات على خط كف يد البيطار لمعرفة ما إذا كان سيستأنف عمله أم لا، وذلك في ضوء تحديد الموقف القضائي السليم والنهائي من قرار القاضي مزهر الذي كفّ يد المحقق العدلي، علماً أن الثلثاء موعد جلسة استجواب الأخير للنائب غازي زعيتر.
وتلفت مصادر سياسية في فريق المقاومة لـ«البناء» إلى أن «لا موقف شخصي من قبل حزب الله ضد البيطار، فالسقف الأعلى الذي وضعه الحزب هو تنحّي المحقق العدلي الحالي لعودة وزراء الحزب والحركة والمردة إلى مجلس الوزراء، لكن في حال تعهّد البيطار تصويب سلوكه وأدائه القضائي بعيداً من الاستنسابية وازدواجية المعايير، فلا مشكلة بعودة الوزراء إلى الحكومة، إلا أن أداء البيطار حتى الساعة ومواقف الراعي والرئيس السابق فؤاد السنيورة الذي دعا منذ أيام إلى تشكيل جبهة سياسية لحماية البيطار، إضافة إلى كلام الوزير السابق مروان حمادة الذي توقع بأن يوجه البيطار الاتهام إلى حزب الله في قراره الظنّي مع الهجوم السعودي على لبنان، يوحي وكأن هناك سيناريو خطيراً يجري تحضيره للبنان سيكون البيطار رأس الحربة فيه، لذلك لا يريدون التخلّي عنه الآن قبل استثماره في الصراع مع حزب الله». وتربط المصادر بين التصعيد السعودي المفتعل والمفبرك وبين محاولة اغتيال الكاظمي لأخذ العراق إلى الفتنة، وبين السقوط القريب لمأرب في اليمن».
وتوقع خبراء ومحللون استراتيجيون حصول حدثٍ كبير خلال الأسبوعين المقبلين، سيترك تداعيات سلبية على لبنان وسيرفع مستوى التصعيد السعودي – الخليجي ضد الحكومة اللبنانية وحزب الله».
وفي سياق ذلك، قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم «على بعض المسؤولين في لبنان، أن يخففوا من الانبطاح أمام المتجبرين، لأن هؤلاء لا يرضيهم شيئاً، وإذا أعطيتموهم بذل، سيطلبون الأكثر، وهم ليسوا على حق، ومن هنا ندعو إلى معالجة موضوعية، والمسؤولية تقع على السعودية، وعلى كل حال فإن السعودية ليست راضية لا عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولا عن كل الحكومة، ولم تكن راضية عن تشكيل الحكومة السابقة من قبل رئيسها السابق سعد الحريري، بالتالي لا يرضيها شيء من كل هذا التشكيل القائم، لأن لديها رئيساً للحكومة كانت تريده في لبنان، ولم يتمكّن من أن يصل إلى الرئاسة».
وأضاف: «كنا من أكثر المتحمّسين لتشكيل الحكومة اللبنانية، وكنا نطالب دائماً بتعجيل ولادتها، ومن البداية سهلنا لها، ولم نضع شروطاً، وارتحنا بعد أن تشكلت بعد تأخير طويل لم نكن سبباً له، والآن حصلت مشكلة أدت إلى أن تتوقف اجتماعات الحكومة، والمطلوب أن تبادر الحكومة إلى معالجة المشكلة، لا أن تجلس جانباً، فالحكومة هي مسؤولة عن مسار البلد وسياساته وعن عدم إيصاله إلى التعقيدات والمشكلات والفوضى».
وأشار قاسم إلى «أن المحقق العدلي طارق البيطار، يتصرف باستنسابية وعمل سياسي، ويستهدف جماعات محددة، ويعمل خلافاً للقانون، بالتالي يجب أن نفتش عن حل لهذه المعضلة والمشكلة، فعندما تكون هناك 14 دعوى للرد والارتياب المشروع ضد هذا القاضي، فهذا يعني أنه مشكلة، بالتالي يمكن أن يُفتّش عن قاضٍ آخر وتحل المشكلة، وأما أن يتفرّج البعض أو يدعي أنه يريد الحقيقة، فليس بهذه الطريقة تحصل على الحقيقة، فالحقيقة تتطلب قاضياً نزيهاً عادلاً لا يسيّس عمله، ويكون الأطراف المعنيّون راضين عن تكليفه ومتابعاته».
وأكد أن «فتنة القوات اللبنانية في الطيونة هي من نتائج القاضي بيطار، الذي كاد أن يجر البلد إلى حرب أهلية لولا حكمة وصبر ودقة عمل حزب الله وحركة أمل، بحيث سحبا الفتيل من الشارع لمصلحة أن تستمر الحياة طبيعية في البلد». وشدد على «أننا متمسكون بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وسنعمل لنجاحها، ولنثبت مرة جديدة مدى شعبيتنا وثقة الناس بنا، ونقول لمن يستنجدون بالخارج، ويقبضون الأموال من السفارات، ويأخذون التوجيهات، ويستخدمون الأجانب من أجل الضغوطات والعقوبات وتشويه الصورة، ويستغلون مواقع الدولة من أجل الإساءة لبعض الأطراف، لم تنفعكم كل هذه الأحابيل في تعديل موقعكم الانتخابي، لأن الانتخابات هي من الشعب، وهذا الشعب الطيب لن يعطي إلاّ لمن يؤمن به ويقتنع به».
وفي هذا الإطار كشفت أوساط نيابية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن التيار بصدد التحضير لتقديم طعن أمام المجلس الدستوري بالمواد التي تم تعديلها في قانون الانتخاب، مشيرة إلى أن التيار لن يقبل بقانون يفقد معنى الانتخابات النيابية ويحرم عشرات آلاف الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، متهمة أطرافاً معينة خصمة للتيار بتقصد موعد 27 آذار لإجراء الانتخابات لاستهداف قوى معينة.
*********************************
الحكومة معلّقة ولا وساطات
الكويت تعتذر عن عدم الوساطة والغرب لا يرى أفقاً لتسوية مع السعودية: ميقاتي يفشل في جمع الحكومة بالجملة والمفرق
حتى إشعار آخر، تعمل الحكومة بـ«المفرد». كل وزير يقوم بعمله في وزارته، ورئيس الحكومة يجتمع بمن يريد منهم، فرادى أو أكثر. ولكن لبنان من دون قرار دستوري وفق صيغة ما يصدر عن «مجلس الوزراء مجتمعاً»، لأن اجتماع الحكومة دونه شروط كبيرة. فبعد أزمة أداء المحقق العدلي في انفجار المرفأ طارق البيطار، جاءت مجزرة الطيونة لتزيد من تعقيد الموقف، قبل أن تحط على الجميع الأزمة التي افتعلتها السعودية ضد لبنان، وتريد من الحكومة علاجاً لها.
عملياً، ما فعله الرئيس نجيب ميقاتي منذ عودته من بريطانيا لم يتجاوز سقف الكلام. فعلياً، يدرك الجميع، وفي مقدمهم السعودية نفسها، أن الرئيس ميقاتي غير مرتاح إلى قرارات الرياض ولا إلى أسلوب تعاملها معه شخصياً أو مع حكومته. وهو خبر هذا الأمر منذ الحكومة الماضية حتى الحكومة الحالية وما بينهما. لكن الرئيس ميقاتي ليس من صنف الزعامات التي تتحمل مشكلة بهذا الحجم، لذا ينسحب إلى الخلف، ويطلب المساعدة من كل من يمكنه المساعدة.
في بيروت، هناك فريق سياسي يضمّ جماعة السعودية يريد من الحكومة إما الاستقالة أو إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي وإعلان الحرب على المقاومة. وهذا الفريق لا يمتلك القدرات التي تجعله قادراً على قلب الطاولة.
مسيحياً، يرفع البطريرك الماروني بشارة الراعي، كما المطران الياس عودة، الصوت من أجل تضحية ما. لكن الرجلين ينسيان أن «المطلوب رأسه» لم يرتكب جرماً. يقر الراعي وعودة بذلك، لكنهما يقبلان التنازل أمام السعودية. ودرزياً، لا يعرف وليد جنبلاط كيف يتعامل مع الأزمة. فهو نفسه غير مقتنع بالاستراتيجية السعودية، لكن لا يمكنه مجاراة خصومها في لبنان. أما سنياً، فإن المواقف والتصريحات العالية السقف لا تنعكس حرارة تطالب بها السعودية كل شيخ أو رئيس حزب أو وزير أو نائب أو جمعية أو عشيرة. بينما يأخذ الرئيس نبيه بري مسافة من الحدث، لكنه لا يكسر التوافق الشيعي على رفض مطالب السعودية التعجيزية.
ما حصل حتى الآن هو الآتي:
– تكرار الرئيس ميقاتي محاولاته مع البطريرك الماروني ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية والوزير قرداحي لدفع الأخير إلى الاستقالة، وإزاء رفض ذلك، بحث في إمكانية انعقاد مجلس الوزراء للتصويت على الإقالة. لكنه ووجه برفض فرنجية وحزب الله بشكل رئيسي، وتحفظ من آخرين بينهم الرئيس بري وحتى الرئيس ميشال عون الذي يخشى انفجار الحكومة.
– محاولة جديدة من ميقاتي لتأمين نصاب لجلسة حكومية من خلال تواصله مباشرة مع عدد من الوزراء لسؤالهم عن التزامهم حضور أي جلسة يدعو إليها، ومن هؤلاء وزير الاتصالات جوني قرم، باعتباره من الكتلة نفسها التي اختارت قرداحي وزيراً. وكان قرم واضحاً في أنه لن يأخذ القرار بمفرده وعليه العودة إلى مرجعيته.يعرف ميقاتي أن الاستقالة لن تصالحه مع السعودية ولن تغير من سياستها ضد لبنان
– حديث نادي رؤساء الحكومة السابقين بعضوية الوحيدَين: فؤاد السنيورة وتمام سلام عن ضرورة إقدام ميقاتي على خطوة ما. فيما لم تُسمع كلمة من الرئيس سعد الحريري الغارق في صمته السياسي. ويعرف ميقاتي أن سلام لا يغرّد منفرداً ولا يقبل قراراً من دون إجماع، كما أن ميقاتي، وإن كان يرفض الاعتراف بالرئيس حسان دياب، إلا أنه يعرف أن الأخير صار عضواً حكمياً في نادي رؤساء الحكومات السابقين كما هي الحال مع الرئيس سليم الحص. بالتالي، فإن هذه «المؤسسة» لا تفيد في جعل ميقاتي يقدم على خطوة بناء على ما يصدر عن السنيورة.
– تأكيد الولايات المتحدة وفرنسا وقطر والكويت أنه لا يمكن الحديث مع السعودية قبل قيام لبنان بمبادرة ما. وعندما اقترح ميقاتي على نظيره الكويتي أن يزور وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الكويت طالباً وساطتها، على أن يعود مع نظيره الكويتي إلى لبنان، كان الجواب بأن الكويت غير قادرة على إقناع الرياض بأي حوار، وأنه يفترض تقديم «بادرة حسن نية» تتمثل في استقالة قرداحي أو إقالته.
– يعجز ميقاتي عن إقناع الثنائي الشيعي بالعودة إلى مجلس الوزراء من دون حل قضية المحقق العدلي فيما يطالبهما بقص رأس حليف لهما هو الوزير قرداحي ومرجعيته المتمثلة بفرنجية. فيما لا يجد رئيس الحكومة استقالته أمراً مناسباً، ليس فقط لأنه لا يقبل مقايضة موقعه بموقع وزير فحسب، بل لأنه، كما قرداحي، يعرف أن الاستقالة لن تفيد بشيء، ولن تصالحه مع السعودية، ولن تغير من سياستها ضد لبنان.
********************************
من الحكومة إلى القضاء: عودة التعطيل تصاعدياً!
هل يضطلع مجلس القضاء الأعلى في الساعات المقبلة بمسؤوليته الواجبة والحتمية لوضع حدّ سريع لما يمكن ان يشكّل أخطر عبث بالجسم القضائي كامتداد للهجوم السياسي الذي يشنه الثنائي الشيعي تحديداً، على المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار؟
السؤال بخطورته العالية أملته أسوأ بلبلة، والبعض وصفها بالفضيحة، منذ يوم الجمعة الماضي في ظل تسجيل مخالفة – سابقة تضج بها الأوساط القضائية والقانونية بعدما أثار طلب رئيس الغرفة 15 في محكمة الاستئناف القاضي حبيب مزهر، من القاضي طارق البيطار، تجميد التحقيق في القضية وإيداعه الملف كاملاً، متجاوزاً صلاحيته وموسعاً مهمّته المحصورة في النظر بالملف المتعلق بالدعوى المقدمة من وكلاء الوزير السابق يوسف فنيانوس، لرد رئيس محكمة الاستئناف القاضي نسيب إيليا، عن النظر بدعوى تنحية القاضي البيطار.
وقد اشتعلت الضجة حول النزاع القانوني الذي تسبب به مزهرعلى خلفية ربط اجرائه بمخاوف من الارتباط بالتدخل السياسي للثنائي الشيعي بقصد تعطيل التحقيق العدلي وربما الإجهاز عليه. والاسوأ هو تزامن هذا الاجراء المهدد لتعطيل التحقيق العدلي إذا تفاقمت الفضيحة ولم يسارع مجلس القضاء الأعلى إلى حسمها خصوصا ان مزهر هو من أعضائه أيضا، مع تصاعد تعطيل الحكومة من خلال منع انعقاد جلسات مجلس الوزراء الامر الذي ينذر بعودة نمط التعطيل الذي ساد طوال سنة وشهرين قبل ولادة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وأبدت أوساط سياسية معنية بمتابعة الاتصالات والمداولات الجارية في شأن إيجاد مخرج لأزمة الانقسامات داخل الحكومة حول الازمة الخليجية تشاؤمها حيال المنحى الذي تتجه اليه الأمور في ظل ما بات مكشوفاً من ربط مساري الازمة الحكومية والازمة القضائية، إذا صح التعبير، وذلك في ظل معادلة يفرضها معطلو الحكومة على نحو هجومي، وهي “لا” لاستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي التي يطالب بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومعظم الافرقاء الداخليين، و”لا” للقبول باكمال القاضي البيطار في مهمته مهما كلف الامر. وإذ برزت في الأيام الثلاثة الأخيرة معالم انسداد كامل في إيجاد مخرج لازمة تعطيل الحكومة امام تداعيات ازمة #لبنان مع الدول الخليجية، شككت مصادر معنية في ان تنجح مهمة بعثة جامعة الدول العربية التي تزور بيروت اليوم حيث فشلت الوساطات السابقة.
فوسط هذا التخبط تصل اليوم بعثة الجامعة برئاسة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي في زيارة تجول خلالها على الرؤساء الثلاثة وتهدف إلى تدخل الجامعة للبحث فيما يمكن فعله لتهدئة الازمة بين لبنان والسعودية وعدد من الدول الخليجية. يشار في هذا السياق إلى ان “صوت بيروت انترناشونال” تحدثت أمس عن اتجاه لدى دول خليجية لترحيل فئات معينة من اللبنانيين العاملين فيها بعد تصنيفهم تبعاً لانتماءاتهم الحزبية انطلاقاً من اجتماع قالت انه عقد بين ممثلي وزارات الداخلية في مجلس التعاون الخليجي. لكن هذه المعطيات لم تتأكد رسميا.
بين الراعي وعودة
وبدا ان منحى التعطيل قد بدأ يفاقم ردود الفعل الداخلية خصوصا لدى المرجعيات الدينية الأساسية. اذ ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أطلق مواقف حادة لهذه الجهة واعتبر في عظة الاحد أمس انه مع” تعطيل الحكومة، يتعطّل من ناحية أخرى نشاط القضاء المنزّه والحياديّ والجريء. وهذا يقلق للغاية. فإنّ بعض القضاةِ يُعزّزون الشكَ بالقضاءِ من خِلال مشاركتِهم في تعطيلِ التحقيقِ في تفجيرِ المرفأِ أو تعليقِه أو تجميدِه أو زرعِ الشكِّ في عملِ المحقِّق العدلي. فقبلَ أن يَطلُبَ القضاءُ من الشعبِ أن يَثقَ به، حريٌّ بالقضاةِ أن يثقوا بعضُهم بالبعضِ الآخَر. جريمةٌ أن يحوّلَ بعضُ القضاةِ القضاءَ مربّعاتٍ حزبيّةً وطائفيّةً ومذهبيّة، لاسيّما في قضيتَي المرفأِ وعين الرمّانة”. وقال “أمام ما نرى من تجاوزات قانونيّة نتساءل: هل أصبح بعضُ القضاةِ غبّ الطلَب لدى بعض المسؤولين والأحزاب والمذاهب؟ ..ما نقول عن تحقيق المرفأ نقوله ايضًا عن أحداث الطيونة ـ عين الرمانة. وإذ نجدّدُ أسَفنا العميقَ على سقوط الضحايا والجرحى، نؤكد أنَّ عين الرمانة ليست عنوانَ حربٍ وتقاتل، بل عنوانَ تعايشٍ مع محيطِها على أساسِ من الشراكةِ والسلامِ والكرامة وحسنِ الجوار. وإذ نترك للقضاء المستقل أن يأخذ مجراه في هذه الأحداثُ، ندعوه إلى أن يكون حياديًّا تجاه الجميع، ويراعي حقوقَ الموقوفين فيَتوفّر لهم حقُّ الاجتماعِ بمحاميهم ولقاءِ أهاليهم، وندعوه للإسراعِ في التحقيقِ والإفراجِ عن كلِّ من تثبتُ براءته. لا يجوزُ أنْ تَحصُلَ توقيفاتٌ وتُـمَدّدَ من دون مُسوّغٍ قانونيٍّ وقرينةٍ، إنّما فقط كُرمى لهذا الطرفِ أو ذاك. لا يوجد في القضاء إكراميّات بل توجد عدالةٌ “.
وبدوره تساءل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة: “هل يعقل لوطن غسان تويني وفؤاد بطرس وشارل مالك وفيليب تقلا وشارل حلو وجان عبيد، وغيرهم من رجالات المدرسة الديبلوماسية اللبنانية العريقة، أن يمسي وطنا معزولاً عربياً ودولياً بسبب تصريحات وأفعال لا تعرف المحبة ولا تضع المصلحة الوطنية أولوية؟” وقال “إن الكلام مسؤولية، ومن واجب الإنسان، والمسؤول بخاصة، أن يزن كلامه احتراماً لنفسه ولكرامته وكرامة وطنه. ألا تكفينا المشاكل والأزمات؟ هل نحن في حاجة إلى مزيد؟ لبناننا الحبيب ينازع على أيدي هواة، وقد يلفظ أنفاسه الأخيرة ولم نشهد أي معالجة جدية”.
كما سأل “ماذا نجني من التعطيل إلا المزيد من الانهيار؟ وهل يميز الانهيار بين فئة وأخرى وطائفة وأخرى؟ في الأزمات، على مجلس الوزراء أن يكون في انعقاد دائم، أما عندنا فيتم تعطيله ووقف عمله بسبب صراعات مدمرة، عوض التضحية من أجل لبنان”.
دعم ميقاتي
وكان برز السبت موقف للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الذي انعقد برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان وفي حضور الرئيس فؤاد السنيورة واعلن تمسكه بالرئيس ميقاتي ودعمه له، في مقابل ادانته من يسيئون إلى علاقات لبنان العربية ويعطّلون المؤسسات. ودعا إلى التعاون مع رئيس الحكومة لاحتواء تداعيات هذه العاصفة للخروج من الأزمة التي ينبغي ان تحل لبنانيا “أولا بعدم اطلاق المواقف غير المسؤولة تجاه السعودية وسائر دول الخليج العربي والتي لا تشبه اللبنانيين الحريصين على أصالتهم العربية وعلاقاتهم مع أشقائهم العرب ، فان التعنت والاستمرار بالمكابرة والتشبث باي موقع وزاري لأسباب سياسية وكيدية يتناقض مع المصلحة اللبنانية ومؤذ للبنانيين داخليا وخارجيا، فلتتقدم المصلحة الوطنية على أي اعتبار اخر تجاه المملكة العربية السعودية والخليج العربي، ولا يمكن لأي فريق لبناني أن يبني لبنان على مقاس مصالحه الخاصة”.
اما “#حزب الله” فمضى في تصعيد مواقفه من السعودية ورفضه استقالة الوزير قرداحي والغمز من مواقف الرئيس ميقاتي. وفي هذا السياق قال امس نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: “نقول لبعض المسؤولين في لبنان، خففوا من الانبطاح أمام المتجبرين، لأن هؤلاء لا يرضيهم شيئ، وإذا أعطيتموهم بذلّ، سيطلبون الأكثر، وهم ليسوا على حق، من هنا ندعو إلى معالجة موضوعية، والمسؤولية تقع على السعودية، وعلى كل حال فإن السعودية ليست راضية على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولا على كل الحكومة، ولم تكن راضية على تشكيل الحكومة السابقة من الرئيس سعد الحريري، وبالتالي لا يرضيها شيء من كل هذا التشكيل القائم، لأن لديها رئيسا للحكومة كانت تريده في لبنان، ولم يتمكن من أن يصل”.
***********************************************
الراعي يصوّب على “العطل” الحكومي و”العطب” القضائي
“نصيحة” عربية للبنان: “أوقِفوا الحفر”!
من السراي الحكومي، يستأنف الرئيس نجيب ميقاتي نشاطه الأسبوعي اليوم كاسراً حاجز الاعتكاف النفسي في “ستاركو” ليؤكد بقاءه متربعاً على كرسي الرئاسة الثالثة، حتى يبلغ التعطيل مداه ويفكّ “حزب الله” الحظر عن مجلس الوزراء. وعلى وقع احتدام الأزمة الحكومية وتشعّب تداعياتها وتعقيداتها الداخلية والخارجية، يحطّ وفد جامعة الدول العربية في بيروت اليوم لمعاينة عمق الأزمة اللبنانية عن كثب وعقم الطبقة الحاكمة عن إنتاج الحلول اللازمة لها، وسط رسائل غير ودية حرص “حزب الله” على توجيهها للعرب عشية الزيارة، سواءً عبر رفع مسؤوليه منسوب التصعيد الكلامي في مواجهة المملكة العربية السعودية، أو من خلال تقليل قناة “المنار” من جدوى وأهمية ما سيحمله “الزائر العربي”، مستبعدةً أن يخرج عن “الأجواء العبثية السعودية” انطلاقاً من تساؤلها عما إذا كان أتى بوصفه “مجرد ساعي بريد لتبليغ بيروت الحكم الجائر بلبوس عربي”؟
وفي المقابل، لا يبدو وفد الجامعة العربية رافعاً سقف توقعاته إزاء نتائج زيارته اللبنانية، نتيجة عامل الخبرة والتجارب السابقة مع أركان السلطة، بحيث نقلت مصادر مواكبة لأجواء الزيارة العربية معلومات تفيد بأنّ الوفد الذي يرأسه الأمين العام المساعد السفير حسام زكي، “لا يحمل أي مبادرة محددة إنما يحصر مهمته بإعادة توكيد البعد العربي للبنان في مواجهة المحاولات الحثيثة لسلخه عن جلدته العربية”، مشددةً على أنّ المسعى العربي سيتخذ شكل “النصيحة بضرورة لجم نهج “التدمير الذاتي” الذي أوقع البلد وأبناءه في حفرة سحيقة من البؤس والهلاك والتناحر، لتكون الرسالة بهذا المعنى واضحة إلى المسؤولين: إن لم تكونوا قادرين على الخروج من الحفرة، أقلّه أوقفوا الحفر تحت أقدامكم”.
وتزامناً، رفع البطريرك الماروني بشارة الراعي الصوت في مواجهة “ممتهني تعطيل المؤسّسات الدستوريّة، والحياة الإقتصاديّة، وإفقار الشعب وإفشال جميع الوساطات الداخلية والخارجية”، فخصّص الأغلب الأعم من مضامين عظة الأحد لتعرية مكامن العطل الحكومي والعطب القضائي في البلاد، مشيراً إلى أن التماهي الحاصل بين “تعطيل الحكومة، وتعطيل نشاط القضاء المنزّه والحيادي والجريء”.
وفي هذا الإطار، صوّب الراعي بالمباشر على “القضاة غبّ الطلب لدى بعض المسؤولين والأحزاب والمذاهب” في قضيتي انفجار المرفأ وأحداث عين الرمانة – الطيونة، مؤكداً أنّ “بعض القضاة يُعزّزون الشكَّ بالقضاء من خلال مشاركتهم في تعطيل التحقيق في تفجير المرفأ أو تعليقه أو تجميده، أو زرع الشكِّ في عمل المحقِّق العدلي” القاضي طارق البيطار، في إشارة واضحة إلى أداء القاضي حبيب مزهر الذي تجاوز صلاحياته وأصدر قرار كف يد البيطار عن ملف المرفأ، محذراً من “جريمة” تحويل بعض القضاة القضاء إلى “مربّعات حزبيّة وطائفيّة ومذهبيّة”.
وإذ استهجن ما يجري على صعيد تحقيقات انفجار 4 آب من “طعن وراء طعن، وردّ وراء ردّ، ونقض وراء نقض، وتعليق وراء تعليق”، مستغرباً “هذا الإستخفاف بدماء أكثر من 200 ضحيّة، وستة آلاف جريح، ودمار نصف بيروت وضواحيها، وتشريد مئات العائلات”، انسحب كذلك استغراب البطريرك الماروني على مجريات التحقيق الجاري في قضية أحداث الطيونة – عين الرمانة، فشدد على عدم جواز حصول “توقيفات وتمديدها من دون مسوّغ قانوني وقرينة فقط كرمى لهذا الطرف أو ذاك”، داعياً القضاء إلى أن يكون “حيادياً تجاه الجميع” وإلى ضرورة “الإسراع في التحقيق والإفراج عن كل من تثبت براءته”.
ولاحقاً، أكد الراعي خلال استقباله وفداً من أهالي موقوفي عين الرمانة على أنّ ما يعيشه البلد هو “نتيجة التخاذل من خلال السلاح المنتشر يميناً وشمالاً، وهذا التخاذل هو استخفاف بالقضاء وبالناس وبالارواح”، وأضاف: “عندما يصبح القضاء تابعاً لهذا الحزب او لهذا الدين او لهذه الطائفة او لهذا المذهب نكون أصبحنا في شريعة الغاب، ونحن لا يمكن أن نقبل بالتضحية بثقافة العدالة المحقة والمنزهة والمجردة، وسنبقى نناضل”.
***********************************************
لبنان: خيار ميقاتي استقالة قرداحي وإلا سيتخذ موقفاً آخر
الحكومة باقية وأمامها فسحة من الوقت لترتيب أوضاعها
بيروت: محمد شقير
قال مصدر سياسي مواكب للاتصالات التي يتولاها رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي لإخراج لبنان من أزمة تصدّع العلاقات اللبنانية – الخليجية إن استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي تبقى الممر الإلزامي الوحيد الواجب اتباعه للدخول في تسويتها على قاعدة تبنّي مجلس الوزراء لخريطة الطريق التي رسمها انطلاقاً من وضع مقاربة شاملة لإعادة تصحيحها وتصويبها بما يضمن عودة لبنان إلى الحضن العربي وابتعاده عن سياسة المحاور التي يسعى «حزب الله» لجرّه إليها.
ونقل المصدر السياسي عن الرئيس ميقاتي قوله إن الأولوية تكمن في مبادرة قرداحي للاستقالة كخيار أول، وعدم تجاوبه مع الدعوات التي تطالبه بالاستقالة سيضطره للجوء إلى خيار آخر بإقالته من الحكومة. ولفت «الشرق الأوسط» إلى أن رئيس الحكومة لن يلجأ حتى إشعار آخر إلى هذا الخيار وأنه يركّز حالياً على الخيار الأول بدعوته للاستقالة، طالباً منه تقدير المصلحة الوطنية للبنان التي يجب أن تبقى مصانة لأنها فوق أي اعتبار آخر.
وأكد المصدر نفسه أن أزمة العلاقات اللبنانية – الخليجية تعود إلى تراكمات بسبب إصرار «حزب الله» على عدم التزامه بالبيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة ومضيّه في خرق سياسة النأي بالنفس باستهدافه دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لإلحاق لبنان بمحور الممانعة التي تتزعّمه إيران. ورأى بأن إساءة قرداحي لهذه الدول كانت بمثابة عود الثقاب الذي أشعلها وأدى إلى اتخاذ معظمها قرارات بسحب سفرائها من لبنان.
واستبعد المصدر السياسي أن يكون ميقاتي في وارد الاستقالة أو بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد في حال استمر قرداحي في استعصائه على دعوته بالاستقالة، ونُقل عن ميقاتي قوله: «ليس لأنني لا أريد الاستقالة، لكن هل تتأمّن مصلحة البلد باستقالتي؟ وهل يمكن تأمين البديل؟ أم أننا نُقحم بلدنا في كباش سياسي نعرف من أين يبدأ ولكننا لا يمكن التكهن إلى أين سينتهي؟ وهل يمكننا أن نمنع دخوله في نفق مسدود فيما نسعى لإعادته إلى الخريطة الدولية وقد نجحنا في الحصول على ضمانات لإخراجه من التأزُّم الذي يتخبّط فيه للعبور به إلى الإنقاذ؟».
واعتبر أن ميقاتي تلقى كل دعم ومساندة للبنان في اللقاءات التي عقدها على هامش مشاركته في القمة المناخية، وقال إن لدى القيادات التي التقاها رغبة في دفع لبنان قدماً نحو الإنقاذ فيما تحاول بعض الأطراف في الداخل العودة به إلى المربع الأول، أي إلى ما كنا عليه قبل تشكيل الحكومة. وأكد بأن دول الخليج تتساهل في موقفها وأن معظمها تبدي تشدُّداً، وإن كانت لم تعترض على إعطاء رئيس الحكومة فسحة من الوقت وبناء لطلبه لعله يتمكن من استيعاب أسباب الأزمة وتوفير الحلول لها.
وكشف المصدر نفسه أن ميقاتي وإن كان يعوّل حالياً على الخيار الأول بدعوة قرداحي للاستقالة، فإنه سيضطر في حال عدم تجاوبه إلى اتخاذ موقف آخر، وإن كان يتجنّب الإفصاح عن طبيعته لأنه لا يريد أن يحرق المراحل ويقطع الطريق على الجهود الرامية لإقناعه بضرورة الاستقالة من دون أن تبقى مديدة ومفتوحة لأن عامل الوقت لن يكون لمصلحة إعادة تفعيل العمل الحكومي ولا لفترة السماح التي مُنحت له لأن التفريط فيها سيترتب عليه تشدُّد من قبل دول الخليج وعلى رأسها السعودية التي ستضطر لحماية أمنها القومي وأمن مواطنيها والمقيمين على أرضها إلى اتخاذ رزمة من الإجراءات والتدابير.
وتوقف أمام صمت رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدم دخوله في السجال، وقال إن القاسم المشترك الذي يجمعه بالرئيس ميقاتي يكمن في تقطيع مرحلة السجالات والتجاذبات بالصمود من جهة، وبتريُّث الأخير وعدم مبادرته للاستقالة، وقال إن هناك ضرورة لتبريد الرؤوس الحامية إفساحاً في المجال أمام بري للقيام بدور إنقاذي إلى جانب ميقاتي، خصوصاً أنه يرفض أن يكون طرفاً من شأنه أن يعيق تدخّله في الوقت المناسب.
وبالنسبة إلى المهمة التي يبدأها اليوم في بيروت نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي بحصر لقاءاته بالرؤساء الثلاثة، قال المصدر نفسه بأن مهمته تبقى في إطار استكشاف المواقف على حقيقتها والاستماع إلى وجهات نظر الرؤساء ليبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً أن الأزمة بين لبنان ودول الخليج ليست محصورة بهذه الأطراف جمعاء وإنما لها امتداداتها بداخل الساحة اللبنانية بين فريق يُبدي تفهّماً للأسباب التي أملت على هذه الدول سحب سفرائها من لبنان وآخر يتحمل مسؤولية حيال تدهور العلاقات اللبنانية – الخليجية ويتزعّمه «حزب الله» المدعوم من إيران ولديه أجندة سياسية تتمثل بتمدّده في دول الجوار وصولاً إلى اليمن، وتُحمِّله هذه الدول مسؤولية زعزعة الاستقرار في المنطقة وتهديد أمنها القومي.
وشدّد المصدر نفسه على أن دخول الجامعة العربية على خط الأزمة يضع الأطراف المحلية أمام مسؤولياتها في إنضاج مقاربة سياسية لاستيعابها تبدأ باستقالة قرداحي، وأكد بأن المجتمع الدولي قال كلمته بإسداء نصيحة إلى لبنان بوجوب التوجّه لمعالجتها بخطوات عملية تتيح له تقديم المساعدة، وإلا لا جدوى منها ما لم تبادر هذه الأطراف إلى مساعدة نفسها، ورأى أن الحديث عن احتمال قيام دولة قطر بوساطة يبقى في إطار التمنيات ولم يترجم إلى خطوات عملية ولم يعد من رهان إلا على الدور الذي ستلعبه الجامعة العربية.
ولفت إلى أنه لا مجال للدخول في مقايضة بين مطالبة «الثنائي الشيعي» بتنحّي المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وبين دعوة قرداحي للاستقالة، وقال إن ميقاتي ليس في هذا الوارد وهو يلقى الدعم من رؤساء الحكومات السابقين، وإن كان وإياهم من أصحاب الدعوة لتصويب مسار التحقيق بالعودة إلى تطبيق الدستور والكف عن الانتقائية والاستنسابية في ادعاءات البيطار على نواب حاليين ووزير سابق.
وأكد أن رؤساء الحكومات يتواصلون مع ميقاتي ويرون – كما أبلغوه – أن الوقت غير مناسب الآن للمطالبة باستقالته لعدم فراغ الساحة أمام «حزب الله» وحلفائه، وكشف أن ميقاتي كان أبلغ من تواصل معهم أو التقاهم أنه لا مجال للعبور بلبنان إلى الإنقاذ ما لم يلتزم الوزراء بالبيان الوزاري، وإلا لن يكون في مقدوره أن يكمل طريقه، أي البلد، وهذا ما أُحيط به علماً الرئيس عون و«حزب الله» وآخرون.
ورداً على سؤال أكد المصدر أن عون يدعم ميقاتي في مطالبته باستقالة قرداحي، وقال إنه استدعاه وطلب منه أن يتقدّم بها، وأكد أن ميقاتي التقى المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل الذي أبلغه أن الحزب لا يطلب منه الاستقالة أو عدمها ويترك له القرار النهائي «ونحن لن نقف حجر عثرة في حال قرر الاستقالة»، وكذلك الحال بالنسبة إلى زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية الذي تواصل معه ميقاتي قبل أن يلتقي البطريرك الماروني بشارة الراعي.
لذلك يصر ميقاتي على إعادة ترتيب البيت اللبناني بدءاً بالحكومة كمدخل لاستيعاب الأزمة اللبنانية – الخليجية لأن علاقة لبنان بدول الخليج تتجاوز الدعم المادي إلى المعنوي الذي يتيح له الاستقواء به دولياً، خصوصاً أن المجتمع الدولي، وهذا ما لمسه ميقاتي في لقاءاته على هامش القمة المناخية، يقف ضد الهبوط الاضطراري للبنان في مستنقع الفتنة أو في العودة إلى نقطة الصفر، وبالتالي ممنوع عليه الارتطام بحائط مسدود سياسياً وصولاً إلى الانهيار الشامل.
***********************************************
“الجمهورية”: عون وميقاتي: الحل باستقالة قرداحي.. و”الجامعة”: ضغط لا مبادرة
تستمر الأزمة السياسية والديبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج في التفاعل، في غياب أي حلّ وسط، فيما الرهان على عامل الوقت علّه يبدل المواقف ويهدئ النفوس، بما يؤدي الى احتواء الأزمة. وفيما تنطلق مواقف تدعو الرياض الى التهدئة وإعادة النظر في إجراءاتها المتخذة ضدّ لبنان، تستمر الاتصالات داخلياً لبلورة مخرج من شأنه ان يقنع القيادة السعودية ومعها دول الخليج، بتغيير موقفها إيجاباً. وهذا المخرج يصرّ عليه المسؤولون الكبار، ولا سيما منهم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي اللذان، حسب معلومات لـ”الجمهورية”، يصرّان على استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، لاقتناعهما بأنّها تفتح باب الحل مع الجانب السعودي والخليجي.
وقالت مصادر حكومية لـ»الجمهورية»، انّ عون وميقاتي «متوافقان على وجوب استقالة قرداحي، وانّهما يستغربان عدم تجاوبه مع دعوتهما اليه لتحكيم ضميره وحسّه الوطني بالاستقالة، بما يتيح معالجة الأزمة مع السعودية التي بنت ما اتخذته من إجراءات ضدّ لبنان على مواقف اتخذها قبل توزيره، ثم في الإيضاحات التي قدّمها إثر نشوء الازمة». ورجحت المصادر ان يكون عدم تجاوب قرداحي مردّه لخضوعه الى مجموعة من المؤثرات والقناعات والعوامل التي تتصل بمستقبله السياسي وبمصالح بعض القوى المؤيّدة له في موقفه والقوى التي يتلاقى معها سياسياً.
عنوان المرحلة
وفي ضوء هذه المعطيات، فإنّ التصعيد السياسي هو عنوان المرحلة في المنطقة لا في لبنان فقط، وخطورة هذا التصعيد انّه انتقل من السياسي إلى الأمني في العراق، مع محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والخشية من عودة الاغتيالات في لبنان. والربط بين بغداد وبيروت لا يقتصر على الجانب الأمني، إنما أيضاً لجهة الانتخابات النيابية التي حصلت في العراق، وهناك من يسعى إلى منع ترجمة نتائجها على أرض الواقع، ودخول لبنان في مدار الانتخابات النيابية التي ستحصل بعد أشهر من اليوم. وهذا التطور العراقي المستجد وإسقاطاته اللبنانية، لا يلغي الأزمة المستمرة مع الخليج، والأزمة المتصلة بالمحقِّق العدلي طارق البيطار، واستمرار الشلل الحكومي.
وقد تلقّى ميقاتي جرعة دعم قوية من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، داعياً «الأفرقاء كافة على الساحة اللبنانية إلى التعاون معه للخروج من المأزق الذي يعيشه لبنان في علاقاته مع أشقائه العرب، وبخاصة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي»، كذلك تلقّى جرعة من العيار نفسه من رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، الذي شارك في اجتماع المجلس الشرعي، وأكّد انّ «الوقت غير مناسب الآن للمطالبة باستقالة رئيس الحكومة لعدم إفراغ الساحة أمام «حزب الله» وحلفائه». وهذه المواقف أتت بعد ان كان ميقاتي حدّد خريطة طريق للخروج من هذه الأزمة، تبدأ من استقالة قرداحي، وتفصل بين عمل مجلس الوزراء وعمل القضاء.
على انّ ما تقدّم يعني انّ استقالة ميقاتي غير مطروحة بالحدّ الأدنى في الوقت الحاضر، ولكنه لن يكون في وارد العودة إلى اجتماعات الحكومة ما لم تُحل مسألة قرداحي في ظل رفض «حزب الله» استقالته، وهذا يعني انّ إحياء العمل الحكومي بات يستدعي معالجة مسألتي قرداحي والبيطار، وإلّا فإنّ الشلل سيتواصل فصولاً، وهو مفتوح على تصعيد سياسي.
وعلى رغم المعلومات والكلام المتداول عن حلول يُعمل على إنضاجها لحلّ مسألتي قرداحي والبيطار دفعة واحدة، ولكن لا شيء مضموناً حتى الساعة، والمحاولات مفتوحة على النجاح والفشل في آن معاً، إلّا انّ اهتزاز الحكومة فور انطلاقتها انعكس على اندفاعتها، خصوصاً لجهة الصدمة الإيجابية التي انتفت مع الأزمات الأخيرة، ولا يُعرف بعد ما إذا كانت ستتمكن من إدارة مفاوضات ناجحة مع صندوق النقد الدولي، تعيد وضع لبنان على طريق الخروج من أزمته المالية.
والوظيفة الثانية للحكومة بعد صندوق النقد، هي إجراء الانتخابات النيابية التي لم يعد مصيرها معروفاً، ليس بسبب ما حصل في العراق، وإنما مصير المِهل ودعوة الهيئات الناخبة في حال قبل المجلس الدستوري الطعن الذي سيتقدّم به تكتل «لبنان القوي»، والذي يعني العودة بالقانون إلى صيغته الأصلية، إن بالنسبة لاقتراع المغتربين وحصر تمثيلهم بـ6 مقاعد من دون منحهم الحق بالمشاركة في انتخاب 128 نائباً، او لجهة موعد الانتخابات، فيرحّل من 27 آذار إلى منتصف أيار المقبلين.
وفي خلاصة الصورة، فإنّ كل المشهد السياسي يسوده الإرباك الشديد، من الأزمات المفتوحة على التأزُّم لا الحلول، إلى الشلل الحكومي المفتوح على الاعتكاف، وصولاً إلى الثابت الوحيد في المشهد وهو الوضع المالي الذي يواصل تدهوره.
الجامعة تسبق الوساطات
ولكن، توازياً مع الحركة الديبلوماسية الصامتة التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا في الكواليس الاقليمية والدولية لرأب الصدع بين لبنان والسعودية، تقدّمت الى الواجهة الحركة التي أوحى بها الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بإيفاد الامين العام المساعد حسام زكي الى بيروت، الذي سيجول اليوم على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب.
أفكار لا مبادرة
وقالت مصادر ديبلوماسية لبنانية وعربية لـ «الجمهورية»، انّ الوفد يحمل رسالة من ابو الغيط الى المسؤولين اللبنانيين، يدعو فيها الى العمل من اجل تطويق الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية والدول الحليفة لها في الخليج العربي بجدّية مطلقة، والقيام بما يلزم من خطوات لتجنّب الأسوأ.
ولفتت المصادر، الى انّ الوفد الذي سيحمل معه حصيلة المشاورات التي أجراها ابو الغيط مع عواصم الخليج العربي، مستقصياً الظروف التي دفعت الى اتخاذ القرارات الاخيرة تجاه لبنان، وما يمكن ان تقوم به الجامعة العربية لحل المشكلة. ولم يغفل أبو الغيط الوقوف على رأي الحكومة المصرية بهذا الخصوص، فكانت له مشاورات مع وزارة الخارجية ودوائر الرئاسة المصرية.
وأشارت المصادر، الى انّ الوفد سينقل إلى ابو الغيط رؤية المسؤولين اللبنانيين للحل، وما يمكن الحكومة ان تقوم به وما لا تستطيع اليه سبيلاً. ولذلك فهو لا يحمل معه اي مبادرة او اقتراح محدّد، وإن كان يحمل مجموعة أفكار متفرقة لا ترقى الى إمكان تحولها مبادرة شاملة.
وختمت المصادر مؤكّدة «انّ المهمة ستكون استطلاعية ولساعات محدّدة، على ان يعود الوفد مساء الى القاهرة، بعدما تبين انّ مكتب الجامعة العربية الذي طلب سلسلة المواعيد لم يشر الى جدول اعمال الوفد، وحصر موضوع الزيارة بالأزمة الديبلوماسية بين لبنان ودول الخليج.
ضغط لا وساطة
في السياق نفسه، استبعدت اوساط مطلعة ان تسفر زيارة زكي لبيروت اليوم عن نتائج إيجابية على مستوى إحداث خرق في جدار الأزمة بين السعودية ولبنان. وقالت لـ»الجمهورية»، انّ «الجامعة هي أضعف من ان تجد حلاً لهذا الخلاف، والتجارب أثبتت انّ تأثيرها متواضع في أزمات المنطقة». وتوقعت هذه الاوساط ان يأتي ممثل الجامعة العربية الى بيروت، «ليس للوساطة وانما للضغط على المسؤولين اللبنانيين في اتجاه اتخاذ مبادرة حسن نية نحو السعودية لفتح باب الحوار معها»، متسائلة عمّا اذا كان زكي سيزور الرياض ايضاً في إطار مهمته.
واشارت الاوساط، الى «انّ الواقع السياسي يبدو مقفلاً حتى إشعار آخر، تحت وطأة الملفات المتراكمة والمترابطة. وهناك خشية من ان يكون الداخل المكشوف مشرّعاً على مزيد من التعقيدات في المرحلة المقبلة، سعياً الى دفع الرئيس نجيب ميقاتي نحو الاستقالة لإصابة عصفورين بحجر واحد: الاستقرار الداخلي والانتخابات النيابية».
تدابير روتينية
وفي ظل الحراك الديبلوماسي العربي لاحتواء تردّدات الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والدول الخليجية، عززت المراجع الأمنية من نسبة التدابير الامنية حول بعض السفارات العربية والخليجية تحديداً، بالتعاون مع أجهزة الأمن فيها.
وتعقيباً على الروايات التي نُسجت عن تهديدات طاولت عدداً من هذه السفارات، نفت المراجع الأمنية عبر «الجمهورية» علمها بأي حراك يهدّد أمن هذه المراكز الديبلوماسية. ولفتت إلى انّها تعتمد منذ مدة طويلة تدابير استثنائية في محيط بعض السفارات، ولم يتغير شيء منذ وقت طويل. وأشارت الى انّ القوى الامنية ستمنع اي تحرّك غير مرخص له حول أي من السفارات الاجنبية او العربية في لبنان بكل الوسائل المتاحة، وذلك حفاظاً على الامن والاستقرار.
اجتماعات وهمية
وعشية زيارة الوفد العربي الى بيروت، سرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي معلومات كاذبة نقلاً عن وكالة «الأناضول» التركية، تحدثت عن اجتماع «وهمي» على مستوى «ممثلي وزارات الداخلية في مجلس التعاون الخليجي» ضمّ جميع الدول الأعضاء ما عدا سلطنة عمان، اطلع فيه المجتمعون على «لوائح تمّ إعدادها، تشمل جميع اللبنانيين وعائلاتهم المقيمين في دول المجلس، اضافة الى بعض المقيمين من أصول لبنانية ممن يحملون جنسيات بلدان اخرى» مرفقة بتصنيف لمجموعات سيجري طردها من دول الخليج وخصوصاً الموالين منهم لـ»حزب الله».
وقفة دعم للبيطار
وعلى وقع مسلسل الدعاوى التصحيحية التي ستمطر النيابات العامة اليوم في العدلية، أُطلقت امس دعوة بإسم «اتحاد ساحات الثورة» ومجموعة من حركات التغيير، الى التجمّع عند الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس المقبل أمام قصر العدل تضامناً مع القاضي البيطار، تحت شعار رفض «التحايل غير القانوني» المستمر من أجل تنحيته عن التحقيق في تفجير بيروت، ولأنّ خيار الناس هو حماية التحقيق من إصرار جهات سياسية عدة إخفاء الحقيقة وتمييع العدالة وإضاعة المسؤوليات، ولأنّ القضاء يجب أن لا يكون ألعوبة بأيدي السياسيين.
مواقف
وفي جديد المواقف السياسية، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قداس الاحد من في بكركي: «لو كان معطّلو الحكومة عندنا وبالتالي ممتهنو تعطيل المؤسسات الدستورية، والحياة الإقتصادية، وإفقار الشعب، مؤمنين حقاً بالله، لخافوه خوفاً مقدساً، وسارعوا إلى مرضاته عبر تأمين خير الشعب كله، وعبر تعزيز المؤسسات العامة وتنشيطها. لكننا نرى العكس تماماً، وبخاصة عندما تبوء بالفشل جميع الوساطات الداخلية والخارجية، وتغلب كفة التعطيل وإفقار المواطنين». وأضاف: «مع تعطيل الحكومة، يتعطل من ناحية أخرى نشاط القضاء المنزّه والحيادي والجريء. وهذا يقلق للغاية. فإنّ بعض القضاة يعززون الشك بالقضاء من خلال مشاركتهم في تعطيل التحقيق في تفجير المرفأ أو تعليقه أو تجميده أو زرع الشك في عمل المحقق العدلي. فقبل أن يطلب القضاء من الشعب أن يثق به، حري بالقضاة أن يثقوا بعضهم بالبعض الآخر».
واكّد الراعي «إنّ ما يجري على صعيد التحقيق في تفجير المرفأ مستغرب حقاً: طعن وراء طعن وردّ وراء ردّ، ونقض وراء نقض وتعليق وراء تعليق، وأرواح الشهداء تنتظر، وأهالي الشهداء ينتظرون، والعالم ينتظر. لماذا هذا الإستخفاف بدماء أكثر من 200 ضحية، و6 آلاف جريح؟». وتطرّق الراعي الى أحداث الطيونة وعين الرمانة وقال: «إذ نترك للقضاء المستقل أن يأخذ مجراه في هذه الأحداث، ندعوه إلى أن يكون حيادياً تجاه الجميع، ويراعي حقوق الموقوفين فيتوافر لهم حق الاجتماع بمحاميهم ولقاء أهاليهم، وندعوه للإسراع في التحقيق والإفراج عن كل من تثبت براءته».
عوده
من جهته، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده اكّد في قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت، أنّ «الكلام مسؤولية، ومن واجب الإنسان، والمسؤول بخاصة، أن يزن كلامه احتراماً لنفسه ولكرامته وكرامة وطنه. ألا تكفينا المشكلات والأزمات؟ هل نحن في حاجة إلى مزيد؟». ورأى أنّ «فترة الإذلال طالت، وأنّ المواطن لم يعد قادراً على التحمّل، وعوض أن يتكاتف الوزراء ويتآزروا في عملهم من أجل وقف التدهور وبدء التقدّم، نرى تعطيلاً وشللاً بسبب تباين المواقف، والخلافات والتناقضات والمصالح التي تفرّقهم عوض أن يكونوا مجتمعين على فكرة العمل والإنقاذ، بحسب شعار حكومتهم. ماذا نجني من التعطيل إلّا المزيد من الانهيار؟ وهل يميز الانهيار بين فئة وأخرى وطائفة وأخرى؟ ويحدثوننا عن العزة والكرامة وحرية التعبير». وسأل: «أي كرامة لبلد ضعيف، مفلس، منهار، معزول، محكوم إلّا بسلطة القانون؟ أين حرية التعبير والأفواه تُكمّ بالإكراه؟ في الأزمات، على مجلس الوزراء أن يكون في انعقاد دائم، أما عندنا فيتمّ تعطيله ووقف عمله بسبب صراعات مدمّرة، عوض التضحية من أجل لبنان لكي يبقى. ما جدوى المراكز أمام مصير البلد؟ وما أهمية المقاعد الوزارية أمام وجع الناس؟ أحبّوا شعبكم بقدر محبتكم لأنفسكم، وارأفوا به رأفة بأنفسكم».
«حزب الله»
واتهم نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم خلال احتفال تكريمي أقامه الحزب في الجنوب، السعودية، بأنّها «سببت مشكلة للبنان، عنوانها الاعتراض على تصريح لوزير الإعلام جورج قرداحي قبل أن يكون وزيراً». ووصف موقفها بانّه «موقف عدواني على لبنان». وقال: «السعودية قامت بكل الإجراءات السلبية من دون سبب وجيه، وخلافاً لكل الأعراف الديبلوماسية، ومن دون احترام لوزارة الخارجية ولا لرئاسة الوزراء، ولا إعطاء علم، بل طرد السفير اللبناني في السعودية طرداً، وهذا كله يُعتبر في خانة الإساءة من السعودية للعلاقات مع لبنان. لبنان لم يرتكب شيئاً، وليس مسؤولاً عن شيء، وليس مطلوباً من المعتدى عليه ألا وهو لبنان، أن يتنازل ويتذللّ ويعتذر، بل المطلوب من المعتدي التي هي السعودية أن تتراجع وتعتذر للشعب اللبناني». وأضاف: «نقول لبعض المسؤولين في لبنان، خففوا من الانبطاح أمام المتجبرين، لأنّ هؤلاء لا يرضيهم شيئاً، وإذا أعطيتموهم بذلّ، سيطلبون الأكثر، وهم ليسوا على حق، من هنا ندعو إلى معالجة موضوعية، والمسؤولية تقع على السعودية، وعلى كل حال فإنّ السعودية ليست راضية على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولا على كل الحكومة، ولم تكن راضية على تشكيل الحكومة السابقة من الرئيس سعد الحريري، وبالتالي لا يرضيها شيئاً من كل هذا التشكيل القائم، لأن لديها رئيساً للحكومة كانت تريده في لبنان، ولم يتمكن من أن يصل إلى الرئاسة».
***********************************************
«ربط نزاع» داخل الحكومة.. وكرة العرقلة في ملعب «حزب الله»!
تضامن لبناني واسع مع العراق.. واستياء شيعي من هجوم بكركي على مزهر
المشهد السياسي الداخلي، لم يعد في دائرة الترقب فقط، أو دائرة الانتظار، هو يشهد حراكاً خاصاً به، التباينات تتمظهر، وكذلك التحالفات، والخلافات الرئاسية تحط وتغطّ عند تعديلات قانون الانتخاب، على أبواب اقدام التيار الوطني الحر للطعن امام المجلس الدستوري، تفاقمت بعد الانتخابات الطلابية بين حركة «امل» لتمتد بين الحركة وبكركي على خلفية ما جاء في عظة الأحد على لسان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي قال: «مع تعطيل الحكومة يتعطل عمل القضاء وبعض القضاة يعززون الشك بالقضاء من خلال مشاركتهم في تعطيل التحقيق في تفجير المرفأ أو تعليقه أو زرع الشكّ في عمل المحقق العدلي».
مضيفاً: «أمام ما نرى من تجاوزات قانونية، نتساءل هل اصبح بعض القضاة عندنا غبّ الطلب لدى بعض المسؤولين والاحزاب والمذاهب؟».
وحملت مقدمة الـNBN الناطقة بلسان حركة «امل» ما يمكن وصفه بالرّد على البطريرك الراعي إذ جاء فيها: سيوف من نوع آخر يستلها البعض من غمدها الطائفي المقيت ليشن حملة على قاض عبر تسطير مضبطة اتهام باطلة بحقه لا لشيء سوى لأنه قام بما يمليه عليه القانون وضميره على حدّ سواء في ملف انفجار المرفأ.
جوقة من الأدوات الطائفية المشبوهة تمّ تحريكها، ليس بسحر ساحر، بل بفعل فاعل، وعن سابق تُصوّر وتصميم، لمجرد ان القاضي حبيب مزهر كف يد المحقق العدلي طارق البيطار.
بدا واضحاً خلال الايام القليلة الماضية ان كل الوساطات الداخلية والخارجية لم تفلح في معالجة ازمتي القضايا العالقة امام القضاء، والموقف السعودي من لبنان والذي استمرت مفاعيله بالمعلومات عن مغادرة طواقم دبلوماسية السفارة يوم امس الاول السبت، فما كُتِبْ قد كُتِبْ، والحلول بيد اللبنانيين قبل غيرهم، لكن الحسابات المبنية على مخاوف من استهدافات تعيق اي حل، وهكذا يرتبط العامل الداخلي بالعامل الخارجي ما يفرض تكامل العاملين لإخراج لبنان من ازمته وهذا الامر ما زالت دونه عقبات وصعوبات، بينما يطغى على الحراك الداخلي ترتيب كل فريق اوراقه للانتخابات النيابية بإعتبارها الهاجس الاول لديه في هذه الايام الحالكة، وكأن البلاد والعباد بألف خير. وعلى هذا ثمة من يرى ان الخلافات والانقسامات ستبقى حتى إجراء الانتخابات النيابية وتكوين تكتلات نيابية جديدة تنبثق عنها حكومة حكومة تشبه هذه التكتلات فيكون الوضع كَمَنْ يلحس المبرد.
وأبلغ قرداحي المتصلين به انه سيداوم في مكتبه بدءا من اليوم، مع العلم ان الرئيس ميقاتي قطع اتصالاته به لعدم الامتثال إلى رغبته بالاستقالة الطوعية.
تعقيدات الحلحلة
أشارت مصادر سياسية إلى ان محاولات حلحلة تعقيدات تعطيل جلسات الحكومة، بقيت تدور في حلقة تشبث حزب الله بمطلبه، لتنحية القاضي طارق البيطار، فيما زادت مواقف وزير الإعلام جورج قرداحي ضد المملكة، والانقسام السياسي الحاد بخصوص اقالته، او استقالته، تعقيدات وعراقيل اضافية، يصعب تجاوزها، في ظل تصعيد المواقف والتصريحات بين بعض المسؤولين بالمملكة العربية السعودية وحزب الله مع احتدام المعارك باليمن، مع تصاعد حدة الاتهامات السعودية الرافضة لمشاركة الحزب بهذه الحرب، والمطالبة بوضع حد لهذه المشاركة.
ولاحظت المصادر ان امعان الحزب بتعطيل جلسات مجلس الوزراء، بأي ذريعة كانت، يتعارض كليا مع المواقف التي أعلنها قادته، بتأييد ودعم الحكومة، قبل وبعد تأليفها، ويؤشر بوضوح، على ان سلوك الحزب لسياسة التعطيل، ومهما تفنن الحزب في تبرير هذه السلوكيات التي يداب عليها، واعتبار مسبباتها داخلية، فهي لا تخفي ارتباطها بالمواجهة الحاصلة اقليميا، وهذا الامر يظهر بوضوح، ويندرج في اطار المواجهة الاقليمية، التي تخوضها ايران، مباشرة، او باذرعها، مع العديد من الدول العربية، باليمن، والعراق وغيرها، في حين يظهر تسارع التطورات عربيا، ولاسيما على الساحة العراقية، بعد تمخض الانتخابات الأخيرة في العراق، عن خسارة القوى التابعة لايران، وفوز القوى المناهضة لها، ومحاولات تأجيج التجييش الشعبي ضد السلطة العراقية بالشارع،للانقلاب على الحكومة العراقية، لتغيير او تزوير هذه النتائج عنوة، وانتهاء بالمحاولة الارهابية لاغتيال رئيس الوزراء العراقي، ان ما يجري في لبنان، بالنسبة لتعطيل عمل الحكومة،وشل مؤسسات الدولة، هو من ضمن هذه المواجهة، وليس خارجها.
ولذلك، تستبعد المصادر ان تنجح التحركات والوساطات الجارية، علانية، او خلف الاضواء، في حلحلة ازمة تعليق جلسات مجلس الوزراء قريبا، لا سيما ماتردد عن مساعي واتصالات ينوي القيام بها رئيس مجلس النواب نبيه بري مع أصدقائه في بعض الدول الخليجية وفي مقدمتها الكويت، لانهاء المشكلة المستجدة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، بعد تصاعد المواجهة الخليجية مع ايران، وبالتزامن مع الكشف عن خلية تعمل لصالح حزب الله داخل الكويت، استنادا لما اعلنته احدى الصحف الكويتية، وتداعيات هذا الكشف، سلبا على هذه المساعي، وعلى العلاقات بين لبنان والكويت.
تضامن لبناني مع العراق
وهكذا، بدأت محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، المنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي، وكأنها حدث محلي لبناني، نظرا للتشابه بين البلدين.. وفور ذيوع الخبر، أجرى الرئيس نجيب ميقاتي اتصالا، بالكاظمي هنأه فيه بالسلامة، وتمنى «للعراق الشقيق دوام الأمن والاستقرار».
كما اجرى الرئيس نبيه برّي اتصالا بالكاظمي، مطمئناً إلى صحته، بعد برقية وصف ما جرى بأنه «سيف القدر يحاول اغتيال العراق وامنه واستقراره».
كما دان الرئيس ميشال عون المحاولة التي تستهدف ليس فقط شخص الكاظمي، بل أمن العراق واستقراره، والجهود المبذولة في سبيل تعزيز الوحدة الوطنية العراقية.
وادان الرئيس سعد الحريري، مستنكرا ومهنئاً الكاظمي، بالسلامة، معربا عن حزنه لوجود قوى ضالة تراهن على بقاء العراق أسير الفوضى والتقاتل».
معلومات كاذبة
وضجت «مواقع التواصل» بمعلومات وصفتها الخارجية «بالمعلومات الكاذبة» عن وضع تصنيفات ولوائح بترحيل لبنانيين من بعض دول الخليج، مع عائلاتهم، إضافة إلى مقيمين يحملون جنسيات من بلدان أخرى من أصول لبنانية.
ونفت مصادر الوزارة علمها ان تكون الجهات الرسمية تبلغت بمثل هذا التوجه، كذلك نفى وزير العمل مصطفى بيرم ذلك.
وغرد سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري: «نَسْتَشْعِرُ بِأسىً شديدٍ مَعانِيَ أَحْرُفِ أميرِ المؤمنين علي بْنِ أبي طالب رَضِيَ الله عنهُ وهو يُسَطِّرُ في مَقولَتهِ الوقَّادَةِ عَنِ الحقيقةِ وَصِدْقِ الواقعِ المريرِ وما نَحْياهُ مِنْ تِيهٍ وَخَطَلٍ بقولهِ : « كُلَّمَا ازْدادَتِ الحقيقةُ وُضوحًا ازْدادَ أعداؤُها».
ومع التوقع ان يصل وفد الجامعة العربية إلى بيروت مع بداية الأسبوع. في مهمة استطلاع للموقف اللبناني من الأزمة مع دول الخليج، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية.
وحسماً للجدل، وقبل إطلالة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الخميس المقبل، طالب نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الحكومة إلى معالجة المشكلة، لا ان تجلس جانبا، فالحكومة مسؤولة عن مسار البلد وسياساته وعدم ايصاله إلى التعقيدات والمشاكل والفوضى.
وقال الشيخ قاسم في حفل تأبين: «إن فتنة القوات اللبنانية في الطيونة هي من نتائج القاضي بيطار، الذي كاد أن يجر البلد إلى حرب أهلية لولا حكمة حزب الله وحركة أمل وصبرهما ودقة عملهما، بحيث سحبا الفتيل من الشارع لمصلحة أن تستمر الحياة طبيعية في البلد.
اليوم نحن أمام محقق عدلي هو طارق البيطار، يتصرف باستنسابية وعمل سياسي، ويستهدف جماعات محددة، ويعمل خلافا للقانون، وبالتالي يجب أن نفتش عن حل لهذه المعضلة والمشكلة، فعندما تكون هناك 14 دعوى للرد والارتياب المشروع ضد هذا القاضي، فهذا يعني أنه مشكلة، وبالتالي يمكن أن يفتش عن قاض آخر وتحل المشكلة، أما أن يتفرج البعض أو يدعي أنه يريد الحقيقة، فليس بهذه الطريقة تحصل على الحقيقة، فالحقيقة تتطلب قاضيا نزيها عادلا لا يسيس عمله، ويكون الأطراف المعنيون راضين عن تكليفه ومتابعاته».
وطالب عضو تكتل لبنان القوي النائب آلن عون حزب الله وحركة أمل بفصل الملف القضائي عن السياسي»، مشيرا إلى ان الثنائي الشيعي عطل عمل الحكومة في بداية عهدها ولا نختلف على حقهم بالاعتراض.
واعتبر النائب عون انه «لا يمكن للثنائي الشيعي ان يطير المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار ولا التشكيك في مسار عمله، ولا يمكن نسف فكرة القضاة ولا فرض نظرية المؤامرة ويجب فك اللغم الذي وضعوه في الحكومة»، وتابع: «نحن ليس ضد النقاش في التعديل الدستوري إذا كان لمساعدة التحقيق في ملف قضية مرفأ بيروت».
طعن التيار
انتخابياً، يعدّ تكتل لبنان القوي العدة للطعن في قانون الانتخابات النيابية في قابل الايام، في خطوة قد تطيّر مهل الاستحقاق وربما الانتخابات برمّتها. وفي السياق، اعتبرت الهيئة السياسية في التيّار الوطني اثر اجتماعها الاسبوعي «قانون الإنتخاب رقم ٨/٢٠٢١ الذي نشر في الجريدة الرسمية عديم الوجود Nul et non avenu كونه لم يصدر في مجلس النواب بتصويتٍ من الأكثرية الموصوفة والمحددة في المادة 57 من الدستور في حالة القوانين المردودة من رئيس الجمهورية. أمّا الذي حصل في مجلس النواب فهو تفسير خاطئ ومبطن للدستور، بواسطة أكثرية عادية صوتت في إتجاه مصلحتها بخلاف الدستور. ويأمل التيّار من المجلس الدستوري أن ينظر في هذا الإرتكاب الضارب للدستور والميثاق، بمعزل عن مضمون المواد التي سيطعن التيّار إستطرادًا بها».
في سياق البطاقة التمويلية، طلب وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار من الرئيس برّي عقد جلسة قريبة لإقرار القانون المتعلق بالاتفاقية بين البنك الدولي والدولة اللبنانية لدعم الأسر الأكثر فقرا والمبلغ حاضر».
وأعلن حجار إلى ان «المنصة أصبحت جاهزة والعقد مع الشركة المشغلة جاهز ويمكننا إطلاق التسجيل فور إقرار التعديلات في مجلس النواب». وأشار إلى ان «الجهات المانحة تفضل ان ندفع بالدولار وفق برامج للمساعدة». مشيرا إلى ان «اموال الـ issn الـ246 مليون دولار موجودة وسيستفيد منها 160 ألف عائلة».
مراجعات ضد مزهر
من المتوقع ان يشهد الاسبوع الطالع تطورات على خط كف يد البيطار لمعرفة ما اذا كان سيستأنف عمله ام لا، وذلك في ضوء تحديد الموقف القضائي السليم والنهائي من قرار القاضي حبيب مزهر الذي كفّ يد المحقق العدلي، علما ان الثلثاء موعد جلسة استجواب الاخير للنائب غازي زعيتر.
وحسب ما جرى تداوله، ستقدم نقابة المحامين اليوم على مراجعات عدّة بينها مراجعة إلى مجلس القضاء الأعلى لتطبيق مادة تُشير إلى ما وصفته بـ «تجاوزات القاضي مزهر» وأخرى إلى التفتيش القضائي، وآخر إلى محاكم استئناف بيروت للفصل في ملف ردّ القاضي بيطار، وآخر برد طلب القاضي مزهر بسبب تجاوز «حد السلطة».
646629 إصابة
سجلت أمس وزارة الصحة اصابة 824 شخصا بفايروس «كورونا» و6 وفاة، ليرتفع العدد التراكمي إلى 646629 إصابة مثبتة مخبريا منذ 21 شباط 2020، إلى 646629.
***********************************************
الحكومات المتعاقبة عجزت عن القيام بمهامها… وهذه تحديات حكومة ميقاتي
إذا إستمرّ تعطيل عمل الحكومة… سيناريوهات عدة أحلاها مرّ
تدحرج الفساد في لبنان… عشرات رجال الأعمال مُستهدفون بالعقوبات الأميركية – جاسم عجاقة
تنصّ مهام الحكومات، كما تُعرّفها النظرية الإقتصادية، على تنظيم عمل الماكينة الإقتصادية وإقرار التشريعات المناسبة والرقابة على تطبيق هذه التشريعات. وإذا ما نظرنا بالعمق إلى الأهداف الإقتصادية للحكومات، نرى أن هذه السياسات الحكومية تهدف إلى رفع الناتج المحلّي الإجمالي مع الأخذ بعين الإعتبار المُعطيات الإجتماعية والبيئية، وهو ما يُعرف بالإنماء المُستدام الذي حدّده برنامج الأمم المُتحدة للإنماء بسبعة عشر مؤشراً تسمح بقياس تطور البيئة الإقتصادية والإجتماعية والأوضاع البيئية.
الثبات السياسي والأمني
إلا أن عمل الحكومات يواجه تحديات عدة لعلّ أهمها الثبات السياسي إضافة إلى غياب الرؤية الواضحة في التنظيم والتشريع الإقتصادي. سياسيًا، الثبات السياسي الذي يُقاس بعدّة مؤشرات منها عمر الحكومات، النزاعات الداخلية، النزاعات مع الخارج، التشنجات الطائفية، الفساد، وعسكرة النظام… هو عنصر أساسي في عمل الحكومات الإقتصادي نظرًا إلى أن أي خطّة إقتصادية تحتاج إلى ثبات سياسي بهدف تنفيذها في ظل تفادي تعطيل عمل الحكومة التي تمتلك حصرية القرار الإقتصادي.
لم تشهد الحكومات المُتعاقبة في لبنان منذ العام 2005 وحتى يومنا هذا أي ثبات سياسي بحسب البيانات التاريخية. فتراكم الأحداث من إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى الأزمة مع دول الخليج مرورًا بعدوان تموز 2006، وأحداث 7 أيار، والفراغ الرئاسي، وبدء الأزمة السورية، وتفجيرات العامين 2013 و2014، والفراغ الرئاسي الثاني، وحادثة قبرشمون، وإحتجاجات 17 تشرين، وجريمة مرفأ بيروت، وأحداث الطيونة… كل هذه الأزمات ربطت الإقتصاد بالأحداث السياسية والأمنية وجعلت المواطن اللبناني يدفع ثمن عدم الثبات هذا سواء من حياته (جريمة المرفأ مثلًا) أو من مستوى معيشته (ضرب القدرة الشرائية وفلتان سعر الدولار مثلًا). وبالتالي يُعتبر غياب الثبات السياسي عنصرًا أساسيًا في الوضع المأساوي الذي وصل إليه المواطن اللبناني.
الأزمة الحالية التي تعصف بالحكومة والتي تُرجمت بتعطيلها، لها بعدان: أحدهما مُتعلّق بتحقيقات جريمة مرفأ بيروت، والآخر مُتعلّق بتصريحات الوزير جورج قرداحي. وتُشير تصريحات المسؤولين إلى أن الأزمة مُرشحة إلى الإستمرار إلى آمدٍ غير معروف خصوصًا أن البعض أصبح يُشكّك حتى بحصول الإنتخابات النيابية في الفصل الأول من العام المقبل.
عمليًا، هذا التعطيل سينسحب على الواقع الإقتصادي والمعيشي خصوصًا أن عملية تآكل الليرة اللبنانية ما زال مُستمرة أمام سوق سوداء – لا يُمكن القول عنها إلا أنها الفساد بحد ذاته – وأمام إحتكار وتهريب مُستمرين على قدم وساق وغياب أي إجراء من حكومة الرئيس ميقاتي تجاه هذا الواقع الآليم، وكأنه إستمرار لسيناريو حكومة تصريف الأعمال السابقة، فإن ترجمة هذا الواقع الأليم سيكون على عدّة مستويات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولًا – الإستمرار في طبع العملة لتغطية عجز الموازنة ولتأمين السيولة المطلوبة للسوق في القطاعين العام والخاص، وهو ما يُشكّل خسائر يتحمّلها كل المواطنين اللبنانيين سواء بتردّي مستوى معيشتهم أو من خلال فقدان قيمة مدخراتهم وودائعهم؛
ثانيًا – زيادة نسبة الفقر المتصاعدة بشكل خطير مع ضرب لهيكلية المُجتمع اللبناني خصوصًا الطبقة المتوسطّة التي إضمّحلّت لصالح الطبقة الفقيرة. وإذا كان المسؤولون يتغاضون في تصريحاتهم عن واقع الفقر، إلا أن تقرير الإسكوا الأخير أشار بكل وضوح إلى أن 40% من الأسر اللبنانية تعيش في فقر مُدّقع (أقلّ من 1.9 دولار أميركي في اليوم للفرد)، وأكثر من 70% من الأسر في فقر عام، و82% من الأسر في فقر عام إذا ما أخذنا الأبعاد الصحية والتعليمية؛
ثالثًا – إضعاف موقف لبنان في ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي ينتظر الحكومة لبدء هذه المفاوضات. هذا الضعف يأتي من فقدان المصداقية في تنفيذ الوعود من قبل لبنان ولكن أيضًا من باب زيادة الخسائر التي تُترّجم بالدرجة الأولى في التضخّم!
رابعًا – هجرة العنصر الشبابي والذي يُشكّل حجر الزاوية في أي عملية تعاف مرتقب أو نهوض للبنان حيث أن هذه الهجرة ستحرم الماكينة الإقتصادية من أهم عامل فيها وهو اليد العاملة الكفوءة عملًا بمُعادلة كوب-دوغلاس المتعلقة بالناتج المحلي والمرتبطة بعوامل ثلاثة، رأس المال، والعمالة، والتطور التكنولوجي (Output=f[K,L,T])؛
خامسًا – فقدان لبنان لمكانته الإستراتيجية لصالح بعض الدول المُجاورة على حساب لبنان وهو ما سيكون له تداعياته على صعيد الماكينة الإقتصادية؛
سادسًا – التأخير في عملية إستخراج الغاز الطبيعي القابع في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان مع ما لذلك من تداعيات على صعيد الإنماء المُتوقّع من عملية الإستخراج هذه؛
سابعًا – إنسحاب للإستثمارات الأجنبية المباشرة من لبنان وهو ما يُشكّل ضربة للمواطن اللبناني قبل كل شيء على مثال شركات الأدوية في لبنان أو غيرها، بالإضافة إلى إنسحاب الإستثمارات المالية الأجنبية (إذا ما إستطاعت!).
الثبات الإقتصادي والحكومات اللبنانية
في فرضية أن هناك ثباتًا سياسيًا وأمنيًا، يواجه عمل الحكومات تحدّيان أساسيان على الصعيد الإقتصادي:
التحدّي الأول – التوازن الداخلي وهو ما يُمكن ترجمته بالتوظيف الكامل (Full Employment)، وثبات الأسعار (Price-Level Stability). فالعمالة الناقصة أو الإفراط في العمالة تؤديان إلى تحركات في مستوى الأسعار مما يؤدّي إلى الحد من كفاءة الاقتصاد. أما ثبات الأسعار فهو أساسي في اللعبة الإقتصادية وهو ما يفرض على الحكومات منع التحركات الكبيرة في إجمالي الطلب بالنسبة لمستوى التوظيف الكامل، والتأكد من أن المعروض النقدي المحلي لا ينمو بسرعة مضرة ولا ببطء شديد.
التحدّي الثاني – ويتمثّل بالتوازن الخارجي وهو ما يُمكن ترجمته بحساب جارٍ مُلائم، حيث أن عجزًا كبيرًا في الحساب الجاري هو نتاج خطأ في السياسة الحكومية ويؤدّي إلى رفع الإستهلاك وبالتالي يمتنع المُستثمرون عن الإستثمار في الإقتصاد. أما الفائض الكبير في الحساب الجاري، فإنه يؤدّي أيضاً إلى إنخفاض في الإستثمارات…
في الواقع كل ما ورد أعلاه، يُمكن تلخيصه بمؤشّرين: عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات أو يُعرف بالعجز التوأم (Twin deficit).
في لبنان عجز الموازنة مُزمن منذ تسعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، كذلك الأمر بالنسبة لميزان المدفوعات. وإذا كان الهدف الرئيسي لصندوق النقد الدولي مُساعدة الدول الأعضاء في حل مشاكل ميزان المدفوعات، فلا يُمكن أبدًا للمسؤولين اللبنانيين القول بأنهم تفاجأوا بالأزمة نظرًا إلى أن عجز ميزان المدفوعات يؤدّي حكمًا إلى الإنهيار إذا ما إستمر إلى فترات غير قصيرة.
إذًا ومما تقدّم، تتحمّل الحكومات المُتعاقبة – إلى يومنا هذا – مسؤولية الوضع الذي وصلنا إليه ولا يُمكنها نكران هذه المسؤولية نظرًا إلى أن نكران مسؤوليتها يعني أن هذه الحكومات غير كفوءة والإعتراف بالمسؤولية هو واجب مهني وأخلاقي لبدء صفحة جديدة.
مكافحة الفساد
إحد الأسباب التي تؤدي إلى غياب الثبات السياسي هو تفشّي الفساد. هذا الفساد الذي قدّرناه في العام 2015 بأكثر من عشرة مليارات دولار أميركي سنويًا، منع الحكومات من القيام بمهامها نظرًا إلى أن المُهِمَتَيّن الإقتصاديتين الأساسيتين للحكومة – عنيت الحفاظ على توازن الميزان الداخلي وتوازن الميزان الخارجي – كانتا غائبتين سواء جراء منع الإجراءات اللازمة أو الإتيان بأشخاص لا يتمتعون بالمهارات الكافية لهذه المهمة.
عمليًا الفساد طال كل مؤسسات الدولة اللبنانية وعلى رأسها أجهزة الرقابة التابعة للسلطة التنفيذية. إلا أن فقدان السيطرة على الفساد بدأ مع تدخّل السلطة التنفيذية بعمل القضاء وهو ما شلّ حركة هذا الأخير وبالتالي منع محاسبة الفاسدين على الرغم من معرفة القضاء بهذا الفساد وتلقيه شكاوى في العديد من الحالات. وما تقرير ديوان المحاسبة، في الأمس القريب، عن 27 مليار دولار أميركي مجهولة المصير في حسابات الدولة اللبنانية وعدم تدخّل القضاء والنظر في هذا الإخبار العلني الصادر عن إحدى الدوائر الرسمية إلا دليلًا قاطعًا على شلّ حركة القضاء.
تُشكّل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بابًا لإستعادة السيطرة على الفساد وذلك من خلال إرساء آليات في عمل المؤسسات العامة تكون مبنية على الحوكمة الرشيدة وعلى المحاسبة. وهو ما يعني بعبارات بسيطة فصل السلطات، مكننة المؤسسات، تفعيل عمل الأجهزة الرقاببية، وضمان المساءلة من خلال إستقلالية القضاء.
وبالتالي تُعتبر هذه المفاوضات عنصرًا أساسيًا في عملية مكافحة الفساد ومع ذلك فإن هذه العملية في خطر نتيجة التعقيدات التي قد يضعها البعض أمام سير هذه المفاوضات. من هنا تتخوّف العديد من عواصم القرار – وعلى رأسها الولايات المُتحدة الأميركية – من عدم قدرة لبنان على مكافحة الفساد وهو ما جعلها تبدأ بإتباع منهجية تصعيدية مع زيادة عدد المعقابين بحسب قانون ماغنتسكي العالمي حيث تمّ إدراج أربعة أسماء شخصيات لبنانية على لائحة العقوبات في العامين 2020 و2021 وهو ما يُشكّل مؤشرًا واضحًا على الإهتمام الدولي بلبنان ومكافحة الفساد فيه.
وبحسب تصريحات المسؤولين الأميركيين، فإن الإدارة الأميركية ستستهدف كل شخصية ساهمت أو تُساهم في الفساد في لبنان بالإضافة إلى شخصيات سياسية «عطّلت الحلّ السياسي في لبنان» بحسب الإدارة الأميركية. وتُشير المعلومات الى أن إستراتيجية الإدارة الأميركية تنصّ على ضرب بيئة الأعمال الفاسدة في لبنان التي تُعتبر الأداة الأساسية في تنفيذ الفساد، حيث يبلغ عدد المُستهدفين ما بين 80 إلى 100 شخصية شاركت أو تُشارك في عمليات فساد تطال المال العام، وعمليات إحتكار وتهريب. وتٌشير هذه المعلومات إلى أن دولا أوروبية تتعاون مع الولايات المُتحدة الأميركية في عملية رصد لحسابات ونشاطات رجال أعمال وقضاة على فترة تمتدّ على أكثر من عشرة أعوام.
وبغض النظر عن الأبعاد السياسية التي قد ترافق هذه العقوبات التي قد تُفرض على هذه الشخصيات، إلا أن الأكيد في الأمر أن القضاء اللبناني عاجز عن القيام بمحاسبة الفاسدين بسبب التدخل السياسي، وهو ما يجعل من العقوبات الدولية باب الخلاص الأساسي – أو الوحيد حاليًا!
***********************************************
الجامعة العربية تحاول … فهل تتجاوب السلطة؟
البلاد والعباد، لا الحكومة فحسب، تحت رحمة حزب الله. فالازمات على الصعد كافة، ديبلوماسيا وقضائيا ومعيشيا وسياسيا، تتفاقم بينما المعالجات متوقّفة بفعل فيتو قوي يرفعه الحزب، في وجه اي حل او مخرج او تسوية، لا تؤمّن له شروطه ومطالبه. وفي خطوة تصعيدية جديدة، غادرت طواقم ديبلوماسية وإدارية السفارة السعودية اول امس عبر مطار رفيق الحريري، بينما هو يمنع استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي وقد استنكر تكتل بعلبك – الهرمل «الحملة الظالمة عليه من قبل حكومة آل سعود وأدواتها في لبنان والمنطقة»، مؤكدا «وقوفه وتضامنه معه ومع كل موقف شجاع يدافع عن المظلومين». تحقيقات المرفأ بدورها، مشلولة الى حين تبيان مصير قرار القاضي حبيب مزهر، المحسوب على الثنائي، كفّ يد المحقق العدلي طارق البيطار، الذي إن لم يتمّ «قبعه»، لا جلسات لمجلس الوزراء، ولو انقطع الطحين والخبز والانترنت وحلّق الدولار. هذه «الفوقية» دفعت بأكثر من فريق كان حتى الامس القريب يهادن الحزب، الى رفع الصوت اليوم، منهم المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى، والحزب الاشتراكي، اللذان انتقدا الاستنسابية في معالجة حوادث خلدة، وسياسة الصيف والشتاء تحت سقف واحد، كما رفضا منطق تعطيل المؤسسات الدستورية.
«الجامعة» تتحرك
وسط هذا الانسداد التام، وفي وقت لا تزال الوساطات التي تحرّكت لرأب الصدع اللبناني – الخليجي، ومنها فرنسي واميركي، عاجزة عن تحقيق اي خرق في جدار التصلب السعودي، يصل حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية الى بيروت الاثنين، في ما يبدو انها زيارة استطلاعية للبحث في ما يمكن فعله لتهدئة التصعيد الخليجي.
سلّة بري
واذ بات واضحا ان اي حل يبدأ باستقالة او اقالة وزير الاعلام، الامر الذي يرفضه الحزب حتى الساعة، تعوّل مصادر سياسية عليمة على حلّ متكامل يعمل رئيس المجلس نبيه بري على انضاجه بعيدا من الاضواء، يشمل ازاحة البيطار، فعقد جلسة لمجلس الوزراء، فإزاحة قرداحي، غير ان حتى اللحظة، هذه «المبادرة» غير مضمونة النتائج ويبدو انها لا تُرضي حزب الله المتمسك بوزير الاعلام.
دعم وتحذير
في المقابل، وبينما يحكى عن تخلّ سنيّ محتمل عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حال لم يستقل واستمرت الازمة مع الدول الخليجية، برز تمسّك المجلس الشرعي الاسلامي برئيس الحكومة ودعمه له داعيا الى التعاون معه لاحتواء تداعيات هذه العاصفة للخروج من الأزمة التي ينبغي ان تحل لبنانيا «أولا بعدم اطلاق المواقف غير المسؤولة تجاه السعودية وسائر دول الخليج العربي والتي لا تشبه اللبنانيين الحرصاء على أصالتهم العربية وعلاقاتهم مع أشقائهم العرب، مؤكدا ان التعنت والاستمرار بالمكابرة والتشبث باي موقع وزاري لأسباب سياسية وكيدية يتناقض مع المصلحة اللبنانية ومؤذ للبنانيين داخليا وخارجيا.
كف اليد
قضائيا من المتوقع ان يشهد الاسبوع الطالع تطورات على خط كف يد البيطار لمعرفة ما اذا كان سيستأنف عمله ام لا، وذلك في ضوء تحديد الموقف القضائي السليم والنهائي من قرار القاضي حبيب مزهر الذي كفّ يد المحقق العدلي، علما ان الثلاثاء موعد جلسة استجواب الاخير للنائب غازي زعيتر.
البطريرك الراعي
وفي السياق قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «مع تعطيل الحكومة يتعطل عمل القضاء وبعض القضاة يعززون الشك بالقضاء من خلال مشاركتهم في تعطيل التحقيق في تفجير المرفأ او تعليقه او زرع الشك في عمل المحقق العدلي».
وأضاف متسائلاً، «امام ما نرى من تجاوزات قانونية، نتساءل هل اصبح بعض القضاة عندنا غب الطلب لدى بعض المسؤولين والاحزاب؟»
لا للعين الواحدة
التحقيقات في حوادث خلدة تبدو بدورها «استنسابية» وتذهب لصالح فريق على حساب آخر. وللغاية، غرد رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط عبر تويتر كاتبا: بعيدا عن التدخل في القضاء ومن باب المساعدة للوصول الى حل عشائري وانهاء التوتر والتشنج يجب في حادثة خلدة النظر والعمل بشكل متوازن وليس بعين واحدة بعيدا عن اي تحريض او تدخل من اي جهة.
مأسسة العلاقة
الى ذلك، طالب التيّار بـ«عودة العمل الحكومي بلا شروط وبمعزل عن أي أمر آخر، وعدم تحميل الحكومة ما هو خارج عن إختصاصها. ويرى أن الإستحقاقات الداهمة لا سيما منها الأزمة الإجتماعية، تتطلب إستنفاراً حكومياً وبرلمانياً من أجل إقرار خطة التعافي المالي، توازياً مع الإصلاحات والإجراءات التي تحدّ من معاناة اللبنانيين. كما دعا «الى جعل الأزمة الحاصلة مع المملكة العربية السعودية فرصة لمأسسة العلاقة معها والتي نريدها مميزة، قائمة بين الدولتين على الندية والإحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فلا تؤثر فيها المواقف الفردية».
تيمور جنبلاط
من جانبه، دعا رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط الى «الابتعاد عن التعطيل ومعالجة الأزمة مع الخليج».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :