كتب رشيد حاطوم
رئيس تحرير موقع icon news
ليست المأساة في غياب القيم الإنسانية عن الخطاب السياسي، بل في طريقة استخدامها. ففي عالمٍ يزعم الدفاع عن الإنسان، تعيش شعوب بأكملها خارج دائرة التعاطف المشروع. غزة تُباد تحت الحصار، أطفالها يُقتلون أمام عدسات العالم، وجنوب لبنان يُستباح دون توقف، فيما تُدار الأولويات السياسية وكأن هذه الدماء لا تستحق الاستنفار.
من هذا المنطلق، يثير التفاعل السياسي اللبناني مع حادثة أستراليا أسئلة تتجاوز الحدث نفسه. فالإدانة السريعة، والاتصالات الدبلوماسية، ورفع منسوب الخطاب الأخلاقي، جاءت في وقتٍ يغيب فيه الموقف نفسه، أو يضعف، حيال الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي بحق شعبنا وشعوب المنطقة.
إن اندفاع بعض القوى السياسية إلى التعاطف مع حادثة خارجية، مقابل إغفال المجازر اليومية بحق الأطفال والمدنيين، لا يمكن اعتباره موقفاً إنسانياً متكاملاً، بل يعكس خللاً عميقاً في ميزان الأولويات، وانخراطاً، واعياً أو غير واعٍ، في سردية دولية تسعى إلى تبييض صورة المعتدي وتجريد الضحية من سياقها.
الأخطر أن تُقدَّم هذه المواقف بلغة عامة، مجردة من التحديد، في لحظة تحتاج إلى وضوح لا لبس فيه. فالسياسة لا تُقاس بحسن النوايا، بل بقدرتها على الانحياز إلى الحقيقة، وبتسميتها الأشياء بأسمائها. وعندما يُساوى بين حادثة فردية وحرب إبادة، يتحول “الاعتدال” إلى غطاء للصمت، ويتحوّل الصمت إلى موقف.
لبنان لا يحتاج إلى شهادات حسن سلوك سياسية، ولا إلى مواقف تُرضي الخارج على حساب الداخل. ما يحتاجه اليوم هو خطاب صادق مع شعبه، واضح في عدائه للاحتلال، ومنحاز إلى دماء الأبرياء حيثما كانوا، لا حيثما تسمح الحسابات.
ففي زمن التحولات الكبرى، تبقى البوصلة واحدة: إدانة القاتل، حماية الضحية، ورفض تحويل القيم الإنسانية إلى أداة انتقائية تخدم القوة لا العدالة.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :