لا يبدو الكمان في يده مجرد آلة، بل هو رفيق رحلة، وصوت روح تبحث عن موطن في نوتات تتراقص. إنه سليم بن عبدالله، عازف الكمان التونسي الذي حوّل مسار حياته إلى قصيدة موسيقية، تبدأ من بيته في تونس حيث كانت الموسيقى لغته الأولى، لتصل إلى أعرق المسارح العالمية.
في طفولته، لم يكن الكمان خيارًا مهنيًا بقدر ما كان نداءً داخليًا. لاحظ والده ذلك الشغف الخافت في عينيه، فأمسك بيده الصغيرة واقتاده إلى المعهد الوطني للموسيقى. هناك، بين قواعد الصولفيج وأسرار النوتات، بدأ سليم في اكتشاف عالمه الحقيقي. لم تكن الدراسة مجرد تحصيل علم، بل كانت مغامرة يومية للعثور على صوته الخاص بين أوتار الكمان.
لكن طريق الفن ليس مفروشًا بالورود فقط. جمع سليم بين الدراسة والعمل، معلماً للكمان في معاهد مختلفة، من جندوبة إلى أريانة. كان ينقل شغفه لطلابه، وكأنه يزرع بذورًا جديدة في كل عازف صغير. وفي الوقت نفسه، كان يبني مسيرته الفنية بحلم أكبر: أن يسمع العالم صوت كمانه.
وها هي اللحظات السحرية تأتي. على مسرح مهرجان قرطاج، تحت الأضواء وبحضور آلاف القلوب المتلهفة، وقف سليم يعزف. في تلك اللحظات، كما يصفها، “تتوقف الزمن، ولا يعود الكمان آلة، بل يصبح نبضًا ينبض مع قلبي، وهمسًا يروي حكايات لا تحتاج إلى كلمات”. كان يعزف مع كبار الفنانين مثل لطفي بوشناق وأمينة فاخت، محوّلاً النوتات إلى مشاعر تلامس الجمهور.
وراء كل هذه النجاحات، يظل سليم ذلك الإنسان المتواضع الذي يؤمن أن الطريق لا ينتهي. فكل حفلة جديدة هي فصل في رحلته، وكل وتر يلمسه هو فرصة ليكتب قصة جديدة. يجمع بين دوري الأستاذ والفنان بانسجام، كأنه يقول للعالم: “الموسيقى ليست مهنة نمارسها، بل هي حياة نعيشها”.
سليم بن عبدالله… ليس مجرد عازف، بل هو رحالة يحمل كمانه كجواز سفر إلى القلوب، يروي بمقطوعاته الموسيقية حكاية طفل من تونس قرر أن يطير بعيدًا، دون أن ينسى عمقه و جذوره.
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي