حسناً فعل الرئيس جوزاف عون اختيار الجنوب مكاناً لإحياء عيد الاستقلال، ولإطلاق مبادرته التفاوضية حول تحرير مناطق الجنوب المحتلة، وتوجيه رسائله السياسية لكل الأطراف، بمن فيهم “حزب الله” وخصومه الداعين لشطب الحزب من المعادلة السياسية. ذلك أن هدف التفاوض هو إنجاز الاستقلال الكامل بتحرير كامل أراضي الجنوب، فلا استقلال بلا سيادة وطنية على كل الأرض.
وجّه الرئيس عون رسالة إلى “حزب الله”، من دون أن يُسمّيه، للعودة إلى الانخراط في مشروع الدولة بعد المتغيرات الإقليمية الكبيرة الحاصلة. وفي الوقت ذاته وجّه رسالة إلى خصومه، وقال البعض إنها موجهة بشكل خاص إلى “القوات اللبنانية” من دون تسميتهم، بالإقلاع عن نغمة اعتبار الطائفة الشيعية مهزومة و”إنهاء مكون لبناني بأكمله” كما قال. وكلاهما – برأيه – يُهدِّدان الميثاق والدولة معاً.
كل هذا الطرح من الرئيس عون تجاه الحزب وخصومه، جاء ليخدم مبادرته التفاوضية الجديدة، وتسويقها لدى الخارج الضاغط على لبنان وعلى الطائفة الشيعية، ليفهم هذا الخارج أن لا استقرار ولا تسويات من دون مكوّن أساسي لتركيبة لبنان ومجتمعه، وأن طروحات حلفاء الخارج في الداخل لإلغاء هذه المكون أو استبعاده عن التركيبة السياسية يؤدي إلى النتيجة ذاتها: لا استقرار ولا تسويات.
أما في تفاصيل بنود مبادرة الرئيس عون الخماسية النقاط، فهي لا تخرج عن سياق طروحاته التي بدأها بخطاب القَسَمْ، واستكملها في كل مواقفه الداخلية وفي لقاءاته الخارجية، وعنوانها الأساسي الجوهري: إنهاء الاحتلال الاسرائيلي بالكامل، والتفاوض غير المباشر على هذا الأساس. ولعل النقطة الأهم في المبادرة هي النقطة الأولى والتي جاء فيها: “تأكيد جهوزية الجيش اللبناني لتسلُّم النقاط المحتلة على حدودنا الجنوبية، واستعداد الدولة اللبنانية لأن تتقدم من اللجنة الخماسية فوراً، بجدول زمني واضح محدد للتسلُّم”، لأنها تلبي مطلب دول لجنة الإشراف الخماسية، لا سيما فرنسا، بوضع جدول زمني مفصّل وواضح بما أنجزه الجيش جنوبي نهر الليطاني، وهو أمر جاء في البند الثالث وفيه: “تكليف اللجنة الخماسية بالتأكد في منطقة جنوب الليطاني من سيطرة القوى المسلحة اللبنانية وحدها وبسط سلطتها بقواها الذاتية”. وقد جاء هذا المطلب العربي والدولي، بحسب مصادر دبلوماسية فرنسية، لتسهيل عقد المؤتمر الدولي لدعم الجيش اللبناني الذي تعمل فرنسا والسعودية على عقده في باريس أو الرياض.
أما موضوع حصرية السلاح، المطلب الأول الأساسي للخارج، فقد عرضه الرئيس عون في البند الخامس بقوله: “وبالتزامن (مع البنود الاربعة السابقة)، تتولى الدول الشقيقة والصديقة للبنان رعاية هذا المسار عبر تحديد مواعيد واضحة ومؤكدة، لآلية دولية لدعم الجيش اللبناني، كما للمساعدة في إعادة إعمار ما هدمته الحرب. بما يضمن ويسرِّع تحقيق الهدف الوطني النهائي والثابت، بحصر كل سلاح خارج الدولة، وعلى كامل أراضيها”.
إذاً، قدّم الرئيس عون للعالم خريطة طريق لبنانية واضحة ومفصّلة لإنهاء الاحتلال وإرساء وحصرية السلاح وتحقيق الاستقرار المستدام في الجنوب، عبر طرح التفاوض على أسس وثوابت لبنانية واضحة لا تنال من السيادة اللبنانية، وفي المبادرة رفض ضمني لمطالب وشروط الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية بالتفاوض المباشر، الذي يؤدّي ـ بحسب هذه المطالب ـ إلى إعطاء الاحتلال فرصة التصرف بما يراه مناسباً في المنطقة الأمنية الخالية من السكان التي يريد الجانبان الإسرائيلي والأميركي فرضها على لبنان.
ولأن مبادرة الرئيس جاءت في مناسبة عيد الاستقلال، فهو أكد فيها أن أهم ثوابت وشروط الاستقلال هو تحقيق السيادة الوطنية على كامل التراب اللبناني. فهل ثمّة من يعي ويوقف حالة التراخي و”بخّ السمّ” التي ستؤدي حكماً إلى الانتقاص من السيادة التي يُطبّل ويُزمّر لها مدّعو “الخطاب السيادي”؟
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :