كتب رشيد حاطوم
حين يتحوّل الحزب إلى سلعة… ويكشف القوميون أسماء من خطفوه
في ذروة العواصف التي تضرب منطقتنا، ومع استمرار سياسات الأرعن نتنياهو وإعلانه عن "إسرائيل الكبرى" — أي محاولة ابتلاع جوهر الأمة السورية — يجد القوميون الاجتماعيون أنفسهم أمام امتحان وجودي. لسنا أمام خطر خارجي فقط، بل أمام سؤال مصيري: هل تبقى العقيدة صلبة كما أرادها سعادة، أم يهزمها تفكك الداخل قبل عدو الخارج؟
أنطون سعادة، يوم قال إنه يخاطب أجيالًا لم تولد بعد، لم يكن يبالغ. كان يرسم خارطة طريق: النهضة تبدأ من النفس، من الروح، من القاعدة، من تحت إلى فوق، وليس من فوق إلى تحت. وكان يعرف أن أي انحراف عن هذا المبدأ سيحوّل الحزب إلى ساحة صراع بين الطموحات الشخصية والولاءات المتناقضة.
رموز أوصلت الحزب إلى هذا الدرك
لقد عانى الحزب من رموز — نكتفي بتسميتهم رموزًا حفاظًا على المعنى لا الأشخاص — تعاملوا مع الحزب باعتباره وسيلة لمكاسبهم، لا وسيلة لنهضة الأمة. رموز اتّخذوا الولاء الشخصي بديلاً عن العقيدة، والمصالح الفئوية بديلًا عن النهضة، فأسقطوا هيبة الحزب، وفتحوا الباب للانقسام، وتسببوا بتفسّخ داخلي يهدد الأساس الذي بُني عليه المشروع.
تلك الرموز لم تدرك أن العقيدة ليست ملكًا لأحد، وأن الحزب ليس منصة لارتقاء فرد بل أداة لنهضة شعب. ومن خلال ممارساتهم، نقلوا الحزب من موقعه الطبيعي كقوة تغيير إلى حالة من الجمود والصراع، حتى وصلت الأمور إلى هذا الدرك الذي لا يشبه تاريخ القوميين ولا إرث سعادة.
الحاجة الملحّة لوحدة الروح القومية الاجتماعية
رغم كل ذلك، يبقى توق القوميين الاجتماعيين الحقيقيين إلى الوحدة هو الأمل الأخير. وحدة الروح قبل وحدة المراكز. وحدة العقيدة قبل وحدة التنظيم. وحدة الوعي قبل وحدة البنية. فالمشروع لا يستعاد من فوق، بل من الأسفل؛ من الناس، من المنتمين، من صانعي الروح القومية الاجتماعية التي أرادها سعادة.
هذه الوحدة ليست شعارًا يُرفع في مناسبة، بل فعل مقاومة يومي، يبدأ من محاربة التفسخ الداخلي، ويمرّ بكشف الرموز التي أسقطت الحزب، وينتهي باستعادة العقيدة من غبار التراشق والمصالح.
شعبنا كلّه بحاجة إلى قراءة سعادة
في ظل تفسخ المجتمع، وولاءات البعض للخارج، والارتهان السياسي والاقتصادي، لم يعد فكر سعادة حاجة حزبية فحسب، بل صار ضرورة وطنية.
شعبنا كله بحاجة إلى قراءة سعادة: إلى فهم فلسفته، إلى إدراك معنى الانتماء، إلى استيعاب خطورة التفكك الاجتماعي، وإلى امتلاك أدوات الدفاع عن الأرض والمقدرات في وجه الأطماع التي تتجدد بأشكال مختلفة.
فكره هو الخلاص… لأنه مشروع يعيد تكوين الإنسان قبل أن يعيد تكوين الدولة، ويعيد بناء المجتمع قبل أن يواجه العدو.
إن الطريق طويل، لكنه واحد: العودة إلى الأساس، إلى العقيدة، إلى رؤية سعادة التي تجاوزت زمنها. فالوحدة ليست خيارًا، بل شرط البقاء. وتصحيح المسار يبدأ حين يدرك القوميون الاجتماعيون أنهم أمام لحظة تاريخية، إما أن يكونوا فيها أداة نهضة أو يتركوا رموز الانحراف ينهشون ما تبقّى من حلمٍ بدأ قبل قرن.
في دهاليز كل أزمة، يظهر سر النهضة الحقيقي: أن القوميين الذين يلتزمون بالعقيدة بصمت، دون صفقات أو ولاءات، هم وحدهم الذين يصنعون التاريخ… وهم وحدهم الذين سيعيدون الحزب إلى حيث أراده سعادة، مهما تعاظمت الأكاذيب أو تمدّد مشروع “الأرعن” خلف الحدود.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :