وقفة عزّ في زمن الخنوع: عندما تتحول الكلمة إلى سلاح

وقفة عزّ في زمن الخنوع: عندما تتحول الكلمة إلى سلاح

 

Telegram

Image

Image

 

كتب رشيد حاطوم

في زمن تطغى فيه أصوات المصلحة على صوت الضمير، وتغدو فيه المواقف سلعة تُباع وتُشترى، تبرز أقلامٌ كالجبال، ترفض الانحناء إلا للحق. هم أولئك الذين فهموا، كما قال المفكر أنطون سعادة، أن "الحياةَ كلُّها وقفةُ عزٍّ فقط". فالحياة، في جوهرها، ليست مساومات ومقايضات، بل هي اللحظة التي تقف فيها شامخاً، حتى لو وقفت وحيداً.

عندما اجتاحت عواصف الدمار جنوب لبنان وضاحيته وبقاعه، عندما ارتجفت الأرض تحت أقدام الأبرياء واختبأت الشمس خلف سحب الدخان والرعب، كان المشهد الأقسى هو صمت "الكثيرين". اختارت الأكثرية، بما فيهم نجوم الفن والإعلام، أن "يقعدوا على جنب". اختاروا ألا "يتلفظوا بكلمة حق"، ولا حتى أن "يتضامنوا بالكلمة". لقد تواروا خلف جدران الصمت، خوفاً من أن تحاسبهم سلطة المال، فتُغلق في وجوههم أبواب "الريع النفطي" وتُحرمهم من "كنوزه" اللامعة. لقد باعوا ضميرهم ثمناً لبقائهم في الواجهة، متناسين أن البقاء الحقيقي هو في القلب، لا على الشاشات.

لكن في قلب هذا الصمت المدوّي، انبعثت أصوات كالرعود. كان هناك يوسف حدّاد، وعمّار شلق، ويوسف الخال. وريتا حايك وغيرهم ,لم يكونوا مجرد كبار، بل كانوا أقلاماً مسنونة بالشجاعة، وقلوباً تنبض بالوطن. لقد أدركوا أن "الكلمة" في زمن الظلم ليست رفاهية، بل هي "مقاومة". فانطلقوا يحملون "صرخة المظلومين" على أكفّهم، ينقلون آلامهم وأوجاعهم إلى عالم لم يعد يسمع إلا لنغمة المال. كانوا كالطبيب الذي يرفض التخلي عن جرحاه حتى في ساحة المعركة.

كان الخيار شجاعاً، لكن ثمنه كان باهظاً. لقد أدركوا أن الدرب الذي اختاروه "مزروع بالأشواك". وعلموا أن موقفهم هذا سـ"يحرمهم من أدوار" و"يعزلهم عن محيطهم الفني". وكانوا واعين بأن أبواب العالم اللامع ستُغلق في وجوههم واحدة تلو الأخرى. لكن في سجل الوطن، تختلف الموازين. فالدور الذي يخسرونه على المسرح يربحونه في سجل التاريخ، والعزلة عن "مجالس" زائلة هي شراكة أبدية مع شعبهم.

لذلك، "لم يتراجعوا". واستمروا "حتى آخر لحظة"، لأنهم فهموا أن العزّ الحقيقي ليس في الحصول على كل شيء، بل في عدم التنازل عن شيء واحد: كرامتك وكرامة وطنك. لقد حوّلوا فنهم من تسلية عابرة إلى شهادة للتاريخ، ومن أغنية إلى صرخة تتردد في أودية الظلم.

اليوم، ونحن نذكر هؤلاء، لا نذكر مجرد أسماء، بل نذكر معنى "الوقفة". نذكر أن الوطن ليس أرضاً فقط، بل هو قضية. وأن الفنان الحقيقي ليس من يغني للجميع، بل من يغني للحق، حتى لو صفّق له القلة. هم علمونا أن الحياة، حقاً، هي "وقفة عزٍّ فقط"… فإما أن تقف شامخاً في نور مبادئك، أو تضيع في ظلّ صمتك.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram