يمتد حضور الذكاء الاصطناعي إلى مجالات مؤثرة في جوهر التجربة الإنسانية. حتى بات يلامس فكرة الوجود بعد الرحيل. ومن المقلق أن يتحول هذا الحضور إلى التباسٍ بين الذكرى والبديل، بحيث ينزلق الخط الفاصل بين ما يُستعاد للتذكّر وما يُستحضر ليؤدي الدور الذي انقطع برحيل أصحابه. ما يثير الانتباه هنا ليس الأداة بحد ذاتها، بل قابلية وعينا للوقوع في ارتباك المعاني حين تتشابه الصورة مع الأصل إلى حد الإيهام.
غالباً ما يُختزل النقاش في نطاق الحِداد، كأن المشكلة كامنة في المشاعر وحدها. شخصياً، أرى أن السؤال أوسع: هل نسمح لحضورٍ رقمي أن يتموضع حيث كان الحضور الإنساني قائماً؟ عند هذه العتبة، لا يعود الحديث عن مواساة مشروعة فحسب، بل عن انتقالٍ صامت من التذكّر إلى الاستبدال. ومن المقلق أن تزداد حدّة هذا الانتقال كلما ارتفع مستوى المحاكاة ودقّتها، فالفارق بين الواقعي والرقمي يتناقص تدريجياً إلى أن يصعب إدراكه.
لا أنفي إمكانية أن تعبّر هذه الوسائط عن نوايا صادقة واحترامٍ لذكرى الراحلين. لكن الاحترام، في تقديري، لا يثبت بمقدار تطابق الصورة، بل بقدرتنا على الحفاظ على المسافة التي تذكّر بأن الإنسان لا يُعاد إنتاجه. وكلما بدا “الحضور” الرقمي مقنعاً، برز سؤالٌ أخلاقي: هل ما زلنا نتعامل مع ذكرى، أم بتنا نتعلّق ببديل يخفف ألم الفقد من دون أن يعترف بحقيقته؟
لا أدعو إلى المنع ولا إلى الاندفاع. وبرأيي قد يكون القدر من التريث والتفكير هو الموقف الأكثر اتزاناً في هذه المرحلة: تفكيرٌ يختبر اللغة التي نصف بها علاقتنا بالغياب، ويعيد فحص الحدود بين العزاء والبديل، وبين الإحياء الرمزي والحضور المصطنع. فالمسألة، في جوهرها، تتعلق بكيفية صون معنى الغياب من أن يذوب في وعدٍ تقني جذّاب، وبكيفية الإقرار بأن الكرامة الإنسانية لا تختزلها محاكاة مهما بلغت من إتقان.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :