رجال المال.. كتاب يختصر الكفاح الفلسطيني قبل النكبة اقتصادياً

رجال المال.. كتاب يختصر الكفاح الفلسطيني قبل النكبة اقتصادياً

كتاب "رجال المال" دراسة اقتصادية تاريخية للعمل المعقّد المتمثّل في بناء وتطوير مفاهيم "الاقتصاد" في فلسطين ما قبل سنة 1948، وهو كتاب حافل بشخصيات تسعى إلى التجديد الاقتصادي في الأعمال التجارية والنشاطات الاقتصادية العامّة وداخل الأسرة.

 

Telegram

الندرة والاقتصاد في فلسطين إبان الانتداب" إصدار جديد عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، تعرض فيه "شيرين صيقلي" طبقة الرأسماليين الفلسطينيين وهي الطبقة التي غالباً ما يتمّ تجاهلها في تاريخ كلّ من فلسطين و"إسرائيل"، وتضعهم ببراعة في سياق عصرهم وتستكشف وعيهم الجماعي وآمالهم وتطلّعاتهم من خلال تقصّي إخفاقاتهم في اختراق السقف الحديدي للالتزام الاستعماري البريطاني بالمشروع الصهيوني، وتنتقد بشدة القيود الصارمة التي فرضها الاستعمار الاستيطاني لفلسطين. 
 
يعيد كتاب "شيرين صيقلي" "رجال المال" رسم خريطة الطبقات الاجتماعية في فلسطين تحت الانتداب البريطاني ويرفد الجهود المستمرة لإعادة التفكير في النهضة، كما يعرض هذا الكتاب بوضوح كيف أنّ المخطّطات المستخدمة للحوكمة تحت ضغوط كلّ من الثورة والحرب تكشف في نهاية المطاف عدم التماسك وعدم الفعّالية والعنصرية التي اتسم بها الحكم البريطاني.
 
كتاب "رجال المال الندرة والاقتصاد في فلسطين في إبان الانتداب"، للأستاذة "شيرين صيقلي" ترجمة "إبتسام بن خضراء" صادر عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية". 
 
كتاب "رجال المال" دراسة اقتصادية تاريخية للعمل المعقّد المتمثّل في بناء وتطوير مفاهيم "الاقتصاد" في فلسطين ما قبل سنة 1948، وهو كتاب حافل بشخصيات تسعى إلى التجديد الاقتصادي في الأعمال التجارية والنشاطات الاقتصادية العامّة وداخل الأسرة. تكشف "شيرين صيقلي" عن فلسطين التي أعيد تشكيلها شيئاً فشيئاً وعلى نحو واضح إلى عالم "يهودي" وعالم "عربي"، وتوفّر طرقاً جديدة تماماً للتفكير في "إسرائيل" / فلسطين والاستعمار – كلّ ذلك في سرد مشوّق وجذّاب يجعل القارئ منهمكاً في قراءة الكتاب.
 
أخيراً "يُعدّ تاريخ "شيرين صيقلي" النقدي للشخصيات الاقتصادية والمفكّرين الفلسطينيين مثالاً نموذجياً للنُهج الجديدة في الاقتصاد السياسي. ومن خلال تجنّب كلّ من الحزن الحنين والأطر القومية، يمثّل كتاب "رجال المال" أساساً لرفد وإثراء وتوجيه المناقشات في شأن الجذور الإقليمية للممارسات الاقتصادية عبر دراسات الشرق الأوسط في القرن العشرين".
 
السردية التاريخية
يتناول كتاب "رجال المال" فلسطين تحت الحكم البريطاني في ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته من خلال اقتصادها وبعيداً عن السردية التاريخية المتوقّعة لفلسطين، يسلّط الكتاب الضوء على ديناميكيات تشكّل الطبقات الاجتماعية بغية تحقيق رؤية لمجتمع عربي مثالي وموحّد من خلال التجارة الحرّة وتراكم الأرباح والمُلكية الخاصة، وبذلك يضع الكتاب فلسطين والفلسطينيين في عالم الفكر العربي والحياة الاجتماعية العربية الأوسع ويحوّل الانتباه بعيداً عن المناقشات المحدودة للصراع الصهيوني – الفلسطيني. 
 
تكشف "شيرين صيقلي" أنه في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين في فلسطين قامت مجموعة من النخب الذين عرّفوا عن أنفسهم بأنهم "رجال المال" بصوغ الاقتصاد على أنه كيان من المعرفة، ونأى هؤلاء الرجال عن المؤسسات التي عرّفت الاقتصاد بأنه علم للأسواق واعتبروه علماً للذات، ثم سعوا لنشر الإدراك الذي وصلوا إليه على أنه تقدّم اجتماعي وتشكيل مفاهيم جديدة للطبقة والمكانة وعملوا على حماية مصالحهم، وفي هذه الأثناء وخلال تلك الفترة بالذات حقّق الثوّار في فلسطين تضامنات على الأرض وأنجزوا مكاسب كبيرة في تحدّي الحكم الاستعماري البريطاني والتسلسل الهرمي الاجتماعي الفلسطيني، وفي خضمّ الاضطرابات الاجتماعية والسياسية شارك "رجال المال" في مشروع يقظة "فكري وثقافي"، وهو مشروع النهضة للعمل والتبشير بنظرية الاقتصادية المثالية، كان الصهاينة  يتصوّرون أنه لا يوجد شعب على أرض فلسطين بل إنّ الموجودين هم مجموعة الشخصيات التي سكنت سماء أرض "إسرائيل" بصورة كاريكاتورية: إنهم مجموعة من الأفندية الأثرياء الذين يمكن إزالتهم بسهولة وكان هؤلاء الأشخاص عبارة عن مجموعة متنوّعة من دون أيّ شيء يوحّدهم. 
 
كتاب رجال المال لم يكن مجرّد ردّ على إعلان غولدا مئير الشائن أنه لا يوجد شيء اسمه فلسطيني والاقتصاد الفلسطيني مجرّد تجمّع سلبي؟ وأنّ إظهارهم ليس وسيلة لإثبات وجود شخصيات استثمرت في المجتمع المدني، كما اعتبر كيث واتنبو، لكنّ باحثين من أمثال روجر أوين (Roger Owen) وألكسندر شولتش (Alexander Scholch)، وبشارة دوماني كان لديهم الاعتقاد أنّ فلسطين دخلت عالم النظام الرأسمالي مع بداية الاستعمار البريطاني، فقد كانت يافا وحيفا وعكا قبل سنة 1882 مراكز تصدير مهمة للتجارة الخارجية، وكانت نابلس أهمّ مركز للتجارة المحلية والإقليمية ومركزاً لصناعة الصابون والزيت والقطن، كما كانت يافا تصدّر إنتاج جنوب فلسطين من القمح والشعير والذرة وزيت الزيتون والصابون والبرتقال وغيرها من المحاصيل إلى فرنسا ومصر وإنكلترا وآسيا الصغرى وعموم سوريا.
 
نظرية الأفندي الفلسطيني
 كانت فلسطين في تلك المرحلة مسرحاً نشيطاً لهذه الأفكار والحركات الجديدة وقد أثبت الباحثون أنّ الثورة الكبرى في الفترة من 1936 إلى 1939 لم تكن قطيعة تاريخية، إنما كانت تتويجاً للتعبئة الراديكالية التي سعت للحلول محلّ السياسات الفاشلة للنخب البارزة، وقد أظهر تشارلز أندرسون (Charles Anderson) بشكل دقيق كيف أنّ صعود النقابات العمالية ومجتمعات الشباب والاتحادات وتجمّعات القرى والمهاجرين في أواخر عشرينيات وأوائل ثلاثينيات القرن العشرين عبّر عن نمط جديد من السياسة الجماهيرية، وبناء على عمل تيد سويدنبرغ (Ted Swedenburg) وغسان كنفاني، تحدّى أندرسون "فرضيّة الأفندي" وهي القناعة التاريخية بالتسلسل الهرمي الاجتماعي الفلسطيني المتزمّت الذي لا يملك أحد القوة فيه سوى النخب. 
 
في الحقيقة قدّرت لجنة التحقيق الأنغلو – أميركية أنّ ملكية الفلسطينيين لرأس المال (من الأصول السائلة، والأراضي الريفية ورأس المال الصناعي والأسهم والسلع التجارية والسيارات والمباني الزراعية والأدوات والماشية) بلغت 132.6 مليون جنيه، كذلك كانت لدى الفلسطينيين مبالغ مالية كبيرة في المصرفين العربيّين، اللذين توسّعا في هذه الفترة بشكل أسرع من أيّ مؤسسة مالية أُخرى في فلسطين في ذلك الوقت، إذ زادت الودائع والائتمانات بمقدار ستة وعشرين ضعفاً في البنك العربي وأربعة عشر ضعفاً في بنك الأمّة العربي  بين سنة 1939 وسنة 1946، وفي سنة 1941 بلغ إجمالي رأس المال في كلا المصرفين 532.215 جنيهاً فلسطينياً، وبحلول سنة 1945 ارتفع هذا الرقم إلى سبعة ملايين جنيه فلسطيني.
 
الشركات الناجحة انتقلت خارج فلسطين
وفي خمسينيات القرن الماضي قاد رجال مثل سابا وشومان ويوسف بيدس وعبد المحسن القطان بعض المشاريع الناجحة، منها التأمين والمصارف والمقاولات في الشرق الأوسط. وشملت هذه المشاريع شركات مثل العربية للتأمين والبنك العربي وبنك إنترا وشركة العقود والتجارة وشركة المباني التجارية وشركة المشرق للاستثمار المالي، وقد بدأت قصص نجاح رجال الأعمال قبل قيام الكيان 1948.
 
 تعتمد هذه الدراسة "رجال المال الندرة والاقتصاد في فلسطين"، في المقام الأول على وثائق من أرشيف "دولة إسرائيل" وأرشيف بلدية نابلس (NMA) ومكتب السجلات العامة رودس هاوس في أكسفورد وفي مقر جهاز الأمن العام، ومراجعة ملفات الهيئات الحكومية الفلسطينية مثل: وزارة التجارة والصناعة ومكتب المستعمرات ووزارة الخارجية وملفات المستشار الاقتصادي. ووجدت المؤلفة أنّ هناك وثائق حكومية ووثائق تجارية إضافة إلى الالتماسات والتقارير المقدّمة من السلطات المحلية والقرويين ومُلاّك الأراضي وأحياناً المستهلكين، وكان مكتب العلاقات العامّة غنياً بصورة خاصة بالمصادر المتعلّقة بالسياسات البريطانية في زمن الحرب بشأن مراقبة الاستيراد والاستهلاك. 
 
وفي رودس هاوس في أكسفورد قامت شيرين صيقلي بجمع منشورات الحكومة البريطانية من سجل الكتاب الأزرق مثل "المسح الاقتصادي الغذائي لفلسطين في زمن الحرب" والذي يتضمّن مسوحات مفصّلة لمعدّلات الاستهلاك لدى مختلف المجموعات الاقتصادية إلى جانب وثائق حكومية متعدّدة عن الأجور والتضخّم، وربما كانت الهيئة الوطنية للأسواق هي التي احتفظت بأغنى مجموعة من سجلات غرف التجارة العربية والمؤتمر الاقتصادي العربي وإن كانت غير مكتملة، كما اعتمدت  المؤلفة على صحيفة  "فلسطين" اليومية الصادرة باللغة العربية ونصوص برامجها ووجدت في الجامعة العربية في القدس سجلات لمجلة "الاقتصاديات العربية".

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram