غزة بين نار الشروط ولهيب الصمود..!! حين تُخطّ الاتفاقات بمداد الدم
في قلب الشرق الموشّى بالدماء، تقف غزة كمدينة لا تنام، ترفض أن تُطوى كما تُطوى الصفحات. بين سطور السياسة والدبلوماسية، تُطرح شروطٌ تُشبه العهود المكسورة، تُساق كعروض مبطنة برسائل القوة، بينما أرضها في الميدان تحكي حيًّا قصّة الصمود. فهل نجح ترامب بفرض شروط إسرائيل عليها؟ وهل يلتزم نتنياهو بوقف إطلاق النار فعليًا؟ أم أن كل ذلك مجرد تفاوض في وجه البؤس؟
لم يكن اقتراح خطة ترامب لقطاع غزة مجرّد ورقة في مرفقات الرؤساء، بل محاولة ضخّمها الإعلان ليكون الشعار الغالِب في مفاوضاتٍ تُدار بين السطور. من بنودها:
- وقف فوري للعمليات الحربية إذا قبلت الأطراف بما طُرح، كشرط لبدء حوار.
- انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية نحو خطوط محدّدة، كخطوة أولى نحو استعادة مساحة النبض المدني.
- إطلاق أسرى ورهائن خلال فترة محدّدة، كدلالة على أن القرار ليس في اليد فقط، بل في الثقة المتبادلة.
- نزع سلاح المقاومة، أو تقليص دوره، وتحويل الإدارة لغزة إلى جهة تحت الرقابة الدولية أو الإقليمية.
- ضمان تدفّق المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار القطاع، بحيث يكون السلام مشروعًا واقعيًا لا شعارًا.
ما بدا لأول وهلة كأنّ شروط إسرائيل تُطبع في قوالب أمريكية، إلا أنها في الجوهر تجربة سياسية تُختبر على أرض غزة.
ثاني المشهد: الخشوع الظاهري وتحفّظ التنفيذ
نتنياهو أعلن موافقته، لكن بموازين متحفظة. قال “أملي أن نبدأ بخط انسحاب أولي”، لكنه لم يعلن عن انسحاب تام، ولا عن رقابة أشمل على الحدود. خطواته كانت توفيقية: قبول صوري، تحفّظ فعلي. إذ كيف يُؤمَّن الانسحاب إذا تُركت المداخل والمخارج تحت سيطرة أمنية إسرائيلية، أو مراقبة عسكرية؟
وهكذا، يلتقط السطور من الاتفاق، لكنه يحتفظ بحق التراجع في اللحظة التي يُسمّى فيها التزامه اختبارًا عمليًا.
حينما يُدعى إلى وقف إطلاق النار، يتساءل كثيرون: هل تكون الكلمة أكثر من عنوان؟ وهل يتمسك الزعيم بها؟ بالفعل، بعد إعلان ترامب، صدرت دعوات لإيقاف القصف فورًا، لكن في بعض المناطق استمرت الضربات. فهل هو إخلال أم تراجع تكتيكي؟
الالتزام الحقيقي لا يُقاس بالتهدئة القليلة، بل بوقف القتل المستمر، وإعادة التوازن إلى حياة المدنيين التي سُحبت من بين أيديهم. أما التزام نتنياهو، فهو هشّ، يتعدّد بحسب الموقف، ويخضع لحساب التوقيت والضغط السياسي.
ترامب نجح بفرض الشروط على طاولة السياسة، لكنه لم يفرضها على الأرض بالكامل. نتنياهو أعلنها، لكن التزامه مشروط، ليس فوق الرغبة بل تحت وطأة الميزان الأمني والضغط السياسي. أما غزة، فهي لا تنتظر أن تُفرض عليها شروط، بل أن تُكتب بصماتها في صفحات التاريخ، ببطولات لا تُنسى.
إن ما لا يفهمه من يخطط من بعيد: أن غزة لا تُحتَكَر بالقلم، بل تُحيا بالدموع والدم، وأن شروط السلام لا تكون جدواها في الكتب، بل في أحياء الأطفال الذين لا يعرفون أن الحرب تُدار على أرباح الدول فالالتزام ليس توقيعًا على الورق، بل حراسة على الحياة في لحظة لا مجال فيها للكذب.
في هذا الليل الطويل، يبقى السؤال الوحيد: هل تُقضى الحقوق بالصفقات، أم تُستعاد بالأرواح؟ ترامب ربما أنجز خطّة على الورق، وفرض شروطًا جزئية على الساحة السياسية، لكن من يلتزم؟ نتنياهو قد يقف أمام الكاميرات صارمًا، لكنه في الميدان ينسج التراجع ببطء.
غزة، في كل شارعٍ مدمّر، في كل وجهٍ باقٍ، تقول: ليس السلام ما يُكتب بين السفارات، بل ما يُعاد لنا من أنفاس الحياة التي قُطِعت. في هذه الأرض، لا تُسود شروط بالوعود، بل تُنجز الحقوق من رحم الصمود، هناك فقط تُخطّ الاتفاقات بمداد الدم، ويُكتب الانتصار بخط الأرواح.
بقلم : الدكتور محمد هاني هزيمة محلل سياسي وخبير استراتيجي
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي