صحيح أنّ الأمر ليس بجديد، لكنّ الوسيلتَين المذكورتَين لم تصل إلى هذه الدرجة من التحريض منذ أشهر. إذ رغم عدم توقّف حملاتهما على المقاومة يوماً، إلّا أنّ بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة بداية هذا العام، كانت هناك لهجة هادئة بعض الشيء، مستندةً إلى فرضية أنّ «الحزب مهزوم».
لذا، كان متوقّعاً أن تصل وسيلتا المرّ إلى حال «الهستيريا» عاجلاً أم آجلاً بعد اكتشاف الحقيقة وملاحظة بطلان أوهامهما. وهو ما أسهم فيه بشكل كبير إضاءة صخرة الروشة بصوَر السيّدَين الشهيدَين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين إلى جانب شخصيّات أخرى.
يعجز المرء عن تصديق الحضيض الذي يمكن أن يصل إليه إعلام لبناني، حتّى بالنسبة إلى mtv.
يوم الذكرى الأولى لاستشهاد السيّد نصرالله، طغى الخبر على معظم نشرتها المسائية كما سائر القنوات. إلّا أنّها الوحيدة التي تجرّأت على الهجوم على السيّد الشهيد وتشويه صورته من دون أدنى اكتراث حتّى لحرمة الموت. حتّى وسائل الإعلام الأخرى غير المؤيّدة للمقاومة، حاولت انتهاج لغة موزونة تدعو إلى الوحدة. لكنّ mtv لا ترضى إلّا بالتحريض والفتنة وإحداث شرخ بين اللبنانيّين بشكل متواصل.
تشويه صورة السيّد الشهيد حتّى في مماته
بدأت القناة نشرتها مساء السبت بمقدّمة خصّصتها بأكملها لمهاجمة «حزب الله» وإيران، ثمّ كان أوّل تقاريرها عن إعادة تمثيل مزعومة عبر الذكاء الاصطناعي لكيفية تقرير قادة كيان العدوّ اغتيال نصرالله وتنفيذه.
وزعمت القناة في التقرير أنّ هناك عملاء للـ«موساد» وضعوا أجهزة في مكان الاستهداف وقبل وقت منه، سهّلت من العملية.
إلّا أنّ الأسوأ كان تقريراً يُعيد تناول شخصية نصرالله، لكن بطريقة مستفزّة، ليس بالنسبة إلى جمهور المقاومة فقط، بل كذلك لأيّ لبناني وطني يرفض الاحتلال والتشرذم، وكذلك أيّ عربي أو أجنبي يدعم حقّ لبنان في مقاومة الاحتلال. تصرّفت mtv في التقرير الذي أعدّه ماريو دويري كأنّ السيّد نصرالله على قيد الحياة.
«نصرالله لم يعد»، عبارة كرّرها معدّ التقرير، بنبرة شبه احتفالية. وأكمل بكلّ برودة أعصاب أنّ «80 طنّاً من المتفجّرات أسكتت هذا الصوت… الصوت الذي حاول أن يحتكر معنى الوطنية ويعطي دروساً في السيادة، الصوت الذي أراد أن يقرّر مَن هو مقاوم ومَن هو عميل، الصوت الذي جرّب إقناعنا أنّ الخراب هو الطريق إلى التحرير».
كلّ ذلك، ولم تصل الوقاحة إلى ذروتها بعد. يستضيف التقرير الأستاذ الجامعي مكرم رباح، الذي يُتّهم بالتطبيع مع العدوّ، ليتحفنا بأنّ «قتل نصرالله هو قتل هذا الوحش الذي من الممكن أن يقتل أيّ لبناني في أيّ لحظة لأنّه يتعارض معه في السياسة».
هل «ضيّع» رباح وكان يفكّر في كيان العدوّ عندما قال تلك الجملة؟ أم أنّه يجيد إعادة تكرار خطاب هذا العدوّ؟
وأضاف أنّ ذلك «نهاية حلم إيران و«حزب الله» بالسيطرة على لبنان»، وأنّ السيّد «لم يمت كشخص بل مات كفكرة»! وأكمل رباح كما معدّ التقرير في «إبراز» أنّ استشهاد نصرالله أعاد الدولة وغيرها من أكاذيب، كما اعتبر ربّاح أنّ رئيس الحكومة البعيد كلّ البعد عن أحوال الناس «بيشبه الشعب اللبناني».
وأنهى دويري تقريره بأنّ «نصرالله لم يعد، لكن ذكراه وإنجازاته رح تبقى مسجّلة بالذاكرة الجماعية للّبنانيّين»… وشُغّلت بعد ذلك أغنية «وحياة اللي راحوا» على مشاهد من 7 أيّار 2008 وتفجيرات لشخصيّات لبنانية اتُّهم بها «حزب الله» زوراً من قبل الولايات المتّحدة و«جماعتها» في لبنان ولم يثبت حتّى اليوم تورّطه في أيّ منها، ومعروف أنّها ليست سوى وسيلة لمحاولة تأليب اللبنانيّين ليس على «حزب الله» فقط، بل على فكرة مقاومة «إسرائيل» من أساسها. وأُلحق التقرير بآخر لمريم مجدولين اللحّام ادّعت فيه أنّ «حزب الله» يستخدم الصورة لفرض نفسه على البيروتيّين، محرّضةً عبر الغمز من باب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
«خصلة» إعطاء الإحداثيّات… تابع
أمّا يوم الإثنين الماضي، فنشرت صحيفة «نداء الوطن» مقالاً لماريانا الخوري تحت عنوان «داتا مدارس في كلّ لبنان بيَد أولاد نعيم قاسم».
هكذا، ادّعى المقال أنّ «أولاد نعيم قاسم وراء تبييض الأموال، وتمويل «حزب الله»، وتجميع «داتا» حسّاسة عن اللبنانيّين من أصغر تلميذ إلى أساتذة الجامعات».
وليس من أيّ إثباتات دامغة في المقال، سوى إدراج أحرف أسماء أشخاص وأسماء شركات، والادّعاء بأنّ هناك تطبيقاً يخرق عبره «حزب الله» المدارس لكن من دون شرح كيف، ولا إرفاق أيّ مصدر للمعلومة، بالإضافة إلى التحريض على متجر للأدوات الإلكترونية بادّعاء إغراقه السوق اللبنانيّة بمعدّات توقع المستخدمين في التطبيق المذكور.
ومن المستبعد أنّ معدّة المقال لا تعرف النتائج المحتملة لإعطاء إحداثيّات لمواقع وربطها بالمقاومة. ولا يمكنها الادّعاء أنّ العدوّ يعلم حتّى من دون مقالها، فمن المعروف أنّ العدوّ يعتمد على عملاء في الداخل وذلك لسبب، كما إنّه لا يوجد إثباتات حول ادّعاءاتها، ولذا قد يلجأ العدوّ إلى قصف هذه المواقع «احترازيّاً»، هو الذي يقصف المدنيّين يوميّاً من دون اكتراث ولو كانوا بعيدين من أيّ مظاهر عسكرية.
قائمة قتل (kill list)!
أُكملت طريقة الإحداثيّات مساء الإثنين بالطريقة ذاتها، ضمن نشرة mtv. ضمن تقرير لرامي نعيم مليء بالكراهية والتحريض حمل عنوان «مسيحيّون ذمّيّون في جعبة «حزب الله»».
عدّدت القناة أسماء شخصيّات معروفة في مختلف المجالات، على طريقة قوائم القتل، وحرّضت عليهم واحداً تلو الآخر، فقط بسبب الإعراب عن حزنهم على قائد المقاومة الذي جعل لبنان أوّل بلد يدحر الاحتلال الصهيوني عن أرضه من دون أيّ اتّفاق ذلّ، وردع العدوّ وحمى لبنان من الخطر التكفيري وشبح الحرب الأهلية!
وادّعى التقرير بطريقة أنّ هذه الشخصيّات «يجمعها كره السياديّين لا حبّ الإيرانيّين». وممّن عدّدهم: المسؤولة في «تيّار المردة» فيرا يمّين، والمدرّب غسّان سركيس، والإعلامية رندلى جبّور، والممثّلان يوسف حدّاد ورودني حدّاد، والصحافي غسّان سعود الذي وصفه معدّ التقرير بالشتّام. وختم بالولدنة إيّاها: «هي عيّنة صغيرة عن بعض الذمّيّين الذين جمعتهم المصيبة، فهربوا من تيّار (التيّار الوطني الحرّ) يهوي إلى حزب اعتبروه قادراً على إضعاف السياديّين فخسروا مرّتَين: الأولى بعدما خسروا بيئتهم، والثانية بعدما خسروا خيارهم، فهل من يتّعظ؟».
غسل الأدمغة نيابةً عن الأعداء
ما سبق يختصر يومَين فقط من موج التحريض الذي لا يهدأ في «بحر المرّ». هو غسل أدمغة متواصل للأجيال الشابّة بأكاذيب لا تنضب، يتولّاه إعلام المرّ نيابةً عن أعداء لبنان الذين تكفّل بنشر البروباغندا البيضاء لمصلحتهم، ولا بأس إن كان على حساب وحدة اللبنانيّين.
فلم يحترم المعايير الإعلامية، ولا احترم الوحدة الوطنية ومشاعر شريحة ضخمة من اللبنانيّين وآراءَها، ولا احترم حرمة الموت، ولا احترم الحقوق الإنسانية من أساسها، ولا احترم السيادة الوطنية التي يتشدّق بها وتبدأ بمقاومة الاحتلال الذي هو سبب وجود أيّ مقاومة… لا يجد المرء تعليقاً مناسباً أكثر ممّا قاله الراحل العظيم زياد الرحباني: «آه لو كان الكلام كالخبز يُشترى، فلا يستطيع أحد أن يتكلّم إلّا إذا اشترى كلاماً».
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا