ميشال ضاهر: عندما تكون السياسة "مشروعاً" تنموياً مربحاً

ميشال ضاهر: عندما تكون السياسة

 

Telegram

كتب رشيد حاطوم

بعد كل سنوات الفوضى في بلاد الأرز، منذ ما قبل الاستقلال إلى ما بعد الحرب الأهلية وما تلاها، لا بد من وقفة مع الذات ومع الآخرين، ولا بد من إعادة قراءة الواقع كما هو، لا سيما كيفية إنتاج النخب السياسية، والبحث في كيفية الارتقاء بهذا المجال إلى مصافٍ أفضل في خدمة الناس لا باستعبادهم.

 

سيمتد البحث هنا في العلاقة الجدلية بين المواطن وأهل السياسة وعالم العائلات الحاكمة المحلية على مساحة البلاد، ولكننا من خلال متابعة التجارب يتبين لنا عدد من النقاط المضيئة موزعة هنا وهناك، وعلى رأسها تجربة، أو ظاهرة، تجربة النائب ميشال ضاهر في قضاء زحلة.

 

ليس في هذا انتقاصٌ من تجارب أخرى ناجحة، ولكن من يتابع مسيرة هذا الرجل الستيني وتحليلاته وتجاربه ودوره من "أرض السهل" إلى كواليس مجلس النواب ولجانه، ومن يزُر زحلة ويجول في الفرزل ويتحدث مع الناس، يلمس تجربة جديدة.

 

تجربة جديرة بالنقاش والإضاءة عليها كونها خففت من آلام الواقع وقدمت بدائل علمية منطقية. وطالما أن طموح كل مواطن مشروع في تبوء المناصب والمراكز الرسمية والعامة، فالخلاف يكمن في سؤال: كيف ولماذا؟

 

مع ميشال ضاهر اختلفت التجربة ويمكن تلخيصها بعنوان عريض:

كيف تمارس السياسة بمشروعية؟

 

حوّل رجل الأعمال ميشال ضاهر السياسة إلى مشروع رابح كما هو الحال في مشاريعه، من خلال تحويل الأنظار من خطاب الشتم والهزء والعنصرية والمذهبية إلى خطاب عقلاني علمي، وإن اختلفت معه في الرأي فيما يقول، إلا أنه لا يمكن للمتلقي إلا أن يحترم القول والقائل.

 

انطلاقاً من محيط زراعي، بدأ‏ رجل الأعمال رحلته، وبدلاً من ركوب موجات العصبية قرر دخول الحياة العامة من خلال مشاريعه التنموية. ومن يزُر "إمبراطورية" الفرزل يمكن أن يرى بأم العين جيشاً من العمال والموظفين، ابتداءً من مبنى "مؤسسة ضاهر" الاجتماعية التنموية وفرق العمل من جمعيات أهلية ومطوّرين مختصين بمختلف قطاعات الحياة، من المهن اليدوية حتى "العلاج بالمسرح".

 

يُلفت انتباهك هذا العدد الكبير من الشبان في مقتبل العمر عند مدخل "القلعة الضاهرية"، وهم من منسقي الحركة في المدينة والقضاء، ثم يستوقفك العدد الكبير من العمال والموظفين في الداخل في شركة "ماستر أند بوبينس" تحت مظلة شركة "ضاهر فودز"، وهي إحدى أكبر شركات توزيع السلع الاستهلاكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 

فلا مجال للاستغراب، فالزراعة ومشتقاتها أصلاً تحتاج إلى أيدٍ عاملة متنوعة وكثيرة، فكيف بالحال إذا كان المنتج من البطاطا البقاعية ليتحول إلى منتج غذائي لذيذ، مع ما تستتبعه هذه العملية بمجملها من حاجة إلى الأرض والمُزارع والعامل والحِراثة وسيارات النقل، إلى مئات من الموظفين المتخصصين، إلى التوزيع وتغطية السوق اللبناني والتصدير إلى الخارج.

 

 

هنا تكمن فكرة العمل السياسي بمشروعية وأخلاق، أي أن يستفيد من الواقع ويحوله إلى مصدر للعطاء. فالتجربة التي يقودها ميشال ضاهر لا تقدم نموذجاً ناجحاً في مجال الأعمال فحسب، بل تطرح فلسفة سياسية مغايرة تقوم على أساس متين: أن تكون السياسة مشروعاً تنموياً شاملاً يبدأ من حاجة الناس اليومية وينتهي بتحقيق مصلحتهم وكرامتهم.

 

وهذا النهج هو بمثابة استثمار حقيقي في الرأسمال البشري والاجتماعي، يبني ثقة متينة بين المواطن والنخبة الحاكمة، وهي الثقة التي تآكلت على مر العقود. إنه يحوّل السياسة من مهنة للوصول إلى النفوذ والامتيازات إلى مساحة للخدمة والمسؤولية، حيث تكون الشرعية نتاجاً طبيعياً للإنجاز الملموس وليس للخطاب الطائفي أو العصبيات الضيقة.

 

السؤال الذي تتركنا إياه هذه التجربة هو: هل يمكن لهذا النموذج أن يكون قابلاً للتكرار والانتشار؟ وإلى أي مدى يمكن أن يشكل حافزاً لتغيير قواعد اللعبة السياسية في لبنان، من خلال إلهام جيل جديد من القادة الذين يؤمنون بأن منطق التنمية والإنتاج هو الأقدر على تجاوز منطق المحاصصة والصراع؟

 

في الختام، فإن استعادة جوهر السياسة كخدمة عامة ووسيلة للتطوير، كما تجسدها هذه التجربة، ليست ترفاً فكرياً، بل أصبحت ضرورة ملحة. إنها البوصلة التي قد تقود بلاد الأرز، خطوة بخطوة، من فوضى الماضي نحو  بناء مستقبل أكثر استقراراً وعدلاً، مستقبل تُقاس فيه شرعية الحاكم ليس بقوة خطابه، بل بمدى تأثير مشاريعه في تحسين جودة حياة من يشاركهم اياها.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram