يبدو أنّ الملف القضائي للحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، بات قاب قوسين من «خواتيمه السعيدة». ليس لصالح الحقيقة والعدالة بالطبع، وإنما وفقاً للعادات اللبنانية، التي تُتيح للفاسدين والمجرمين التّفلّت من المحاسبة، على الدوام. فرغم متانة الملف الذي أُوقف بموجبه سلامة، وهو اختلاس 43 مليون دولار، من حساب الاستشارات في مصرف لبنان عبر شيكات مصرفية، جرى تحويلها إلى أحد محاميه (ميكي تويني)، ومن ثمّ إلى نجل شقيقته مروان عيسى الخوري، الذي جيّرها بدوره إلى الحساب الخاص لسلامة، فشل القضاء اللبناني حتى الآن في محاكمته في هذه القضية الواضحة، والتي لا تحتاج إلى «عبقرية» لإثبات الجرم.
فأمس، أصدر رئيس الهيئة الاتّهامية في بيروت القاضي كمال نصار، قراراً بإخلاء سبيل سلامة، بعد تخفيض الكفالة المالية من 20 إلى 14 مليون دولار.
قرار نصار الذي استلم موقعه حديثاً، صدر نتيجة «مماطلة» القاضي نسيب إيليا، في إصدار قرار اتّهامي بحقّ سلامة، رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على إصدار قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، القرار الظنّي. وهو ما يستدعي السؤال عمّا حال دون إصدار إيليا، القرار الاتّهامي، والذي كان من المفترض أن يستند إلى القرار الظنّي، الذي اعتبر أفعال الحاكم السابق من نوع الجنايات لما أقدم عليه من «سرقة وهدر الأموال العامة، والتزوير والاستعمال المزوّر، والاختلاس والإثراء غير المشروع»، فيحوّله إلى المحاكمة ليواجه أقلّه عقوبة السجن لنحو أربعة أو خمسة أعوام.
تُطرح علامات استفهام حول سبب تأخّر القاضي نسيب إيليا في إصدار القرار الاتّهامي
إلّا أنّ ذلك لم يحصل، ممّا أتاح لوكيل سلامة، الاستناد إلى المادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية في طلب إخلاء سبيله بعد انتهاء مدة توقيفه احتياطياً. فآثر إيليا، الموافقة على طلب إخلاء السبيل منذ نحو شهر رافعاً قيمة الكفالة المالية إلى 20 مليون دولار وخمسة مليارات ليرة لبنانية، مقدّماً الأمر كإنجاز، تحت عنوان فرضه «الكفالة الأعلى في تاريح القضاء اللبناني».
لكن حتى هذه الفرحة لم تكتمل بعد تخفيض الكفالة أمس، إلى 14 مليون دولار مع الإبقاء على قرار منعه من السفر لمدّة سنة، بدءاً من تاريخ تنفيذ إخلاء السبيل. الخطير، في هذا السياق، أنّ خروج سلامة من السجن سيوفّر له حججاً وذرائعَ للهروب من المحاكمة وتأخيرها، وسيمنح كل المرتكبين «أملاً» بالهروب من المحاسبة، لا بل الاحتفاظ أيضاً بالمبالغ المختلسة ليتنعّموا بها! فحتى الكفالة المفروضة على سلامة، لا توازي المبلغ المسروق. ويلفت البعض في هذا الإطار إلى تناغم في التوقيت بين الخطط المالية للحكومة ومصرف لبنان بشخص حاكمه الجديد، لمعالجة ملف المودعين والأموال المنهوبة من جهة، وإنهاء ملف سلامة في الوقت عينه، من جهة أخرى.
وهو أمر غير مستغرب طالماً أنّ القرار الأول لا يزال في أيدي المنظومة السياسية التي غيّرت وجوهها، ولكنها تستكمل السياسات عينها التي تحفظ مصالح المصارف. ولكنه يبدو مستغرباً حين يتعلّق بالقضاء والعدل. فأين التفتيش القضائي اليوم؟ ولمَ لم يُسأل القاضي نسيب إيليا، أقلّه حول تأخيره في إصدار القرار الاتهامي؟
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :