بقلم: الدكتور محمد هاني هزيمة كاتب سياسي وخبير استراتيجي مستشار في العلاقات الدولية
في ظل عالم يعيد رسم خرائطه بقوة المال والسلاح، تعاني الأمة العربية والإسلامية من تشظي القرار وتبعثر الاتجاه وانقسام الولاء. من المحيط إلى الخليج، ومن آسيا الوسطى إلى شمال إفريقيا، تتكرر مآسي الأمة بأشكال متشابهة: حروب داخلية، نزوح، حصارات، تطبيع، انهيار اقتصادي، واغتيال للذاكرة الجماعية.
هنا، لا يعود التقارب العربي والإسلامي مجرد أمنية شعراء أو دعوات مراكز أبحاث، بل ضرورة وجودية تستحق أن تبنى عليها السياسات وتُرمم من أجلها الجسور المحطمة، هو تقارب يتجاوز البروتوكولات إلى التفاهم العميق حول المصير والمشروع المشترك الذي يريد لهذه الأمة أن تتآكل من الداخل وتُحكم من الخارج
بين وهم التعددية وصراحة التفكك، ما نشهده اليوم ليس تنوعًا بل انقسامًا، وليس اختلافًا بل تشرذمًا. كل دولة تُدير ظهرها لأخرى، وكل محور يُعادي محورًا آخر، بينما العدو الأكبر المشروع الصهيوني- الأمريكي لا يُخفي نواياه ولا أدواته: تفكيك، إضعاف، تطبيع، ابتلاع للهوية والثروات فماذا بقي لنا؟ بقي أن نُدرك أن الجيوش وحدها لا تصنع أمنًا إن لم تتوحّد البوصلة، وأن الثروات لا تصنع قوة إن لم تُحمى بإرادة جامعة، وأن الدساتير لا تصنع وطنًا إن كان القلب ممزقًا والولاء مستعارًا
من لبنان إلى غزة، ومن اليمن إلى العراق، حين تُقصف غزة وتُحرق الطفولة، ينام البعض على صمتهم. حين يُحاصر اليمن ويُجاع الملايين، يغيب الضمير في زحمة المفاوضات يُخنق لبنان ويُحاصر اقتصاده، لا يسمع أحد صرخاته. ويُخطف العراق بين الهيمنة واللا قرار، تقف الأمة في صمت خائف
كل ذلك لأننا تخلّينا عن مشروع الوحدة، وتبنينا مشاريع الآخرين مشاريع لا تنظر إلينا إلا كأيدي عاملة، وسوق استهلاكية، وحدائق خلفية لصراعات الكبار لا يلغي واقعها الا التقارب والتقارب الحقيقي الذي لا يختذل بقمة بل قرار
فالتقارب العربي- الإسلامي لا يبدأ من مؤتمر بل من قناعة بضرورة إعادة تشكيل الأولويات، تنطلق من فهم عميق أن ما بيننا من روابط تاريخية، دينية، لغوية، ثقافية، وأمنية، يجب أن يكون مصدر قوة لا سبب فتنة ولنكن واضحين: من دون فلسطين في قلب هذا المشروع، لا تقارب حقيقي. ومن دون موقف موحد من العدوان الإسرائيلي، لا كرامة لأحد. فالوحدة ليست شعارًا، بل فريضة والتقارب ليس خيارًا دبلوماسيًا، بل قدرٌ لأمة لا خيار أمامها إلا أن تنهض أو تفنى....
فلتكن كل يد ممدودة لأخيك قبل أن تُمدّ لسيدك. ولنصغِ لصوت العقل قبل أن يُصادره التاريخ فمن لم يوحّده الحصار والدم والمقاومة، لن توحّده المؤتمرات.
فما أحوجنا لتقارب عربي إسلام فيه آخر أبواب النجاة قبل أن تغلقها نار الحدود المصطنعة.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :