حزب الله لاستراتيجية لا تفرق منطق الأمن الداخلي عن قوة الردع
في مقاربةٍ تعكس موقعه على المستويين اللبناني والإقليمي، يقدّم حزب الله قراءته للمرحلة الراهنة عبر ثلاث دوائر متشابكة: موقعه في الصراع الإقليمي وتداعيات الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حركة حماس في الدوحة، تفاعله مع المواقف العربية والدولية وما تحمله من مؤشرات على مستقبل المنطقة، ثم موقعه في الداخل اللبناني بما يتصل بالعلاقة مع حكومة الرئيس نواف سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون، والجدل حول مسألة حصر السلاح. هذه المقاربة، التي عرضها نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي في حديث خاص إلى "المدن"، عكست رؤيةً تعتبر أن القمة العربية الإسلامية في الدوحة منحت زخماً معنوياً وسياسياً للقضية الفلسطينية، وفتحت نافذة على بحث استراتيجية أمنية عربية لبنانية، لكنها تبقى منقوصة ما لم تُترجم بخطوات عملية، تُوازن بين مقتضيات الصراع الإقليمي ومتطلبات الاستقرار الداخلي.
أملٌ لم يُترجم خطوات
بدأ محمود قماطي حديثه بالإشادة بـ"حجم الحضور والتلبية السريعة" للقمة، مؤكّداً أن ذلك أعاد للأمم العربية والإسلامية شعورًا بالقوة والآمال لدى الأنظمة والشعوب. مع ذلك، اعتبر أن المأمول لم يتحقق؛ لأن القمة "لم تخرج بقرارات عملية وخطوات فعلية"، وهذا ما قد يحول هذه اللحظة إلى "خيبة"، إن لم تتبعها إجراءات ملموسة.
اعتبر قماطي أن القمة أعادت العرب إلى عمق الصراع العربي- الإسرائيلي، وأسفرت عن "سقوط مدوٍّ للتطبيع"، على الأقل لفترة زمنية لا يستهان بها. وقرأ في موقف القمة بوادر "عودة التلاحم الإسلامي العربي". مشهدٌ يجعل دولاً عربية إلى جانب إيران وتركيا وباكستان وغيرها في موقع "الدفاع الواحد ضد عدو واحد."
بالرغم من الترحيب بـِ"الإدانة باللهجة العالية الحاسمة"، فإن قمة الدوحة، وفق نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله، "افتقدت إلى خطوة عملية واحدة على الأقل". هنا سرد قماطي أمثلة لما يرى أنه كان يجب أن يُبحث أو يُقرّ على الأقل على نحوٍ مؤقت من: "مراجعة إلى قطع أو تجميد العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، طرد سفرائه، منع الطيران المدني الإسرائيلي من التحليق في أجواء الدول المعنية، وتهديد أو إيقاف إمدادات الغاز العربي للكيان إن لم تُجرَ خطوات ملموسة، وحتى استحضار خيار النفط بما هو وسيلة ضغط على الدول المؤيدة لإسرائيل". ليخلص إلى التأكيد أن هذه الدول "تمتلك إمكانات هائلة يمكن توظيفها لهزيمة العدو، وحماية فلسطين وغزة."
لكن، في كل الأحوال، يرى حزب الله أن قمة الدوحة فتحت "مرحلة جديدة مفعمة بالأمل" على مستوى الأمن القومي العربي، وأنَّ لهذا الأثر انعكاساً مباشراً على دور الأمن الوطني اللبناني، ودور المقاومة في حماية الوطن والمساهمة العربية اللبنانية. وقال المسؤول السياسي في الحزب متوجها إلى العرب قائلاً إن هناك "جواً عربياً بدأ يراجع حساباته"، مشدداً على أن لبنان "يشكل خط دفاع أول عن الوطن وعن العرب."
وعن موقع حزب الله في علاقاته العربية، ولا سيما مع المملكة العربية السعودية، شدّد قماطي على أنّ الحزب لا يرى أيّة مشكلة في هذه العلاقة، مشيراً إلى أنّ المرحلة الراهنة تستدعي اعتماد خطاب أكثر انفتاحاً وهدوءاً، كأنه يعكس سياسة جديدة تقوم على الانفتاح بدلاً من المواجهة المباشرة، بما يتوافق مع حاجة لبنان إلى علاقات متوازنة مع محيطه.
وشدّد قماطي على أنّ أولويّة الحزب تبقى تعزيز الشراكة بين اللبنانيين وصون الوحدة الوطنية، مؤكداً أنّ المصلحة العربية تكمن في التعامل مع المقاومة بوصفها عاملَ قوةٍ في مواجهة إسرائيل. وأضاف أنّ حزب الله لا يطلب من الدول العربية أكثر من أمرين: إما دعم خيار المقاومة في لبنان وفلسطين، أو على الأقل الامتناع عن العمل ضدها.
وفي ما يتعلّق بالملف السوري، نفى قماطي وجود أيّة خلايا أو وجود تنظيمي للحزب على الأراضي السورية، مشدّداً على أنّ الحزب يحترم مبدأ حسن الجوار، ويراعي سيادة سوريا، ووحدة أراضيها. كما عبّر عن تمنياته بأن تظل سوريا مستقرة وموحدة، وأن تُحفظ مكوّناتها الوطنية بعيداً عن أي تدخل خارجي، مؤكّداً أنّ الحزب يسعى لدعم استقرار سوريا، وحماية مكوّناتها بمختلف طوائفها، من دون أي تدخل في شؤونها الداخلية.
حصرية السلاح: "لا تعنينا"
يتطلع حزب الله إلى المشهد العربي ومنه إلى المشهد اللبناني، معتبراً أن هناك «تغيراً في الخطاب العربي واللبناني» تجاه قضية نزع سلاح المقاومة بعد الاعتداء على الدوحة، وبعد كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن «إسرائيل الكبرى». في هذا الإطار قال قماطي إن هناك نقاشاً عربياً مع مسؤولين وقوىً لبنانية حول سؤال مهم: هل حزب الله جاد في طرحه حول الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان؟ إجابته: نعم هو جدي، داعياً إلى دراسة هذا الموضوع؛ لأنه مهم.
كما أشار إلى أن بعض الجهات اللبنانية التي كانت تصرّ على حصر السلاح، بدأت بعد قرار مجلس الوزراء في جلسة الخامس من أيلول، تبادر إلى الحديث عن دراسة استراتيجية الأمن الوطني. وهو ما يمثل للمرة الأولى إعلاناً بهذا المستوى عن نية فتح الملف، بدلاً من الإصرار على حصر سلاح حزب الله وحده، من دون ذكر قوىً أخرى مسلحة في لبنان.
قماطي قال بوضوح: "نعم للحوار والنقاش حول سبل حماية لبنان والدفاع عنه، لكن بالمختصر وعلى نحوٍ حاسم، حصرية السلاح لا تعنينا. فاهتمام الحزب اليوم منصب على استراتيجية دفاعية وأمن وطني بدلاً من النقاش الضيق عن حصرية السلاح. وأضاف أن منطق الحزب يرى إمكانية إخضاع باقي الأسلحة في البلاد للدراسة والبحث والتسليم، لكن سلاح المقاومة يختلف، ولا يمكن أن يُقاس بالمعايير نفسها المرتبطة بالأمن الداخلي فقط. وفق قماطي، دور المقاومة سيُحدد ضمن استراتيجية دفاعية، وبالتنسيق مع الجيش، عندما تنفّذ إسرائيل التزاماتها؛ أي تنفيذ كامل القرار 1701، الانسحاب، إطلاق الأسرى، والالتزام ببنود أخرى، موضحاً أن دور المقاومة سيكون دوراً دفاعيًا بحتًا في إطار استراتيجية وطنية.
بين 5 آب و5 أيلول، العودة إلى الحكمة
أشار قماطي إلى أن دراسة أيّة مسألة تتفرع عن القرارين، قرار 5 آب وقرار 5 أيلول، وأنماط الخطاب الرسمية الأخيرة، تُظهر مؤشراً على "العودة إلى الحكمة والعقل"، وهو أمر يرحّب به حزب الله. لكنه حذّر من أن التوتر قد يؤدي إلى فتنة، مؤكداً أن الحزب "لا يريد أن يتوتر البلد، ويذهب إلى الفتنة."
في ما خص الجيش، يشدد قماطي على أن التعاون مع الجيش سيستمر خطوة خطوة، خصوصاً في منطقة جنوب الليطاني، معتبراً أن علاقة حزب الله مع الجيش متينة وجيدة جداً، واصفاً ضباط الجيش وعناصره برفاق السلاح الذين قاتلوا بجانب مقاتلي الحزب لتحرير الجرود، وهؤلاء الرفاق سيستمرون في الدفاع عن لبنان ضمن استراتيجية دفاعية أو أمنية قد تُبلور لاحقاً. لكن القيادي السياسي في حزب الله نبه في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل تمنع استكمال انتشار الجيش في بعض المناطق، عبر استمرار الاحتلال وممارساتها على الأرض. وبالتالي، فإن الحديث عن توقيت للجلوس على طاولة استراتيجية الأمن الوطني، هو ممكن بعد تحرير الأرض والأسرى ووقف الاستباحة لكل لبنان، وبوجهٍ خاص أنَّ حزب الله أعرب عن استعداده لهذا النقاش، وكرر هذا الموقف بعد قرار الخامس من أيلول. قماطي أوضح أن هناك أكثر من سيناريو: حوار يفتتحه رئيس الجمهورية مع الأطراف اللبنانية، ثم يختتمه بحوار مع حزب الله، أو حوار بصيغ متعددة تحت إشراف رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس النواب أو الحكومة، مضيفاً أن الحزب ينتظر الآلية لتطرح بصيغتها الأخيرة شكلاً ومضموناً.
عتب بدأ يتراجع
لكن أي حوار حول استراتيجية دفاع أو أمن وطني بدعوة من رئيس الجمهورية في ظل "مقاطعة" الحزب لبعبدا؟
يرد قماطي بدقة بأنه «لا فتور مع رئيس الجمهورية؛ إنما هناك عتب، لكنه عتب بدأ يتراجع»، مبرراً تراجع العتب بتراجع الرئيس ومعه رئيس الحكومة والحكومة خطوة في الاتجاه الصحيح، بعد إعادة فتح الباب على الحوار حول سياسة الأمن الوطني، بدلاً من الصدام كما كان يخطط له في قراري الحكومة في الخامس والسابع من أيلول الحالي. "فقد وضع رئيس الجمهورية ورئيسا مجلس النواب والحكومة اليوم القطار على السكة الحقيقية للدفاع عن لبنان"، مع التحفّظ والخشية من أن "عواصف خارجية" قد تعيد الأمور إلى مربعاتها الأولى، كلما اقتربت الأطراف من التهدئة والحوار والاتفاق.
تطرق قماطي إلى مبدأ الدفاع عن لبنان والردّ على الاعتداءات الإسرائيلية، مؤكّداً التزام حزب الله بمبدأ ترك هذا الأمر للدولة، حتى تصل إلى التحرير. لكنه استدرك بأن الحزب يتحمل كثيراً من الضغوط اليومية والشهداء والقصف، وأنه ما دام هناك منعٌ لإجراءات استكمال انتشار الجيش في الجنوب من قبل إسرائيل، واستمرار الاحتلال والاستباحة للبنان، فإن دور المقاومة يبقى قائماً بوصفها قوةً رادعة، لا يتوقف عند حدود الاتفاقيات أو التعهدات إذا لم تُنفّذ فعلياً.
وحدة وطنية وعربية
اختتم نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي كلامه بدعوة واضحة إلى "وحدة وطنية لبنانية، ووحدة رؤية عربية"، خصوصاً بين دول المحيط والخليج في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، لا سيما بعد عملية الدوحة. وشدّد على أن الحزب لا يريد التصعيد لأجل التصعيد؛ بل يسعى إلى أن تُترجم الكلمات القوية في القمم إلى إجراءات ملموسة تحمي فلسطين، وتردع العدو. وفي التوازي مع ذلك، فتحُ حوار جدي داخل لبنان بشأن الاستراتيجية الدفاعية التي تحدد دور الجيش والدولة والمقاومة في حماية الوطن.
يبقى جوهر رسالة قماطي مزدوجاً: من جهةٍ تهنئة على الوحدة الرمزية والسياسية التي عبّرت عنها قمة الدوحة، وفتحُ نافذة أمل في الأمن القومي العربي واللبناني، ومن جهةٍ أخرى توجيه مناشدة صارمة نحو التحول من الشعارات إلى خطوات عملية دبلوماسية، اقتصادية، وأمنية، ترسّخ هذا الأمل، ومعالجة داخلية هادئة ومدروسة لمسألة السلاح ضمن استراتيجية دفاع أو أمن وطني، لا تُفرّق بين منطق الأمن الداخلي وقوة الردع التي يعتبرها الحزب ضمانة لَسِلم لبنان وسيادته.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
.اضغط هنا
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي