عندما بدأت الأزمة الاقتصادية و المالية في لبنان في العام ٢٠١٩ وارتفع سعر صرف الدولار فانهارت الليرة اللبنانية بدأ معها مشوار ارتفاع الأسعار و ارتفاع نسبة التضخم، وكان كل ارتفاع للدولار يترافق مع ارتفاع أسعار السلع كافة، لكن الأمر المستغرب اليوم والذي يستدعي التساؤل هو استمرار ارتفاع الاسعار بالرغم من استقرار سعر صرف الدولار منذ حوالى سنتين…
هذا الأمر دفع وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور عامر بساط إلى أن يقول إن التضخّم في لبنان مرتفع بشكل غير مقبول خصوصا خلال الاشهر الثلاثة الماضية سواء من حيث المستوى المطلق أو بالمقارنة مع دول أخرى.
ويعزو بساط أسباب التضخم إلى ارتفاع نسبة المكوّنات المستوردة في الاقتصاد اللبناني، لان التضخّم المحلي يتأثّر بضعف الدولار الأميركي مؤخرًا و/أو بارتفاعات انتقائية في أسعار بعض السلع الأساسية عالميًا.
وهناك تفسير آخر لمستويات التضخّم المرتفعة يرتبط بالتدرّج في تعديل بعض الأسعار بالليرة اللبنانية لتعويض انخفاض سعر الصرف بين 2019 و2023. فعلى سبيل المثال، استمرار رفع الأجور بالليرة اللبنانية لتواكب مستوياتها السابقة لعام 2019 بالدولار الأميركي.
ومثال آخر، الزيادة المستمرة في الضرائب والرسوم بالليرة اللبنانية، مع سعي الدولة تدريجيًا إلى إعادة بناء قاعدتها الإيرادية بالقيمة الحقيقية.
مع ذلك، يعتبر بساط إن أياً من هذه العوامل لا يفسّر المستوى المرتفع للتضخّم ويرى أن هناك مشكلة هيكلية يجب معالجتها، لافتاً أن وزارة الاقتصاد، تأخذ على محمل الجدّ تفويضنا في مجال حماية المستهلك، ورغم محدودية موارد وزارة الاقتصاد فقد نفّذ مفتشو الوزارة منذ بداية العام 16,400 عملية تفتيش، أسفرت عن نحو 530 إجراءً قانونيًا.
ويؤكد بساط على إن الشفافية في الأسعار ووضع المعايير المرجعية أساسيان في مكافحة التضخّم، “ونحن نعمل على تحسين قدراتنا التحليلية وسنعيد تفعيل المجلس الوطني لسياسة الأسعار، والأهم، أننا نؤمن بأن العلاج الحقيقي للتضخّم هو تضخّم أفضل وأكثر صحّة، ومن الأهداف الرئيسية لهذه الحكومة التفعيل الكامل لقانون المنافسة، وهو جهد متكامل يتطلّب إنشاء إدارة جديدة بالكامل”.
محمد شمس الدين
في السياق يقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين في حديث للديار: إستناداً إلى إدارة الإحصاء المركزي نسبة تضخم الأسعار سجّلت من العام ٢٠٢٠ إلى نهاية العام ٢٠٢٤ ارتفاعا تراكميا بلغ ٦٧٧%، وكلفة السلة الغذائية والاستهلاكية ارتفعت بنسب تتراوح بين خمسة في المئة و ٢٥% مقيٍمةً بالدولار، لافتاً أن هذه الارتفاعات تعود لعدة أسباب أولها غياب الرقابة وثانيها انعدام المنافسة، “لأن قبل الأزمة كان هناك تجار لديهم أموال قليلة يتمكنون من فتح إعتمادات من أجل الاستيراد أما اليوم فلا يمكن فتح اعتماد إلا من التجار الذين لديهم أموال كافية، وبالتالي انحصرت المنافسة بين كبار التجار”.
ومن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، أشار شمس الدين إلى ارتفاع أسعار الشحن نتيجة الحرب، كما أن بعض السلع والمواد الغذائية ارتفعت أسعارها في بلد المنشأ نتيجة الأزمات الطبيعية والحروب، إضافةً إلى سبب داخلي وهو رفع الرسوم و الضرائب في لبنان، ورفع الدولة لأسعار خدماتها كالكهرباء التي كانت تُحتسب على الليرة اللبنانية، وبالتالي كانت رخيصة جداً.
أما ابتداءً من شهر تشرين الثاني من العام ٢٠٢٢، فأصبحت فاتورة الكهرباء تُحتسب بالدولار. وكذلك بالنسبة للمياه، حيث كان اشتراك المياه ٣٠٠ ألف ليرة أما اليوم فأصبح ١٦ مليونا و ٢٥٠ ألف ليرة، أي قريب مستوياته مما كان قبل الأزمة محسوبا بالدولار، لافتاً إلى أن كل خدمات الدولة أصبحت مُدولرة، وهذا أدى إلى ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان.
ويشرح شمس الدين: كلفة متوسط المعيشة أو الحد الأدنى اللازم لمعيشة أسرة مؤلفة من أربعة أفراد يبلغ ٩٠٠ دولار شهرياً، “وهنا اعتمدنا حدين : الحد الأدنى لكلفة المعيشة وهو ٦٧٠ دولارا والحد الأقصى للحد الأدنى كلفته ١١٧٠ دولارا وبذلك يكون متوسط الحد الأدنى لكلفة المعيشة ٩٠٠ دولار”.
وأوضح شمس الدين أن كلفة المعيشة تشمل السكن التي تتراوح كلفتها بين ٢٠٠ و ٤٠٠ دولار، وكلفة السلة الغذائية والاستهلاكية بين ٢٥٠ دولارا و ٣٠٠ دولار، والمياه بين ١٥ دولارا و ٣٥ دولارا، وفاتورة كهرباء الدولة ٤٠ دولارا واشتراك المولدات ٧٠ دولارا، إضافةً إلى كلفة الطبابة والاستشفاء المرتفعة جداً بحيث تبلغ كلفة دخول المستشفى مئات ملايين الليرات، وكذلك كلفة التعليم في المدارس الرسمية ٢٠ دولارا شهرياً وكلفة النقل ما يعادل سعر صفيحتي وأربع صفائح بنزين، وكلفة الاتصالات ١٠ دولار، والألبسة و الأحذية حوالى ٢٠ دولارا شهرياً .
وأكد شمس الدين في الخلاصة على أن الحد الأدنى لكلفة المعيشة يبلغ ٩٠٠ دولار في حين أن الحد الأدنى للرواتب هو ٢٨ مليون ليرة، اي ٣١٢ دولارا، أي ٣٠% من الحد الأدنى المفروض للمعيشة.
ورداً على سؤال هل تستطيع الدولة والمؤسسات الخاصة أن تتحمل كلفة زيادة الرواتب المطلوبة للموظفين من أجل تأمين أبسط متطلبات العيش، أجاب شمس الدين بالتأكيد لأن الدولة لديها إيرادات كثيرة مهدورة وليس من المفروض إذا زادت الدولة من رواتب العسكريين والمعلمين وموظفي الإدارة العامة أن تفرض ضرائب على المواطنين، لأن هناك الكثير من الضرائب والرسوم لا تقوم الدولة بجبايتها، “مثلاً ال tva فمن المفترض أن تكون إيراداتها ٣ مليار في حين أن المبلغ الذي تتم جبايته حوالى مليار و ٢٠٠ ألف، أي أن هناك مليارا و ٨٠٠ الف تهرب في تسديد ال tva، و كذلك هناك الأملاك العامة البحرية والأملاك العامة التي تؤجر بمبالغ رمزية”، مؤكداً أنه في حال تمت جباية هذه الإيرادات تتمكن الدولة من دفع أجور ورواتب لائقة للموظفين من دون فرض ضرائب جديدة.
أما بالنسبة للقطاع الخاص فيرى شمس الدين أن ٨٠% من المؤسسات الخاصة لديها القدرة على دفع الرواتب والأجور لأنها تراكم أرباحها على حساب أجور العمال، فهناك مؤسسات تفتتح بدايةً فرعاً لها ثم تفتتح فرعاً آخر في أكثر من منطقة لبنانية، لافتاً ان هناك ٢٠% من المؤسسات لا يمكنها زيادة رواتب وأجور العمال وهي عرضة للإقفال وعندئذ نصبح أمام مشكلة بطالة، “ولذلك يجب فرض ضريبة خاصة على العمال الأجانب الموجودين في لبنان لتمويل زيادة رواتب العمال اللبنانيين في المؤسسات الصغيرة غير القادرة على دفع الزيادة وبهذه الطريقة نكون قد حققنا نوعاً من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي واستقرار وظيفي”.
ووفقاً لشمس الدين، زيادة الرواتب والأجور واجب على الدولة وعلى القطاع الخاص، لأننا بذلك نعزز الأقتصاد ونزيد من الحركة الاقتصادية “أما عندما تكون الرواتب محدودة، فتتراجع نسبة الإنفاق وينكمش الاقتصاد بشكل كبير جداً”.
أميمة شمس الدين- الديار
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :