قررت الحكومة اللبنانية يومي الخامس والسابع من الشهر الحالي نزع سلاح المقاومة، تحت ذريعة تنفيذ البند الوارد في البيان الوزاري، والمتعلق بحصرية السلاح بيد الدولة.
بيد أن القرار المذكور، أدخل لبنان في منعطف وتداعيات خطيرة، ليس أقلها خطر الدخول في أتون الفتنة الداخلية والحرب الأهلية، نظراً لخطورة القرار والتسرع في إقراره، من دون الأخذ في الحسبان الاعتبارات الأخرى، شرعية القرار ومشروعيته.
فمن حيث شرعية القرار، نص اتفاق الطائف في الفقرة الأولى منه (المبادئ العامة والإصلاحات)، البند الأخير “ي”، على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، وحيث إن قرار الحكومة تم اتخاذه بغياب الوزراء الشيعة الذين يمثلون مكوناً أساسياً من مكونات الشعب اللبناني، والذي يملك أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب الحالي، يعتبر القرار فاقداً للميثاقية، وتالياً غير دستوري، وهذا ما يفسر اعتبار الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، أن قرار الحكومة غير موجود، لعدم ميثاقيته.
إضافة إلى ذلك، تكمن خطورة القرار، في كونه يستهدف وسيلة وأداة للدفاع عن النفس في مواجهة عدو يمارس – على عيون الأشهاد – الاحتلال والتهجير والتغول متى سنحت له الفرصة، فضلاً عن الاغتيالات والاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الأراضي والممتلكات، ومنع جزء كبير من الجنوبيين من العودة إلى قراهم وبلداتهم، ولا سيما أهالي القرى الأمامية منها.
كل ذلك يجري، والدولة عاجزة منذ سريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار في ٢٧ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٤ مع العدو الإسرائيلي، عن القيام بأي إجراء لإجبار العدو على وقف الاعتداءات، والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإعادة الأسرى، والبدء بإعادة الإعمار.
ما جرى منذ وقف الحرب الأخيرة على لبنان، أوجد حالة من الإحباط والغضب لدى فئة من اللبنانيين، ولا سيما المستهدفة منهم، سواء من العدو أو من قرارات الحكومة الأخيرة. وهذا ربما ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري للقول: “فلينفذوا ما أقرّوه إن استطاعوا”، كتعبير واضح وصريح عن النقمة على هذا القرار لعدم مشروعيته ولتداعياته الخطيرة على الوطن والسلم الأهلي.
في المقابل، يستمد سلاح المقاومة شرعيته من وثيقة الوفاق الوطني، العقد الاجتماعي (اتفاق الطائف) الذي اتفق عليه اللبنانيون، الفقرة الثالثة بعنوان (تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي)، البند الثالث: “اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي…”، هذا إضافة إلى الأعراف والمواثيق الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة الذي ضمن حق الأفراد والدول في الدفاع عن أنفسهم، مع تحرير مقاومة الشعوب من بعض القيود التي فرضت على الدول.
أما عن مشروعية السلاح، فتأتي أولاً من دوافع وأسباب وجوده، كونه رد فعل طبيعياً على مشكلة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته وأطماعه، وثانياً، من خلال طبيعة ووجهة استخدامه والمتمثلة في الدفاع عن النفس لإزالة الاحتلال وتحرير الأرض والإنسان وردع العدو.
وفي هذا الإطار، من نافلة القول إن سلاح المقاومة، اكتسب مشروعيته من خلال التجربة وتحقيق الإنجازات التي راكمها على مدى عقود من الزمن، وفي مقدمة هذه الإنجازات تحرير العام ألفين، ومنع العدو الإسرائيلي من تحقيق أهدافه من الحربين على لبنان خلال عامي2006 و2024، إضافة إلى بناء توازن ردع على مدى قرابة العقدين من الزمن، جعل لبنان بمأمن من أي عدوان إسرائيلي حتى أيلول/ سبتمبر من العام 2024.
ما تقدّمَ، يجعل الأسئلة والتساؤلات حول خطورة قرار الحكومة بنزع سلاح المقاومة، شرعية ومشروعية بخلاف القرار نفسه، في ظل الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على لبنان، واحتلال المزيد من أراضيه من جهة، ومن دون تقديم أي استراتيجية دفاعية وطنية بديلة، تكون فاعلة وناجعة لحماية السيادة والأرض والإنسان من جهة أخرى.
وعليه، ثمة عقلانية مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، تفيد بأن هناك حاجة ماسّة لعقول باردة، للتفكير بحلول لمشاكل مصيرية وجودية تواجه لبنان الكيان والهوية، ومعه جميع اللبنانيين من دون استثناء، ليس أقلها – أي المخاطر والتحديات – التهديدات تارة عبر “أصدقاء” لبنان بضمّه إلى بلاد الشام، وأخرى عبر العدو نفسه بضمه إلى “إسرائيل الكبرى”.
هذه الحلول تهدف إلى تحقيق الأولويات والأهداف اللبنانية (غير الملبننة)، وتنزع فتيل الانفجار الكبير قبل حدوثه (لا سمح الله)!