المشهد اللبناني حالياً يبدو مرعباً من شتّى النواحي . شبح الفقر و العوز يخيّم على قسم كبير جداً من اللبنانيين . القلق من الفتنة ينمو يومياً مع محاولات روّاد الفتنة : أشعالها التوجس من انهيار الدولة و قطاعها العام او ما تبفى منه قبل لفض انفاسه الاخيرة و الاكثر رعباً انسداد الافق على اي مخرج في ظل اطباق خارجي و تشتت داخلي خطير .
البعض يرى ان الازمة خارجية و آخر يقول انها نتيجة الفساد في السلطة و غيره انها بسبب النظام . البعض يراها بالعهد و آخر بسلاح المقاومة... و الجميع يدّعي وسيلة الاصلاح انما الوضع لا يتغيّر بل يزداد سواداً .
الفساد عامل من عوامل الازمة، انما هل ان الفساد انتج الانقسامات الطائفية ام ان النظام الطائفي ساهم بالفساد، حتى لا نقول انتج الفساد . ثم هل ان الفساد كامن بالسلطة فحسب ؟ام انه منتشر افقياً الى درجة ان المواطن بشكل عام ساهم به ؟ اليس من ارتشى و من رشى ساهم بالفساد ؟ اليس من قصد متنفذاً، اي كان، سائلاً عن محسوبية او واسطة لمشروع، او منصب او وظيفة... ساهم الى جانب المتنفذ بالفساد ؟ اليس من شارك بحصّة صغيرة او كبيرة بهدر المال العام من الوزارات و المجالس التي وزّعت المال تحت اي عنوان او ذريعة : المهجرّين، الانماء و الاعمار، الجنوب، الشؤون الاجتماعية ... شارك المسؤولين بالفساد ؟ هل يعقل ان شعباً ارتضى، بشكل عام هذا الكم من الفساد قد فتح اليوم النار على المسؤولين المتهمين بالفساد ؟ ام ان هناك قطبة مخفية ؟
صحيح ان النظام الطائفي يسبب الانقسامات و المحاصصة تساهم بالمحسوبيات و بالتالي فساداً . هذا النظام مسؤول عن النسبة الكبيرة جداً من مصائبنا. السؤال هو من يريد فعلاً تغيير النظام. المداورة بالوزارات او عدمها ليس اصلاحاً . الثلث المعطل او عدمه ليس اصلاحاً. من يعطّل؟ رئيس الجمهورية او الرئيس المكلّف لا فرق. هذا الدستور لا ينتج الّا الازمات و هذا الدستور ناتج عن حرب اهلية دامت 15 سنة لاسقاط السلف فكم نحتاج لانجاب خلفاً آخر ؟ هذا الدستور هو نتاج شراكة دولية، اقليمية و داخلية فهل ان الوضع الداخلي ينتج دستوراً جديداً ام سننتظر فرصة توافق دولي اقليمي داخلي ثانية ؟
في ظل الازمات و الصراعات يعتقد الطائفيون ان الطائفة تحمي و تحصّن تماماً كما يعتقد العشائريون ان العشيرة تحمي و هذه سمة التخلّف. لقد غابت مصلحة الدولة فتلاشت حمايتها. الطوائف لا تستطيع تأمين المصلحة العامة. غابت الدولة و سلطتها، تراجع القضاء و تدهور القطاع العام فلا كهرباء و لا ماء و لا نقل . انهارت
العملة الوطنية فلا الماروني يحصل على العملة الصعبة من بكركي و لا المسلم المحمدي من دار الافتاء او المجلس الشيعي الاعلى و كلهم في بحر العوز يسبحون . ماذا تنفع الموارنة وزارة الداخلية و ماذا يخسر السنّة ان تخلّوا عنها ؟ ماذا قدّم التوقيع الثالث لوزارة الماليّة للشيعة ؟ و هل هم بمنأى عن الانهيار المالي كون الماليّة بحوزتهم ؟ نحن لم ننسى ان استقالة كل الوزراء الشيعة لم تسقط حكومة السنيورة، خالفت الميثاقية و لم تسقط لان الازمة انذاك كانت اكبر من الميثاقية و اكبر من الحكومة .
هؤلاء البشر لا يتعضون لا المسؤولين و لا اتباعهم لان الوطن خارج حساباتهم .
فجأة استفاق المتآمرون في الخارج تحت مسمّى "المجتمع الدولي" زوراً، استفاقوا ان في لبنان فساداً و ان المساعدات رهن الاصلاح . لم تغب طرفة النائب (الصادق و المخلص لوطنه) سليم سعاده عن بال احد من اللبنانيين حين قال : نحن عم نكذب عليهم، هم يعرفون باننا نكذب عليهم . و نحن نعرف انهم يعرفون باننا نكذب عليهم . لا نحن نخاف من معرفتهم بكذبنا لاننا نعرف انهم متساهلون تجاه ما يجري و لا هم اوحوا بغير ذلك . كان الفساد يجري على قدم و ساق علناً و لم تنقطع المساعدات بل ان روّاد الفساد هم اصدقاء و اتباع (ليسوا حلفاء) المجتمع الدولي. فماذا حدث اذاً؟ لماذا هذا الشرط اليوم ؟ ما هو الاصلاح المنشود من قبل "المجتمع الدولي"؟
العدالة. فتحت القاضية عون ملفات فساد قامت قيامة القضاء عليها كما الاعلام . اتهمت بالانحياز لفئة بهدف الاقتصاص من فئة اخرى و ماذا عن العدالة ؟ لم نعرف ان كان ما تكلمت عنه حقيقة او تهمة باطلة . حالياً في ملف المرفأ تهم و اجراءات و الشك يحوم . في الامس القريب قام القضاء باتهام ضباط كبار اربع باغتيال الحريري و سجنهم فترة طويلة ثم ثبتت برائتهم. لا احد يبحث عن عدالة بل عن ملفات الخصوم .
المتآمرون في الخارج يريدون اصلاحاً و عدالة بشرط واحد : ان المتهم بانفجار المرفأ هو حزب الله (تماماً كما هو متهّم باغتيال الحريري) و ان المسؤول عن الانهيار الاقتصادي هو سلاح المقاومة و الاصلاح يعني سحب هذا السلاح .
ازمات لبنان خارجية بمقدار ما هي داخلية . خارجية ضمن النفوذ الاميركي و الصهيونية العالمية، و داخلية بسبب انعدام المصلحة الوطنية و استبدالها بهويات مختلفة و انتماءات شاذه تخلّت عن مصلحة الوطن لصالح الخارج اي لمصلحة عدو الوطن على اعتقاد انها تؤمّن مصالحها الفئوية و نتج عن هذا التلاقي الداخلي الخارجي مفاهيم جديدة لمفردات عربية عادية و قاموس عصري :
حكومة من الاختصاصيين تعني : حكومة لا يشارك فيها حزب الله (لم تنجح الفكرة).
السلاح الغير شرعي : اي صواريخ المقاومة.
اما كل الساح المتفلّت فهو شرعي.
التدخل الخارجي: ان ايران تتدخل بشؤون لبنان من خلال حليفها . اما حركة السفراء و زيارات ماكرون و تصريحات الاميريكيين فهي داخلية .
انتهاك السيادة : صواريخ المقاومة تنتهك سيادة لبنان .
اما الطائرات "الاسرائيلية" فقد استأذنتهم و القائمة تطول .
الجميع يريدون الاصلاح . كل حسب رؤيته و ما على اللبنانيين الّا حصد النتائج.
عميد الاذاعة
الامين مأمون ملاعب
نسخ الرابط :