شهدت عملة الإيثيريوم Ethereum موجة صعود قوية خلال الأسابيع الأخيرة، جعلتها في صدارة المشهد الرقمي كأحد أبرز الأصول الاستثمارية في عام 2025. فقد ارتفع سعرها بوتيرة متسارعة أوصلتها إلى مستويات تاريخية جديدة، لتتجاوز قيمتها السوقية 523 مليار دولار، بينما حققت منذ بداية العام أداءً يفوق التوقعات مع مكاسب تقارب 41%، متفوقة بذلك على عملة البيتكوين التي اكتفت بصعود يقارب 29% خلال الفترة نفسها.

 

التدفقات المؤسسية تعزز الثقة

وقد جاء هذا الصعود نتيجة تضافر عوامل عدة أساسية. فقد لعبت التدفقات القياسية نحو صناديق الاستثمار المتداولة في الإيثيريوم (ETFs) دوراً محورياً، إذ جذبت هذه الصناديق مليارات الدولارات خلال فترة وجيزة، وهو ما يعكس تحولًا في نظرة المستثمرين المؤسسيين الذين وجدوا في هذه الأداة وسيلة منظمة وشفافة للانكشاف على ثاني أكبر الأصول الرقمية. هذه السيولة الجديدة عززت الطلب على الإيثيريوم وأعطت دفعة قوية لثقة السوق في أنه لم يعد مجرد بديل تقني بل أصل استثماري رئيسي إلى جانب البيتكوين.

 

قوة التحديثات التقنية: Pectra نموذجاً

وفي موازاة ذلك، جاءت تحديثات Pectra لتشكل منعطفاً مهماً في مسار الشبكة. وتُعد هذه الخطوة واحدة من أبرز التحديثات التي عرفتها الإيثيريوم، إذ جمعت بين تحسينات على مستوى البنية التحتية للشبكة وبين تطوير آليات أكثر كفاءة لإدارة المعاملات وحسابات المستخدمين. فقد ساعدت Pectra على تسريع تنفيذ العمليات، وخفض تكاليف الغاز، وتوسيع قدرة الشبكة على استيعاب تطبيقات التمويل اللامركزي (DeFi) والأصول غير القابلة للاستبدال (NFTs). كما منحت المطورين أدوات مرنة لإنشاء عقود ذكية أكثر تطوراً.

 

هذه المزايا عززت الاعتقاد بأن الإيثيريوم لم يعد مجرد عملة رقمية للتداول، بل أصبح البنية التحتية الأساسية التي يقوم عليها جزء متزايد من الاقتصاد الرقمي العالمي.

 

بين الزخم والأخطار المستقبلية

إلى جانب العوامل المؤسسية والتقنية، لعب ما يعرف في الأسواق بـ Catch-up Trade دوراً لافتاً. فبعد أن انفرد البيتكوين بالصعود في الأسابيع السابقة، اتجه المستثمرون إلى تدوير مراكزهم نحو الإيثيريوم باعتباره ما زال أقل تقييماً نسبياً ويملك فرص نمو أكبر. هذا السلوك ساهم في تسارع الطلب على العملة ودفعها إلى تقليص الفجوة مع منافسها الأكبر.

 

ورغم الزخم الكبير، تبقى استدامة هذا الصعود مرهونة بشروط أساسية عديدة. فالإيثيريوم يحتاج إلى استمرار التدفقات المؤسسية نحو صناديق ETF كي يحافظ على قوة الدفع، كما أن التحديثات التقنية المقبلة مثل ترقية Fusaka المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر ستلعب دوراً حاسماً في دعم قدرات الشبكة ورفع كفاءتها. كذلك فإن البيئة التنظيمية ستظل عاملاً مؤثراً، إذ إن أي خطوات داعمة من الهيئات المالية مثل لجنة الأوراق المالية الأميركية (SEC) قد تمنح العملة دفعة جديدة، في حين أن أي قيود صارمة قد تحد من شهية المستثمرين.

 

يضاف إلى ذلك ضرورة بقاء النشاط على الشبكة مرتفعاً، سواء عبر العقود الذكية أو التطبيقات المالية اللامركزية، لترسيخ موقع الإيثيريوم كأصل حيوي في البنية التحتية المالية الناشئة.

 

ومع بروز هذه المعطيات، لا بد من الإشارة إلى أن التحركات الراهنة في السياسة النقدية الأميركية قد تشكل عامل دعم إضافياً. تتوقع الأسواق بنسبة تقارب 92% أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25نقطة أساس في أيلول/ سبتمبر، بعدما ارتفعت التوقعات مع تراجع نمو الوظائف وتباطؤ التضخم المطول هذا التيسير النقدي المرتقب يوفر بيئة محفزة للسيولة والمضاربة على الأصول عالية المخاطر مثل الإيثيريوم. وقد أكسب الركود المحتمل في أسعار الفائدة مزيداً من الثقة للمستثمرين في السوق الرقمية، ما يعزز من الزخم الصعودي للعملة.

 

ومع أن هذه العوامل دفعت بالعملة إلى واحدة من أفضل مراحل أدائها التاريخي، فإن السؤال الجوهري يظل قائماً: هل يمثل هذا الصعود بداية مرحلة جديدة من النضج والاستدامة تجعل الإيثيريوم منافساً حقيقياً للبيتكوين، أم أنه مجرد حلقة أخرى من دورات الحماسة والمضاربة التي طالما عرفتها أسواق العملات الرقمية؟ يضاف إلى ذلك أن التقلبات الحادة التي لا تزال السمة الأبرز لأسواق التشفير تشكّل عاملاً مزدوجاً: فهي من جهة تمنح فرصاً كبيرة للمضاربين، لكنها في الوقت نفسه قد تحدّ من إقبال المؤسسات الباحثة عن استقرار نسبي في أصولها الاستثمارية. كما أن الاعتماد المتزايد على قرارات السياسة النقدية الأميركية، سواء عبر خفض الفائدة أم الإبقاء على مستوياتها ,يزيد من ارتباط الإيثيريوم بالدورة الاقتصادية العالمية، ويجعل مساره مرهوناً بعوامل خارجية لا تقل أهمية عن ديناميكياته الداخلية. وأخيراً، فإن استمرار تطور المنافسة من شبكات بديلة مثل سولانا وأفالانش قد يضع قيوداً على توسع حصته السوقية، ما يجعل الحفاظ على الابتكار التقني والاستفادة من الزخم التنظيمي المحتمل شرطاً أساسياً لترسيخ مكانته.