مشروع "إسرائيل الكبرى": الحلم القديم الجديد
تشير الدراسات والأبحاث العلمية والطبية إلى أن نمو الغدة السرطانية في جسم الإنسان يرتبط مباشرة بتغذيتها عبر الأوردة والشرايين، أما الغدة السرطانية الصهيونية، فهي تنمو وتتوسع على حساب معاناة الشعوب ووجعها، خصوصًا في دول العالم الثالث، مع استنزاف ثرواتها ومواردها.
لا شك أننا نعيش اليوم المراحل الأولى لعصر جديد في التاريخ البشري، يختلف إلى حد كبير عن العصور السابقة، إذ تحمل العديد من الأحداث تغييرات جذرية على صعيد المنطقة والعالم، وتتطلب رؤية واضحة وفهمًا معمقًا.
مع انتشار الرأي القائل بأن الأخلاقيات لا تحدد سلوك الإنسان، بل احتياجاته المادية، أصبح العالم اليوم يسوده مبدأ اختفاء القيم تقريبًا، مع التركيز على نهب ثروات العالم والسيطرة على مؤسساته، وطرح قضايا إنسانية في شكلها الظاهري، بينما يخفي مضمونها سياسات استبدادية تقوّض الإنسانية.
كما لا يخفى على أحد السياسات الداخلية التي تتبعها الدول الكبرى، خاصة الغربية، لتقليل عدد سكانها بما يتوافق مع مواردها، والتي لم تكلل بالنجاح، ما دفعها إلى تبني إجراءات خارجية لاستغلال طاقات العالم الخارجي، خصوصًا في دول العالم الثالث، وهو ما شكل جزءًا من العقيدة الأمريكية والأوروبية عامة، والصهيونية خاصة.
ما المقصود بدولة "إسرائيل الكبرى"؟
وفقًا لثيودور هيرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، "تمتد أرض الدولة اليهودية من نيل مصر إلى الفرات". ويظهر حديثه هذا النية الصهيونية لإقامة وطن قومي يجمع شتات اليهود حول العالم، إذ يعتبرون في كل مكان آخر أنهم مكروهون، حتى في أمريكا وأوروبا، ولذلك جاء وعد "بلفور" كحل مناسب من وجهة نظر الأطراف الداعمة.
وكانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية ترى في دعم الكيان الصهيوني وسيلة لمواجهة الاتحاد السوفياتي، رغم أن الدعم السوفيتي للصهاينة كان أكبر، سواء على الصعيد المادي أو المعنوي والعسكري. وقد ساهم هذا الدعم في بناء حجر الأساس للكيان الغاصب، مع انتقال الاستعمار من الشكل التقليدي الفرنسي والبريطاني إلى الاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة.
حاول هيرتزل ربط أفكاره التوسعية بالكتاب المقدس، مستندًا إلى عبارة: "لِنَسْلُك أعطى هذه الأرض من نهر النيل إلى نهر الفرات"، لتأسيس عقيدة لدى الجيش اليهودي تشبه أي شعب يمتلك قضية وطنية وعقيدة يدافع عنها.
وفي السياق نفسه، وضع الصحافي الإسرائيلي أوديد إينون، المتوافق مع أفكار هيرتزل، خطة أكثر وضوحًا واستراتيجية لتطبيق المشروع الصهيوني في الشرق الأوسط، تقوم على محورين رئيسيين:
أن تصبح "إسرائيل" قوة إقليمية إمبريالية.
تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة قائمة على المكونات الإثنية والطائفية.
هذه الفكرة ليست جديدة، إذ لطالما طرحت في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، مستفيدة من الظروف الإقليمية والأنظمة العربية المتعاقبة.
مناطق المشروع وأهدافه
مشروع "إسرائيل الكبرى" لا يكتفي بالوجود داخل الأراضي الفلسطينية، بل يسعى للتمدد إلى كامل المنطقة بدءًا من مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق وصولًا إلى السعودية. وقد اندلعت الحرب في لبنان بسرعة، مترافقة مع اعتداءات على اليمن والعراق، لتطال لاحقًا أراضي الجمهورية الإيرانية.
وفي 13 أغسطس 2025، أعلن رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، دعمه لرؤية "إسرائيل الكبرى" كمشروع توراتي يستخدم الموروث التلمودي لتبرير السياسات التوسعية، مستندًا إلى وعده قبل أعوام بقيادة الكيان نحو "قرنه المئوي"، وفاجأ الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 سبتمبر 2023 بعرض خريطة "إسرائيل الكبرى".
يدعم المشروع اليمين الإسرائيلي المتشدد المتحالف مع نتنياهو، مثل زعيم حزب البيت اليهودي المتطرف بتسائيل سموتيريتش، الذي اقترح عام 2016 أن تمتد حدود الكيان لتشمل دمشق وأراضي سوريا ولبنان والأردن والعراق وجزءًا من مصر والسعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل إلى الفرات.
وبعد عملية "طوفان الأقصى" عام 2023، كشف نتنياهو عن خارطة استعمارية جديدة تحدد الدول المشمولة بالمشروع، منها كامل فلسطين المحتلة (27,027 كيلومترًا مربعًا)، لبنان (10,452 كيلومترًا مربعًا)، الأردن (89,213 كيلومترًا مربعًا)، أكثر من 70% من مساحة سوريا (185,180 كيلومترًا مربعًا)، ونصف مساحة العراق البالغة 438 ألفا و317 كيلومترا مربعا، ونحو ثلث الأراضي السعودية البالغة مساحتها مليونين و149 ألف و690، وربع مساحة مصر البالغة، نحو مليون كيلومتر مربع، وجزء من الكويت البالغة مساحتها 17 ألفا و818 كيلومترا مربعا.
القديم والجديد في المشروع
تشهد الساحة الإقليمية مؤخرًا استكمال الخطط التوسعية للصهيونية العالمية، التي تهدف إلى إبقاء الدول العربية مشتتة وضعيفة، وهو نهج بدأه كيسنجر وغولدا مائير، وصولًا إلى نتنياهو الذي صرح بأن "الفلسطينيين لا وجود لهم".
وتشير الاستراتيجية الصهيونية إلى وضوح الأهداف مقابل حالة الارتباك والفشل في الخطط العربية والفلسطينية، ما ساعد في نجاح المشاريع التوسعية، مدعومًا بالصمت العربي تجاه الأحداث في غزة، وتأييد الأردن كجبهة إسناد للكيان، فضلاً عن سياسات نزع السلاح الإقليمي.
وقد سبق للصحافي محمد حسنين هيكل أن تنبأ، مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، بقيام تحالف عربي-إسرائيلي برعاية أميركية، يستبدل الصراع المباشر مع الكيان الصهيوني بصراعات متناثرة طائفية وجغرافية، مع استغلال التناقضات بين الأصدقاء والأعداء، وفق قراءات مشبوهة أكثر منها ساذجة.
وتؤكد التجربة التاريخية الأوروبية، حيث اندلعت حروب طويلة بين ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا، أن الأمم تدرك ضرورة الاتحاد بعد كل الصراعات، والسؤال يبقى: متى ستنتبه الأمةالعربية لمثل هذالدرس
صفاء عزالدين
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي