بقلم : فاطمة يوسف بصل.
حين تسكن الأرض وتتوارى الشمس خلف الأفق، يلتقط الليل أنفاسه ويُطلّ بنوره الباهت ليكشف عن وجوهٍ غارقة في بحر من الاشتياق. في هذه اللحظات الساكنة، لا يغفو القلب ولا تستكين الروح، بل تزداد نبضاتها لحنينٍ عميقٍ لا يهدأ، اشتياق يتغلغل في العروق ويُشعل نار الشوق في كل زاوية من الزمان والمكان.
الليل هو ملاذ العاشقين، حيث تعلو همسات القلب فوق صمت الدنيا، وتُستعاد تفاصيل اللقاءات الغارقة في الذاكرة، كلمات لم تُقال، ولمسات لم تُمسك. في عتمته يشتد وجع الغياب، وتصبح الدقائق ساعات، والساعات أشهراً، والأشهر دهراً من الفقد.
كم من طفل غاب عن عين أمه في لحظة، وتركت المسافات بينهما جراحاً عميقة لا يشفيها سوى دفء الحضن وأمان اللمسة. هو الليل وحده يعلم كم كان قلب الأم يتألم، وكم كانت دموعها تنساب بصمت، تنتظر رجوعه كي يعيد الحياة إلى أيامها.
وكيف لحبيب يلهث وراء صوت الحبيب في صمت الليل، أن ينسى طيفه وهو يحتضن الهواء كما لو أنه يحتضن يده؟ كيف لقلب ملتهب لا يجد سوى ذكريات الماضي يسكنها، يحاول أن يعانقها حتى في أحلامه ليشعر بوجودها ولو للحظة؟ هذا هو الليل، شاهداً على قصص الفراق واللقاء، على الحزن والفرح، على الحب الذي لا يعرف حدود المسافات.
في الليل، عندما يهدأ العالم من صخب النهار، تبدأ المشاعر بالهيجان، تكبر وتكبر حتى تملأ الفضاء. يغدو العالم خالياً من البشر، ويبقى الصوت الوحيد هو صوت القلب، يصرخ في صمت، ينادي بحب لا يموت رغم بعد الأحبة.
الليل لا يغفو لأنه يحمل كل أسرارنا، أحلامنا المؤجلة، ونداءات الروح التي تنتظر الفجر لتحملها إلى الحبيب. هو ملجأ للحزن وللحنين، حيث نختبر وحدتنا ونتعلم كيف نحب بعمق أكبر، كيف نشتاق بألم لا يُحتمل، وكيف ننتظر بصبرٍ ملؤه الأمل.
في النهاية، يبقى الليل هو الحارس الأمين لكل نبضة اشتياق وكل دمعة حائرة. هو الراوي الصامت لقصصنا، ورفيق دربنا حين يختفي الجميع. ومع شروق الفجر، يذوب ألم الفراق، وتولد الأحلام من جديد، تنسج خيوط الأمل، وتبدأ رحلة جديدة من الحب والانتظار.
فالليل لا يغفو... لأنه يحمل في ثناياه حكاية حبنا التي لا تنتهي، وحنيننا الذي لا يروى.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :