بدأ منسوب التفاؤل الذي ساد منذ تكليف الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة منذ 26 تمّوز الفائت يتراجع، لا سيما بعد اللقاء الرابع والسريع الذي جمعه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس في قصر بعبدا لمدة 25 دقيقة فقط، والذي أتت نتيجته حاسمة، على ما كان يُفترض، إذ لم يتمّ التوصّل خلاله الى أي اتفاق بين الرجلين. كما بدأت تظهر السلبية بين الرئيس عون وميقاتي رغم الإنسجام الذي أوحى كلّ منهما بوجوده بينهما إثر التكليف، من خلال ما قاله ميقاتي بغضب بعد هذا اللقاء عن أنّ «مهلة التشكيل غير مفتوحة وليفهم من يفهم»، وكأنّه تهديد أو تحذير من قبله للفريق الرئاسي، بأنّ استخدامه ورقة الإعتذار قد أصبح وشيكاً، إذا ما أصرّ عون على المطالبة بوزارة الداخلية.
وإذ جرى إرجاء اللقاء الخامس بين عون وميقاتي الى يوم الخميس في 5 آب، أي الى ما بعد الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، كون الرئيس عون سيكون اليوم الثلاثاء منشغلاً بالتحضير للمؤتمر الدولي الثالث لدعم لبنان الذي تعقده فرنسا إفتراضياً الأربعاء في 4 آب، والذي تقرّر أخيراً أن يكون يوم عطلة وطنية، فإنّ كلّ الدلائل حتى الساعة تشير الى أنّ أي حكومة لن تتشكّل في المرحلة الراهنة رغم الضمانات الدولية التي أتت بميقاتي كرئيس مكلّف.
وتجد مصادر سياسية عليمة بأنّه من مصلحة كلّ من الرئيسين عون وميقاتي الإستفادة من الفرصة السانحة أمامهما لتشكيل الحكومة وإنقاذ البلاد بما أمكن، بدلاً من اعتذار ميقاتي والعودة الى التفتيش عن رئيس مكلّف رابع منذ ما بعد استقالة حكومة الرئيس حسّان دياب. فالرئيس عون يريد، من جهة أولى، إنقاذ عهده وبلده الغارق في أزمة إقتصادية خانقة أدّت الى تصنيف لبنان أخيراً من بين الدول المهدّدة بانعدام أمنها الغذائي، بحسب تقرير أخير صادر عن الأمم المتحدة، وأدرجت إسم لبنان، مع الأسف، بين 23 دولة في العالم مثل أثيوبيا وأفغانستان وأنغولا وأفريقيا الوسطى، وسوريا واليمن. أمّا ميقاتي الذي وافق على مهمة التكليف لتبييض صورته أمام الشعب اللبناني، ولكي يستعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان، خصوصاً وأنّه تسلّح بالضمانات الدولية لاسيما الأميركية والفرنسية لتنفيذ هذه المهمة، لن يقبل بأن يفشل ويعود أدراجه خائباً بهذه السهولة.
ولهذا اقترح ميقاتي على الرئيس عون خلال لقاء الاثنين القصير، على ما كشفت المصادر، طرحاً جديدًا فيما يتعلّق بتوزيع الحقائب. وكان أوضح بعد اللقاء بأنّه يتمسّك بالتوزيع نفسه القائم في الحكومة الحالية المستقيلة لكي لا يفتح عليه «وكر الدبابير»، وليس لأي سبب آخر، وقد ميّز نفسه بالتالي عن الحريري بالقول إنّ لكلّ شخص أسلوبه، في إشارة الى أنّه لا يتمسّك بوزارة الداخلية للطائفة السنيّة، كون سلفه تمسّك بها.
وترى المصادر نفسها بأنّ ميقاتي الذي كان أعطى لنفسه مهلة نحو عشرة أيّام للتشكيل بعد لقاء الإثنين، وأبدى تذمّره من البطء الذي يسود عملية التشكيل، إذ كان يعتقد بأنّ المسألة ستكون أسرع، على ما أعلن، وعلى ولادة الحكومة قبل 4 آب للتخفيف بعض الشيء عن الجرحى والمنكوبين من الإنفجار، مشدّداً على أنّ «المهلة غير مفتوحة وليفهم من يفهم»، قد أوحى بأنّه ذاهب نحو الإعتذار قريباً. فنَفَسه ليس طويلاً، على ما فُهم من كلامه، كما كان عليه الحريري الذي لم يتمكّن من التشكيل رغم إبقائه ورقة التكليف في جيبه مهلة تسعة أشهر تقريباً. كما ظهر وكأنّه لن ينتظر جواب الرئيس عون بعد غدٍ الخميس على طرحه الأخير فيما يتعلّق بتوزيع الحقائب ولا سيما الداخلية، رغم تشديده على أنّ البلد بحاجة للإنقاذ وليس للمناكفات حول المحاصصة.
وتقول المصادر بأنّ بداية مسار الإعتذار قد بدأت بوادره تظهر من خلال اللقاء البعيد عن الإعلام الذي عُقد بين عون وميقاتي الأحد الفائت، وعلى إثر ما تنامى الى مسامع ميقاتي من كلام ورد على لسان أحد مستشاري عون بأنّه بالإمكان «تطييره كما طار الحريري»، رغم ذلك، لا يزال على الجميع انتظار اللقاء الخامس لمعرفة إذا ما كان هناك من جواب إيجابي من قبل الرئيس عون لميقاتي، إذ من شأنه أن يضع البلاد على سكّة الإنقاذ، بدلاً من تركها تغرق في المجهول.
أمّا الضمانات الدولية التي دفعت ميقاتي الى الموافقة على عودته الى لبنان للقبول بمهمّة التكليف، فلفتت المصادر عينها الى أنّها لم تكن كافية، خصوصاً وأنّها أرادت رؤية الحكومة الجديدة تتشكّل في لبنان قبل 4 آب، لكي يُتوّج المؤتمر الدولي الثالث ببشرى سارّة للدول المانحة التي ستُشارك فيه وتدعم لبنان رغم عدم وجود حكومة فعلية فيه. غير أنّ ذلك لم يحصل، ليس بسبب عدم التوافق الداخلي بين عون وميقاتي، إنّما أيضاً لأنّ التسويات الدولية والإقليمية لم تنضج بعد، ولا تزال تحتاج للمزيد من الوقت.
أمّا لماذا وافق ميقاتي على أن يتمّ تكليفه تشكيل الحكومة المقبلة، رغم معايشته لكلّ العراقيل التي حالت دون قدرة الحريري على القيام بهذه المهمّة، فتُجيب المصادر إنّ ميقاتي اعتقد أنّ الضغوطات الدولية ستترافق مع مسار التأليف، غير أنّ العقوبات الأوروبية بقيت سيفاً مسلّطاً على رؤوس السياسيين من دون أن يتمّ تنفيذها. لهذا لم تنفع في أن تتقدّم مهمّته اي خطوة الى الأمام حتى الساعة.
وأوضحت المصادر ذاتها بأنّ لقاء عون - ميقاتي الرابع كان سريعاً، على غير ما كان متوقّعاً إذ لم يتعدّ الـ 25 دقيقة، وقد انتهى عند النقطة العالقة نفسها أي الخلاف على وزارة الداخلية. علماً أنّ توزيع الحقائب قطع أشواطاً من خلال الإتفاق على حكومة من 24 وزيراً من المستقلّين التقنيين وغير الحزبيين، وعلى وزارات عدّة مثل الطاقة التي اتفقا على إسنادها لشخصية من المجتمع المدني. غير أنّ توزيع الحقائب السيادية أي المال للشيعة، والداخلية للسنّة، والخارجية للموارنة والدفاع للأرثوذكس، على غرار ما هو عليه اليوم لم يُرض عون الذي يريد التغيير، واعتماد مبدأ المداورة باستثناء وزارة المال، فضلاً عن عدم الإتفاق أيضاً على وزارة العدل..
غير أنّ ميقاتي كان أول مرّة يستخدم فيها أسلوباً «عدائياً» أو «هجومياً» عندما تحدّث عن أنّ «المهلة غير مفتوحة ويفهم اللي بدّو يفهم»، على ما ذكرت المصادر، بعد أن كان بعد لقاءاته الثلاثة السابقة يخرج متفائلاً وإيجابياً ومطمئناً الجميع، غير أنّه أمهل عون يومين لتحضير كلمته والمشاركة في المؤتمر الدولي الثالث لدعم الشعب اللبناني الأربعاء، ليكون لـ «كلّ حادث حديث» يوم الخميس. فهل يتمّ الإتفاق على التشكيل، أم يتسرّع ميقاتي بتقديم اعتذاره، كون فرصة التشكيل قبل 4 آب قد ضاعت منه؟!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :