ماذا لو أراد العرب وقف المجاعة في غزّة؟

ماذا لو أراد العرب وقف المجاعة في غزّة؟

 

Telegram

 

يستفيق أهل غزّة كلّ يوم لمواجهة ظلم العدوّ “الإسرائيلي” مع تعدّد وسائله الإجرامية والتي لن يكون آخرها التجويع الممنهج لإخضاع غزّة. وبحسب منظمة يونيسف “يعاني سكان غزّة البالغ عددهم مليوني نسمة من انعدام الأمن الغذائي الحاد. واحد من كلّ ثلاثة أشخاص لم يأكل منذ أيام، و80% من جميع الوفيات المُبلّغ عنها بسبب الجوع هم أطفال”. 
ولعل أبرز اعتراف بالجريمة هو تصريح رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب: “هناك مجاعة حقيقية في غزّة”. ورغم إعلان العدوّ “الإسرائيلي” السماح بإنزال المساعدات جويًّا إلا أن توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة، صرح بأن “ما تم إيصاله حتّى الآن ليس سوى “قطرة في بحر” مما هو مطلوب”. وفي ظل هذه المأساة الإنسانية يغيب العرب قولًا وفعلًا عن مساندة أطفال غزّة فما هي الطرق المتاحة لمساعدة غزّة؟
المنحى القانوني:
قانونيًّا، يعتبرالتجويع في حالات الحرب جريمة حرب. رغم عدم وجود طريقة لإجبار الدول على الالتزام بالقانون الدولي إلا أن تخطيه بفداحة يعرض الدول وأصحاب القرار فيها لضغط عالمي كبير. فلا بد من استخدام هذه الوسيلة من قبل هيئات قانونية تمثل فلسطنيين أو دولًا تبادر لضغط قانوني.
إلا أن أيًّا من الدول العربية لم يبادر إلى ذلك. القانون الدولي واضح فالمادّة 54، الفقرة 2 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف تحظر صراحةً أساليب التجويع: “يُحظر مهاجمة أو تدمير أو إزالة أو تعطيل الأشياء الضرورية لبقاء السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية والمناطق الزراعية لإنتاجها والمحاصيل والماشية”. والمادّة 8 (2) (ب) (xxv) من نظام روما الأساسي لعام 1998 – الاتفاقية الدولية المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، والمكلفة، من بين أمور أخرى، بتوجيه اتهامات بارتكاب جرائم حرب تصنّف التجويع على أنه جريمة حرب شريطة أن يكون الجاني قد قصد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. فالأساس القانوني موجود إلا أن أيًّا من الدول العربية لم يستغله لمساعدة الفلسطنيين.
المنحى السياسي – الدبلوماسي:
لطالما كانت الحروب وسيلة سياسية للوصول إلى اتفاقيات أو تغيير توازن لصالح الرابح. وبعد فشل العدوّ “الإسرائيلي” في ارضاخ الشعب الفلسطيني بشتّى الوسائل القتالية اتجه نحو سياسة تجويع أبناء غزّة. فيستخدم الكيان “الإسرائيلي” جريمة حرب محظورة دوليًّا لتحقيق أهداف سياسية وتوسعية.
ومن هنا تتضح أهمية الدبلوماسية لحلّ أزمة إنسانية. فلم نر حركة وزراء خارجية عرب وتواصلًا مع رؤساء الدول الداعمة للكيان “الإسرائيلي” لوقف التجويع الممنهج في غزّة. فالمنظمات الدولية أظهرت بتقاريرها سوء الوضع في غزّة وبالتالي يمكن استخدام التقارير المحايدة للضغط الدبلوماسي في شتّى الطرق إن عبر لجان مشتركة أو مبادرات كلّ دولة على حدة.
حتّى الشعوب العربية تخاذلت عن الضغط على حكوماتها، فالمظاهرات المطالبة برفع الحصار كانت بأغلبها في الدول الغربية واقتصرت في الدول العربية على اليمن والمغرب وتونس والأردن. للمفارقة، قام المستوطنيون “الإسرائيليون” بالمطالبة بوقف المجاعة في غزّة ولكن غابت المظاهرات عن العواصم العربية.
المنحى الاقتصادي:
يمكن للدول العربية أن تمارس ضغطًا اقتصاديًّا مؤثرًا على “إسرائيل” عبر مجموعة أدوات متكاملة.
أولًا، يمكن للدول التي تربطها علاقات مباشرة مع “إسرائيل”، مثل الإمارات، البحرين، المغرب، مصر، والأردن، أن تلوّح بتجميد أو تعديل الاتفاقيات التجارية ما لم يرفع الحصار عن غزّة وتفتح المعابر بشكل دائم أمام المساعدات. أما الدول ذات النفوذ الإقليمي كالسعودية، فيمكنها استخدام أدواتها السياسية والنفطية للتأثير غير المباشر على مواقف الدول الكبرى.
ثانيًا، يعدّ الضغط عبر الشركاء الاقتصاديين لـ”إسرائيل” أداة فعالة، إذ تعتمد “إسرائيل” بشكل كبير على التجارة مع دول كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. يمكن للدول العربية، عبر تحركات دبلوماسية جماعية أو ثنائية، أن تطالب هذه الدول بربط استمرار التعاون التجاري مع “إسرائيل” بإجراءات ملموسة لإنهاء المجاعة في غزّة، أو على الأقل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
ثالثًا، يمكن تفعيل المقاطعة الاقتصادية على المستوى الشعبي والرسمي، عبر مقاطعة المنتجات “الإسرائيلية” أو تلك التي تنتجها شركات متورطة في دعم الاحتلال، خاصة في المستوطنات.
رابعًا، يمكن الضغط على الشركات العالمية المتعاملة مع “إسرائيل”، مثل PUMA، HP، Caterpillar، وغيرها، من خلال حملات إعلامية وقانونية تطالبها بالانسحاب من السوق “الإسرائيلية” أو من المشاريع المرتبطة بالاحتلال.
وأخيرًا، يمكن منع التعاملات التجارية كلّيًّا أو جزئيًّا، من خلال حظر استيراد بعض السلع أو تعليق اتفاقيات تجارية، مع تبني تشريعات عربية موحّدة تقيّد التعامل مع الاحتلال أو الشركات التي تسهّل ممارساته. هذا التحرك المتكامل، إن تم التنسيق فيه عربيًّا، سيكون له أثر سياسي واقتصادي حقيقي في الضغط على “إسرائيل” وتخفيف الكارثة الإنسانية في غزّة.
أفاد برنامج التغذية العالمي بأن لديه ما يكفي من الغذاء المخزن أو في طريقه لإطعام سكان غزّة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة لمدة ثلاثة أشهر، ولكن في ظل غياب وقف إطلاق النار وإمكانية الوصول المستمر، فإن حجم الاحتياجات يتجاوز بكثير الجهود الحالية. غزّة تواجه الإبادة ولا من يقوم بخطوات عملية وفعلية لتغيير واقع غطرسة وظلم الاحتلال. أطفال غزّة هم ضحايا التقاعس العربي، وليسوا فقط ضحايا الاعتداءت “الاسرائلية”.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram