أميركا تلمّح إلى إعادة تسعير ذهبها، فماذا فعل لبنان بذهبه؟
كأننا نحب الذهب… لكن من بعيد. نخاف عليه، منه، وعليه.
في واشنطن، تُثار نقاشات جدّية حيال احتمال إعادة تسعير الذهب المسجّل رسميًا على دفاتر وزارة الخزانة بـ 42.22 دولارًا للأونصة منذ عام 1973.
الأسعار السوقية تلامس 3400 دولار، والفارق الهائل قد يُحوّل بمجرد قرار إلى نحو 750 مليار دولار من السيولة من دون طباعة، ولا بيع، ولا استدانة.
مقالات تحليلية فيدرالية، وتصريحات محسوبة، ودراسات حديثة، كلها تؤشّر إلى أن الفكرة لم تعد مجرّد سيناريو نظري. فهذه الحركة أعادت فتح باب مألوف عندنا: لبنان… وعلاقته الطويلة والمضطربة بالذهب.
في عام 2002، أعاد مصرف لبنان تقييم الذهب في دفاتره، ما رفع القيمة المحاسبية للاحتياطي بما يُعادل 12% تقريبًا من الناتج المحلي آنذاك. الهدف كان واضحًا: سداد سندات خزينة من دون رفع الدين.
نجح الأمر رقميًا، لكنه فشل استراتيجيًا. لا الإصلاح حدث، ولا الثقة عادت، ولا الدَين توقف عن التمدد.
أُغلقت الفاتورة وانفتحت أزمة أخرى.
لكن المثير أنه حين انهارت البلاد فعليًا بعد عام 2019، احترقت العملة واحتُجزت الودائع وسقط كل شيء ولم يلمس أحد الذهب، ولا حتى لإعادة تقييمه.
لماذا لم يُستخدم الذهب بعد الانهيار الكبير؟
لأن قانون النقد والتسليف يمنع المسّ به من دون موافقة مجلس النواب.
لأن لا أحد أراد أن يكون “الموقّع” على الخط الأحمر الوحيد الباقي.
لأن لا أحد وثق بالآخر.
ما الفرق بين بيروت وواشنطن؟
لبنان جرّب إعادة التقييم في لحظة راحة ولم يكرّرها حين وصل إلى لحظة الاحتضار. أما أميركا، فقد تغيّر خارطة السيولة العالمية، وتخلق أداة جديدة للقوة النقدية.
لكن إذا قرر لبنان اليوم استخدام الذهب فعليًا، فهل يمكن أن يشكّل ذلك فارقًا؟
القيمة السوقية الحالية للاحتياطي الذهبي اللبناني تُقدَّر بنحو 31 مليار دولار (بسعر يلامس 3400 دولار للأونصة).
رقم كبير نظريًا، لكنه لا يكفي وحده لسد الفجوة الكاملة في القطاع المالي، والتي تشمل الخسائر المتراكمة، وأموال المودعين، وأكلاف إعادة الهيكلة.
مع ذلك، الذهب ليس بلا قيمة. في حال وُضِع ضمن خطة إصلاح شاملة، يمكن أن يكون:
ضماناً لتعزيز التفاوض مع المؤسسات الدولية.
أساسًا لصندوق تعافٍ مستقل.
مصدراً لتمويل موجَّه بآلية واضحة لتخفيف بعض الخسائر تدريجًا.
لكن استخدام الذهب من دون رؤية واضحة، في بيئة معدومة الثقة، قد يكون الخطوة التي تُفرغه من قيمته كأصل استراتيجي، وتحوله إلى بند مسحوب الأثر.
الذهب ليس حلًّا في ذاته، لكنه جزء من حل أكبر يتطلب وضوحاً في الغاية من استخدامه. حتى ذلك الحين، يبدو سيبقى في الخزائن كأن المسّ به أقرب للخيانة من الإنقاذ.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي