نشرت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا اليوم تقريراً حول موجة العنف التي اجتاحت الساحل وغرب وسط سوريا منذ كانون الثاني/يناير، واستنتجت ارتكاب أفعال قد ترقى إلى جرائم حرب.
وشملت أعمال العنف - التي استهدفت في المقام الأول المجتمعات العلوية وبلغت ذروتها في مجازر وقعت في أوائل آذار/مارس - القتل والتعذيب والأفعال اللاإنسانية المتعلقة بمعاملة الموتى، والنهب على نطاق واسع وحرق المنازل، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين. وتم تصوير بعض هذه الأعمال المروعة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب لقطات لمدنيين يتعرضون للإساءة والإذلال.
وقد ارتكبت هذه الانتهاكات من قبل عناصر قوات الحكومة المؤقتة وأفراد عاديين عملوا إلى جانبهم، وكذلك من قبل مقاتلين موالين للحكومة السابقة أو ما يسمى بـ "الفلول". وشملت الانتهاكات أفعالاً قد ترقى إلى جرائم حرب.
وقال باولو سيرجيو بينهيرو، رئيس اللجنة: "إن حجم ووحشية العنف الموثق في تقريرنا أمر مقلق للغاية. ندعو السلطات المؤقتة إلى ملاحقة جميع الجناة، بغض النظر عن انتماءاتهم أو رتبهم. ورغم التقارير عن اعتقال العشرات من الجناة المزعومين منذ ذلك الحين، فإن حجم العنف الموثق في تقريرنا يستدعي توسيع نطاق هذه الجهود."
وفي إطار نمط مقلق من عمليات القتل الموثقة في عدة مواقع، تم أولاً تحديد الرجال الذين ينتمون إلى الطائفة العلوية، ثم تم فصلهم عن النساء والأطفال قبل اقتيادهم إلى الخارج لإطلاق النار عليهم وقتلهم.
وتُركت الجثث في الشوارع لأيام، ومُنعت العائلات من دفنها وفقًا للطقوس الدينية، بينما دُفن آخرون في مقابر جماعية دون توثيق سليم. وأصبحت المشافي منهكة بسبب تراكم الجثث. وكانت المرافق الطبية في طرطوس واللاذقية قد شهدت شللًا في قدرتها الاستيعابية بعد هجمات شنها مقاتلون موالون للحكومة السابقة خلال مرحلة سابقة من العنف.
وخلصت اللجنة إلى أن قوات الحكومة المؤقتة سعت في بعض الحالات إلى وقف الانتهاكات وإجلاء المدنيين وحمايتهم. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، أقدم أفراد من فصائل معينة، تم دمجها مؤخرًا في قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة، على إعدام مدنيين خارج نطاق القضاء وتعذيبهم وإساءة معاملتهم في العديد من القرى والأحياء ذات الأغلبية العلوية بطريقة منهجية وواسعة النطاق. ووثقت اللجنة أنماطًا متسقة من العنف ضد السكان المدنيين في مواقع متعددة، شملت الاستهداف على أساس الانتماء الديني والعمر والجنس، إلى جانب عمليات إعدام جماعي.
وتستند نتائج اللجنة إلى تحقيقات مكثفة، شملت أكثر من 200 مقابلة مع ضحايا وشهود. وتعرب اللجنة عن امتنانها للسلطات المؤقتة لإتاحة الوصول غير المقيد إلى المناطق المتضررة في اللاذقية وطرطوس في حزيران/يونيو 2025، بما في ذلك للقاء مجموعة من المسؤولين فضلاً عن ثلاثة مواقع لمقابر جماعية.
وما يثير القلق أن اللجنة لا تزال تتلقى معلومات عن انتهاكات مستمرة في العديد من المناطق المتضررة، بما في ذلك اختطاف النساء والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، فضلاً عن استمرار نهب الممتلكات واحتلالها. وقد أدى العنف الشديد الذي وقع إلى تعميق الانقسامات القائمة بين المجتمعات المحلية، مما ساهم في خلق جوّ من الخوف وانعدام الأمان بين العديد من السوريين في جميع أنحاء البلاد.
وقالت المفوضة لين ويلشمان: "تحتاج المجتمعات المتضررة إلى إجراءات عاجلة لزيادة حمايتها. وبالإضافة إلى إحالة المشتبه فيهم إلى العدالة الجنائية، يجب فصل الأفراد المشتبه في تورطهم في ارتكاب الانتهاكات خلال أحداث آذار/مارس على الفور من الخدمة الفعلية بانتظار التحقيق. كما يجب توسيع نطاق عمليات الفرز بحيث لا يتم تجنيد مرتكبي الانتهاكات الجسيمة المعروفين أو المشتبه فيهم في الماضي في صفوف قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة."
وكان العنف الذي تناوله التقرير قد اندلع سريعًا نتيجة عملية اعتقال شنتها السلطات المؤقتة السورية في 6 آذار/مارس 2025، والتي رد عليها مقاتلون موالون للحكومة السابقة بالقبض على مئات من أفراد قوات الحكومة المؤقتة وقتلهم وإصابتهم.
وسرعان ما تفاقم الوضع ليتحول إلى أعمال عنف واسعة النطاق. وأفادت التقارير أن حوالي 1400 شخص، معظمهم من المدنيين، لقوا حتفهم في المجازر التي أعقبت ذلك. وكانت الغالبية العظمى من الضحايا من الرجال البالغين، لكن من بين الضحايا حوالي 100 امرأة ومسن ومعاق، بالإضافة إلى أطفال.
وتنوّه لجنة الأمم المتحدة بالتزام السلطات المؤقتة في سوريا بتحديد المسؤولين عن أحداث آذار/مارس وضمان محاسبتهم. وكانت لجنة التحقيق الوطنية، التي عينها الرئيس المؤقت في 9 آذار/مارس، قد أفادت في 22 تموز/يوليو أنها حددت بشكل أولي 298 من الجناة المزعومين من الفصائل العسكرية و265 من الجناة المرتبطين بجماعات مسلحة تابعة للحكومة السابقة، وأحالت أسماءهم إلى النائب العام.
وقال المفوض هاني مجلي: "إن التقرير الموجز والإحاطة العلنية الأخيرة التي قدمتها لجنة التحقيق الوطنية السورية بشأن أعمال العنف التي وقعت في الساحل في آذار/مارس هي خطوات مهمة للوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة لجميع السوريين. نحن ندعو إلى الإسراع بنشر تقرير اللجنة الكامل، وتنفيذ التوصيات، والالتزام بالمضي قدماً بسرعة في إصلاح القضاء من أجل محاكمة جميع المتهمين ضمن إجراءات تتوافق مع حقوق الإنسان."
وتأخذ اللجنة علمًا بالرد البناء الذي قدمته السلطات المؤقتة في سوريا، والمرفق بهذا التقرير، وتتطلع إلى مواصلة التعاون في ما يتعلق بتنفيذ توصيات التقرير للمساعدة في منع وقوع انتهاكات في المستقبل.
وتتجلى الحاجة الملحة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات في ضوء الانتهاكات والاعتداءات المزعومة خلال الأحداث الأخيرة في السويداء، والتي تحقق فيها اللجنة حالياً. وتكرر اللجنة دعواتها إلى وقف التصعيد والحوار، واحترام حقوق الإنسان لجميع الناس، دون أي شكل من أشكال التمييز، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات والاعتداءات. كما تكرر دعوتها إلى احترام القانون الإنساني الدولي، ولا سيما السماح بوصول المساعدات الإنسانية بسرعة ودون عوائق إلى المدنيين المحتاجين وحماية جميع المدنيين.
النهاية
الخلفية: أنشئت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية بتاريخ 22 آب/أغسطس 2011 من قبل مجلس حقوق الإنسان بموجب القرارS-17/1. وتتمثل ولاية اللجنة في التحقيق بشأن كل الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان المرتكبة منذ آذار/مارس 2011 في الجمهورية العربية السورية. وكلف مجلس حقوق الإنسان اللجنة كذلك بإثبات الوقائع والظروف التي قد ترقى إلى مثل تلك الانتهاكات والخاصة بالجرائم المرتكبة مع القيام، حيثما أمكن، بتحديد الجناة بهدف التأكد من مساءلة المسؤولين عن تلك الانتهاكات، بما في ذلك الانتهاكات التي قد ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية. وقد مدد مجلس حقوق الإنسان ولاية اللجنة مرارًا منذ ذلك الحين، وآخرها حتى 31 آذار/مارس 2025.
عيّن رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المفوضين في اللجنة، وهم ليسوا من موظفي الأمم المتحدة ولا يتلقون راتباً مقابل عملهم. وفي حين أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يقدم الدعم للجنة التحقيق، إلا أن الخبراء يعملون بصفتهم الفردية وهم مستقلون عن أي حكومة أو منظمة، بما في ذلك الأمم المتحدة. وأي آراء معروضة في هذه الوثيقة هي آراء المفوضين المكلفين.
المفوضون هم:
باولو سيرجيو بينهيرو (البرازيل)، رئيس اللجنة
هاني مجلي (مصر)
لين ولشمان (المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية)
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :