نسيم بو سمرا
الشعوب تخسر أوطانها حين تفقد سيادتها واستقلالها وتتنازل عن وجودها الحر في أرضها، والمقاومة لا تهزم طالما بقيت شعلة الثورة متقدة في نفوس مجاهديها، ولا تخسر اذا فقدت سلاحها، اذ يمكنها شراء غيره او تصنيعه من جديد لتعويض ما دمر منه، طالما بقي هناك مؤمنون به، ومستعدون لحمله، بهدف الدفاع عن أنفسهم، وحماية وجودهم، فضلا عن ان هناك قضية محقة يدافع عنها حزب الله، وهو باق، مهما كان شكله وكيفما تغيرت مهمته، ولكنه موجود طالما انه يملك قضية؛
ولذلك أقول: واهم من يراهن على قبول المقاومة بالاستسلام، مهما كانت الصعوبات التي تواجهها راهنا، وخاصة من دون ضمانات داخلية(لان الضمانات الدولية لا تعني المقاومة) ولا بدائل، فهذا التنظيم العسكري يضم في صفوفه مليون لبناني مئة ألف منهم مقاتلون، فهل يعتقدون انه بهذه السهولة، يمكن ان يحل الحزب نفسه؟ ولماذا لم يتم الحوار بعد بين اللبنانيين حول استراتيجية دفاعية، يكون الجيش عمادها، يستوعب بموجب هذه الاستراتيجية آلاف المقاتلين من الحزب في صفوفه، وهم مدربون ولديهم خبرة قتالية ميدانية، اكتسبوها من الحروب التي خاضوها في جنوب لبنان وفي سوريا، ويكون السلاح النوعي تحت إمرة الجيش ولكن باشراف مقاتلي الحزب، الذين يضعون خبراتهم العسكرية يتصرف الجيش لخدمة الوطن؛
إذآ الحزب يجب ان يكون جزءا اساسيا من الحل، ولكن مصالح القوى السياسية واحزابها وزعاماتها بارتباطاتها الخارجية، حولته الى المشكلة، بينما حكومة "الاختصاصيين" برئاسة نواف سلام، التي تتنطح لحل المشكلات الاستراتيجية وعلى رأسها حصر السلاح بيد الدولة، فاشلة في حل الامور البسيطة كالكهرباء والماء، وهي الأفشل حتى اليوم بمعالجة المشكلة الاقتصادية والمالية واعادة اموال المودعين المنهوبة، ولذلك يسأل المراقبون، فرضا لو أراد حزب الله تسليم سلاحه، الى أي دولة يسلمه، الى سلطة لا تجرؤ على قول كلمة لا، لسفير؟
أما الشعب اللبناني، فقد خسر الحرب لأنه تعب وقرر الاستسلام والتنازل عن عناصر قوته، نتيجة فقدان الثقة بنفسه، وعدم استعداده للتضحية أكثر، وهو الذي ينتقل من حرب الى أخرى، منذ العام ١٩٧٥ وحتى يومنا هذا، كان آخرها حرب الاسناد وقبلها تفجير مرفأ بيروت، فأصابه الوهن ودب في نفوسه الخوف،
فلا يكفي لتحقيق الانتصار ان تبقى المقاومة وحدها في الساح ومستعدة، والتي بعكس كل الرهانات، تعيد بناء نفسها وتنظيم صفوفها، ولكن من دون حاضنتها الشعبية التي فقدتها بسبب حرب الاسناد، تصبح ضعيفة ومعزولة، وغير قادرة على الاستمرار.
مصلحة المسيحيين في لبنان قبل غيرهم ان لا يسيروا بمشروع نتنياهو الذي كشف عنه اخيرا، وهو اقامة اسرائيل الكبرى، لانه في اسرائيل الصغرى، بقي اثنان بالمئة فقط من عدد المسيحيين في فلسطين المحتلة، فماذا يبقى من الوجود المسيحي في الشرق، اذا حكمت اسرائيل بقادتها المتطرفين، المشرق؟ والعدو هذا لم يعد بخفي اهدافه او يضع لها كفوفا كما في السابق، بتسمية مشروعه الاميركي، الشرق الاوسط الجديد، بينما هو واقعيا مشروع اسرائيل الكبرى، ومثال السلطة الفلسطينية التي قبلت بالقليل القليل واضح، وهي بعدما تنازلت عن حقوق شعبها، باتت اليوم معزولة ومجردة من اي عنصر قوة، وتقضم اسرائيل ما تبقى من أرض تحت سلطتها، حتى لا يبقى لها أرض، تقيم دولة عليها.
والسؤال: هل لهذه الدرجة، اصبح الزعماء المسيحيون، سذج، ليثقوا بترامب او بالادارة الاميركية بشكل عام، وحتى الآن لم تعط واشنطن ولا اللجنة الخماسية اي ضمانة للبنان، بوقف الهجمة الاسرائيلية على لبنان، في حال نزعت السلطة السياسية سلاح المقاومة، في وقت لم تجاوب ورقة براك التي أقرتها الحكومة اللبنانية كما هي، متنازلة بذلك عن سيادتها كما عن شرفها، لم تعط أجوبة للبنانيين على هذه النقاط:
١_هل سيسمح للجيش بالاحتفاظ بسلاح المقاومة النوعي، او سيجبر على تفجيره بعد مصادرته؟
٢_هل سيوضع هذا السلاح في اماكن سرية كي لا تدمره اسرائيل بغارات جوية، بعد تخزينه؟(انفجار مخزن السلاح في الجنوب بقوة الهندسة في الجيش وارتقاء ستة شهداء وعدد من الجرحى، ليس حادثا وبصمات العدو عليه، واضحة)
٣_هل سيستفيد الجيش من خبرة المجاهدين القتالية، كما من خبراتهم بتصنيع المسيرات وبعض انواع الصواريخ ليعيد تشكيل نفسه كجيش قوي على أسس حديثة، حيث يعتمد على النخبة لا العدد؟
٤- ماذا عن عقيدة الدولة؟ لأننا لا نشك بعقيدة الجيش القتالية تجاه اعداء لبنان، الاسرائيلي والتكفيري.
اذا اليوم وبوجود السلاح، وهو ما زال فعالا اذا توفر القرار باستخدامه، ترتكب اسرائيل كل تلك الجرائم بحق للبنان فتقتل وتغتال وتشن غارات وتقصم اراض، فكيف حين تطمئن الى انه ما من جهة في لبنان يمكن ان تردعها، فحينئذ، ربما ستستوطن الجنوب وتقيم عليه مستعمرات وربما تصل قواتها الى بيروت كما وصلت الى دمشق، بعد سيطرتها بالاحتلال وبالنار عل جبل الشيخ، بجزأيه السوري واللبناني.
فهل تجلب الاتفاقات الابراهيمية السلام للبلدان المطبعة؟ والجواب بمثال اتفاقات السلام الموقعة بين مصر واسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضي وبين الاردن واسرائيل، والتي جاءت على حسابها ولم تحقق الاستقرار لهذين البلدين والازدهار لشعوبهما؛
الا ترون ماذا يحصل في سوريا؟ فهي كانت مستقرة ومزدهرة حين كانت تكن العداء لاسرائيل، وانظروا اليها اليوم بعدما قبل نظام الشرع بمبدأ السلام، كيف هي مفتتة ومقسمة، تسودها الفوضى ويحكمها الاخوان.
صحيح ان حزب الله ارتكب خطأ استرتيجيا بالانخراط بحرب الاسناد، كما انه اهمل مسألة بناء الدولة وضيع فرصة ذهبية في عهد ميشال عون، الداعم الاكبر له ولسلاحه ،(الدفاعي تجاه العدو،)، ولكن هذا لا يعني ان نجلد انفسنا ونسلم رقابنا للغرب، الذي يعمل بكل قوته ويسخر مصادره لمنع نشوء النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب، (مع العلم ان هذا النظام بات حتميا، ويتشكل اليوم انطلاقا من نتائج الحرب في اوكرانيا)،
ولذلك يخففلي البعض غزلو بترامب، لانو مش شايفكن، وهمو مصلحة العدو وهو ينظر الى لبنان بعيون العدو، لا من خلال عيونكم أنتم.
بالختام لا بد من الاشارة الى زيارة لاريجاني امس للبنان، فايران انتصرت بالحرب الاخيرة عليها، (انتصرت بحفاظها على نظامها والذي بات أقوى شعبيا اليوم مما كان عليه قبل الحرب، وانتصرت بحماية قادتها من التصفية، كما انتصرت بمنع تدمير برنامجها النووي السلمي)، ولذلك عادت الى المنطقة والى لبنان تحديدا، موصلة رسالة الى الاميركي اولا والى الداخل ثانيا، هي بالمحصلة رسالة واحدة؛ فهي أفهمت الاميركي كما حلفائه بالداخل، انه لا يمكن نزع سلاح حزب الله بالقوة، لانها باقية الى جانبه، وللبنانيين في الداخل، ان طهران ستقبل بأي حل يتفق عليه اللبنانيون من دون ضغوط خارجية، مرفقة اياها بنصيحة: حافظوا على مقاومتكم.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :