الممرّ المتفجّر بين تركيا وأميركا، وروسيا والصين وإيران
يشكّل ممر “زنغزور” ورقة جيوسياسية بالغة الأهمية لتركيا، التي تسعى إلى ترسيخ موقعها كفاعل إقليمي ودولي محوري، لا سيما في القوقاز. فمن خلال استغلالها العاطفة الشعبية تجاه القضية الفلسطينية، نجحت أنقرة—مع حليفتها أذربيجان—في تحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة، أبرزها: تفعيل ممر باكو/تبليسي/جيهان، وتعزيز دورها كوسيط أساسي لنقل الغاز إلى أوروبا، في لحظة تراجع الدور الروسي وتعرّضت فيها إيران لعزلة متزايدة.
الولايات المتحدة من جهتها، لعبت بذكاء دبلوماسي عبر استخدام القوة الذكية (Smart Power) فأبرمت اتفاق “سلام” صيغته الظاهرة تهدئة في المنطقة، لكن هدفه الحقيقي كان كسب تركيا واستمالتها نحو الغرب، مقابل إبعاد روسيا وإيران عن التأثير في الممرات الجيوسياسية الحساسة في جنوب القوقاز.
روسيا وإيران الخاسران الأساسيان
روسيا تفقد نفوذها السياسي في منطقة القوقاز، في ظل دخول أميركا كوسيط ومستثمر. فالواسطة الاميركية الأخيرة كانت مفاجئة ومهمة حيث رعت اتفاق سلام تاريخي في 8 آب،أغسطس 2025 بين أرمينيا وأذربيجان في البيت الأبيض، يقضي بإنشاء ما يُعرف باسم “طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي” كترانزيت متعدد الوسائط على خط زنغزور. تشمل الاتفاقية حقوق تطوير أمريكية للمنطقة، وتهدف واشنطن من وراء هذا المشروع إلى خفض نفوذ روسيا وإيران في جنوب القوقاز، وفتح طريق مباشر إلى وسط آسيا دون المرور عبر هذين البلدين
إيران يعزلها الممر عن الاتصال البري بروسيا وأوروبا عبر أرمينيا، مما يجبرها على الاعتماد على تركيا أو أذربيجان كطرق بديلة. ويضرب التواصل الإقليمي لإيران ويحد من الدور الروسي، ويعزز حضور واشنطن وحلفائها في المنطقة.
أما في شرق المتوسط، فقد استفادت تركيا من تحوّلات الصراع السوري، لا سيما بعد إضعاف النظام السوري، لتعزيز حضورها العسكري والسياسي هناك. وأتاحت لها الضرورات الإقليمية والدولية أن تبني تحالفاً تكتيكياً مع إسرائيل، إلى جانب تعاون متقطّع ومصلحي مع الولايات المتحدة.
من جهتها، توظّف واشنطن أدوات متعددة: القوة الصلبة عبر إسرائيل، و*القوة الناعمة* من خلال مشاريع الإعمار والمؤتمرات والدبلوماسية المرنة، فيما تواصل فرض هيمنتها على موارد وطرق غاز شرق المتوسط، في سياق تطويق نفوذ روسيا وإيران.
الاسئلة الأهم اليوم:
هل سترضى هذه القوى بإعادة هندسة الإقليم وفقاً لمصالح واشنطن وأنقرة؟
وهل نحن أمام بوادر تصعيد إقليمي واسع يمتد من آسيا الوسطى حتى المتوسط؟
والأهم، ما مصير الصين ومشروعها الاستراتيجي “الحزام والطريق” في ظل هذه المعادلات الجديدة؟
لا شكّ في أنَّ الأمور تزداد تعقيدًا وخطورة، وأن التنافس الكبير بين الدول الكبرى والاقليمية على اقتسام العالم، يبدو في ذروته مما يفتح المخاطر على كلِّ الاحتمالات، ولا شك كذلك في أنّ الدول الصغيرة سوف تدفع الثمن، لانّها وكما كان شأنها دائما، تكون وقودًا لصراع الكبار.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي