حطت الفنانة المتألقة هبة طوجي رحالها في رحاب معبد باخوس، حيث قدمت في ختام موسم مهرجانات بعلبك الدولية لهذا الصيف أمسية غنائية، انتقت فيها مختارات من خوابي تجربتها الغنية، المتكئة على مشاركات عالمية ومحلية لطالما أبهرت ذواقة الإستماع والاستمتاع بصوتها الذي يختزن الرومانسية والحنان، والتّواق إلى الحريّة والتمرّد على الواقع.
وانتقى سليل أمجاد "الرحابنة" الملحن والموسيقي المايسترو أسامة الرحباني للأمسية الغنائيَّة المميّزة، تسمية "حقبات" لأنه أراد أن ينهل من روحية المكان ما اختزنه من حضارات وثقافات تطوف في أرجاء المعابد، وتبعث الحياة بما افترضناه جمادًا، فإذا بالمعزوفات والألحان وروعة الأداء، وبراعة استخدام الأشكال والأضواء التي رسمت التاريخ، ونقشت بأحرف من نور التيجان ومراحل العمران، وربطت المعبد بآفاق السماء، حتى كادت الأعمدة تشارك المغنين والعازفين والراقصين والكورال فرحتهم وتلامس أيديهم المتشابكة والمحيطة بطوجي وشركائها في العمل، ومن بينهم زوجها عازف البوق المبدع إبراهيم معلوف الذي كانت له أربع إطلالات تركت بصمتها على المسرح الذي استضافه في أمسيات سابقة، والمغني الفرنسي الشهير اللبناني الأصل Ycare الذي شارك هبة في ديو Les Cedres، مع معلوف.
الحضور
وتقدم الحضور إلى جانب رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية السيدة نايلة دي فريج، الرئيس فؤاد السنيورة، وزيرة السياحة لورا الخازن، النواب: فيصل كرامي، ينال صلح والدكتور سامر التوم، محافظ بعلبك- الهرمل بشير خضر، رئيس بلدية بعلبك المحامي أحمد زهير الطفيلي، نائبه عبد الرحيم شلحة وأعضاء المجلس البلدي.
الحفل
استهل الحفل بالنشيد الوطني اللبناني، وبمعزوفة خاصة ل"باخوس"، وجرى استعراض "حقبات" من العهد الروماني وبناء المعابد في "هليوبوليس" على جداريّة جانبيّة.
وتوجهت طوجي بكلمة إلى الجمهور معتبرة أن "الكلمة أمام هذه العظمة تصبح صغيرة"، وعبرت عن شوقها "لنلتقي على الأمل والحب والموسيقى".
وقالت: "وجودكم هنا رسالة صمود، ولحظة حلمنا بها منذ زمن، وهذه التجربة هي رحلة ستسافرون فيها بالزمن، من خلال الموسيقى وكل هذا الزمان".
ووجهت التحية إلى الفنان الكبير الراحل منصور الرحباني، في ذكرى مئويته، وغنت إحدى قصائده الوطنية.
كما استحضر العمل الغنائي الممسرح بأسى الفنان والموسيقي الكبير الراحل زياد الرحباني، الذي روى أسامة بحرقة وألم مقتطفات من شريط ذكريات مرحلة الطفولة، وتأسيس شركة "زيمارا" حيث كان يضع زياد الموسيقى التصويرية للأفلام.
وتضمن العمل 20 لوحة، بمشاركة حوالي 80 فنانا وفنانة في ميادين الغناء والعزف والرقص، ضمن مشهدية تم انتقاء لوحاتها بدقة متناهية، لتليق بمهابة المكان.
وفي الوقت الذي أتحفنا أسامة بعزفه على البيانو في ركن مواجه لأعمدة "جوبيتير" الستة، وقيادته للفرقة الموسيقية بجارة ورشاقة، فإن طوجي كانت تتنقل على مدرجات "باخوس" كالفراشة، يلاحقها النور حيثما اتجهت وحلّت، تؤدي أغانيها العربيّة والفرنسية بمفردها، أو بمشاركة ثنائية أو ثلاثية. ولكن نغمات صوتها تبقى محور إصغاء الجمهور الذي ملأ المدرجات، وشاركها في الغناء والتصفيق، وأطلق العنان لآهات الإعجاب.
وخصَّصت بعلبك بأغنية جديدة، جاء في كلماتها: "أنا إسمي بعلبك
عُمري ألفين سنة
بيتي سهل البقاع الواسع
بِجمالي السّاحر بِغوي مْلوك الدني
بِتاجي لْ بالحريّة والع
شَعري الأشقر دهب
زهَّر سنابل قمح
خصري وادي انكتَب
عَ السّيف وعلى الرّمح
والشمس بهالريح
بتلَوّحني تِلويح
أنا إسمي بعلبك
مع مرور الزّمان
أسراري حضارة مخبّاية
وجوه الناس الكانو
محفورة بهالحيطان
من الماضي للإيام الجايي
يا مدينة الشمس المضويّة عَ السّهل وعّ كلّ الإنسانيّة
يا زغيرة بس الغيرة عيون كبيري شعلانة بالنّار
آه – آه – آه – آه
بإيّام الشتويّة
بيتوّجني البياض
والتلج يِتمَرجح بالهياكل
نسمة ربيعيّة تْرَجّعني طَير الميّ
ترَفرف بِفيّة الهياكل
بالصيفيّة هالناس بيشتاقو
من آخر الدني عندي تْلاقو
خريفِك عَ رصيفِك دايب فيكي عشقان وسهران".
آه – آه – آه – آه
يا بعلبك المحروسة من العالي ما انحَنَيتي بأصعب الليالي
يا زغيري بس الغيرة عيون كبيري شعلانة بالنّار
يا مدينة الشّمس المضويّة
عَ السّهل وعَ كلّ الإنسانيّة
يا زغيري بس الغيرة عيون كبيري شعلانة بالنّار".
ومن أغانيها خلال الأمسية: "مطرح ما بيودي الصوت" ومطلعها: "مطرح ما بيودي الصوت وبيتحدو بحر ومدى، مطرح ما بتتلوى النار وبيتكسر سهم الصدى".
و"جايي تَ صَلِّي بفياتك
إسكر بعطر غاباتك
فرجي الناس عَ أرزاتك
حامل قداسة وإيمان".
"Ave Maria
Pardonne_ moi
Si devant toi je me tiens de bout"
و أغنية Les Sedres
و"بلا ولا شي" تحية لروح المتألّق زياد الرحباني ومن كلماتها: "بلا ولا شي بحبك، وبلا ولا شي ولا فيه بهالحب مصاري، ولا ممكن فيه ليرات، ولا ممكن فيه أراضي، ولا فيه مجوهرات"، مرورا بأغنية "النظام الجديد" التي تحاكي الأمل: "قالوا رح يجتمعوا بكرا وجايي النظام الجديد/ لا مجاعة ولا حروب وشبح الموت يصير بعيد/ يا شعوب الأرض افرحي بالحرية تمرجحي/ صار الكون رعية وحدة للراعي الجديد".
و"وطني بيعرفني"... كيف لا تغني للوطن، وهي المفتونة ببلدها الصغير، وببالها هو الكبير؟!
وأردفت: "وحياة اللي راحوا واللي صاروا الحنين/ وحياتك يا أرضي ويا تاريخي الحزين/ يا رفيقي اللي استشهد يا شعبي اللي تشرَّد/ رح نرجع نتلاقى، رح نرجع نتوحد/ وعد عليي يا شعبي السجين".
وغنَّت "خلص لشو نتقاتل/ إنت وأنا ما في حل/ خلص لشو نتجادل/ كل واحد لحالو يضل".
ومن كلمات أغانيها الرافضة للخيانة: "خبرني القصة اللي ما بعرفها/ أنا قلبي من الكذب اكتفى/ وقت اللي سألتك عنها ليش صوتك حسيته اختفى".
ومن توقها للحريّة: "مين اللي بيختار".
وبصوتها الرومانسي الدافئ غنّت: "أوّل ما شفته ما حبيته/ سلّم عليي ما مسيته/ ومن يوم اللي شفته بالي مشغول/ يمكن حبيته قلبي بيقول".
ومن مطلع أغنية "لا بداية ولا نهاية": "ليش صيف السنة انتهى بسرعة/ واحمرّت أحراش الغار/ والمرا اللي شعرا أحمر متلن شعلانة بالنار/ لا بداية ولا نهاية والوقت مارق غريب/ متل مروري بأفكارك لحظة بتلمع وتغيب".
وبعد ديو رائع لأسامة الرحباني وإبراهيم معلوف لاقى كل الإعجاب من ذواقة الموسيقى، غنت هبة من حنينها إلى الماضي الجميل: "زمان شو كانت أحلى الدنيا أيام زمان/ والناس لفتاتن أغلى فيها ألفة وأمان/ واليوم كل شي تغيَّر بالكون وعنَّا كمان/ هالعالم شو تغيَّر غيَّر معه الإنسان".
ومسك الختام "بلد التناقض"، ونقتطف من مطلعها: "العالم كله عم يسألنا إنتو والله كيف عايشين/ قلتلن هيدي بلدنا صرنا عليها معودين/ سياحة، فن ومعارك، الله الحامي، الله مبارك/ يللي بدو يجي يشارك، نحن بسيرك المجانين".
طوجي
وفي حديث خاص ل"الوكالة الوطنية للإعلام"، حول ما تعنيه لها إطلالتها الأولى بحفلها الغنائي في بعلبك، رأت طوجي أن "الوقفة على مدرجات قلعة بعلبك لها رهبة كبيرة، ومسؤولية كبيرة جدًّا، لأن هذا المكان حمل معه تاريخًا وحقبات، حمل معه آثار الناس الذين مروا على هذا المسرح، والذين "قطعوا" في هذه الحضارات التي تكونت وبنت وما زالت آثارها لغاية اليوم صامدة، وهذا كله في لا وعينا ترسَّخ بشكل كبير، وعندما أقف على المسرح لا استطيع إلا أن أستحضر كل تلك الأمور، وأشعر بهذه الرهبة والمسؤولية".
وأكدت أن "هذا العمل فكَّرنا به، وحضَّرنا له "من زمان"، لم نرغب بأن نأتي إلى بعلبك ونقدم عملا يمكن تقديمه في أي مكان آخر، أردنا أن يكون العمل قد أعدَّ خصيصًا لبعلبك، لنوجه لها تحية، ولنسلط الضوء مجدّدًا على هذه العظمة والصمود، وللجمال الموجود لدينا في لبنان".
وختمت الفنانة طوجي: "وجودنا هنا اليوم هو رسالة أمل وصمود من خلال الفن والموسيقى والثقافة".
الرحباني
وبدوره قال لنا الفنان أسامة الرحباني: "دون أدنى شك، إن التواجد في بعلبك له ينابيع عتيقة تتفجر بك، نحن تربينا هنا في بعلبك، بالميرا والأسواق نعرفها جيدا، ونعرف كل حجر وكل زاوية فيها، نعرف المسرحيات الغنائية التي حصلت هنا، الكونسرز والكلاسيك والأوبرا التي حصلت هنا، جميعها أعرفها جيدا. وكان لدي اطلاع كامل، أتيت إلى هنا عدة مرات واشتغلت موسيقاي مع منصور الرحباني العظيم بمسرحية "أبو الطيب المتنبي"، وأيضا مع منصور وفيروز سنة 1998 كنت مع فريق العمل، عشت هذه الأجواء كلها، غير أنني عشتها وانا صغير. لهذا السبب تكونت لدي فكرة كبيرة كيف يمكنني أن أعمل شيئا مميزًا هنا، مع أن لجنة مهرجانات بعلبك الدولية بشخص السيدة نايلة دي فريج، كانت دائما تقول لي لماذا لا تأتي نريدك أنت وهبة، وكان جوابي سأشارك حينما أعمل ما أريده، يعني أن يكون الشخص مرتاحًا على وضعه، فأنا تجولت في العالم كله، وهبة اشتغلت في كل مسارح العالم، ما أريد إنجازه هو أن يكون العمل مجنونًا بالكامل".
وأضاف: "عنوان الحفل جنون للآخر، صحيح هو "حقبات" لأننا عندما نأتي ونرى المعبد وهذا الجمال، لا يمكن ان يشبه العمل ما يمكن تقديمه على المسرح أو في أي مكان أثري في العالم. فهذا المكان هو أجمل بقعة في العالم، لذا قررنا أن يكون الجنون للآخر، ودخلنا في هذه الدوامة، وبدأت الأفكار تتلاحق ولا يوجد شك بصعوبة التنفيذ".
وختم الرحباني: "احمل معي الكثير من الأشياء من أهلي، والخبرة والتعاطي بجدية وضمير في كل ما أفعله، وهذا نوع من المجد الذي هم خلقوه في بعلبك فيكون هذا العمل تحية لهم ولمئوية منصور الرحباني، ومنذ سنتين كانت مئوية عاصي، وأكيد لا ننسى أننا فقدنا عظيما من لبنان الفنان الكبير زياد الذي كان رحيله مفاجأة أرخت بثقلها على الجميع، حزن عليه وافتقده الجميع حتى الذين اختلفوا معه فكريا. المهم الآن أن تكمل الحياة، هكذا علمنا أهلنا، نحاول أن نقدم أفضل ما يمكن أن نراه ونحلم فيه... كل حياتنا أينما نذهب نخص المكان بعمل عظيم وكيف إذا كانت بعلبك؟!".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :