خرج مجلس الوزراء من جلسة “حصر السلاح” أمس بأضرار يسعى إلى إبقائها ضمن حدود اعتبارها “طفيفة”، رغم انسحاب وزيري الثنائي الشيعي من الجلسة، وعدم وجود نية لديهما لمقاطعة الجلسات المقبلة. أما القرار الذي اتُّخذ بـ"حصر السلاح" بيد الدولة في موعد أقصاه نهاية العام الجاري، فلا يُعد مكسبًا، ببساطة لأن تنفيذه ليس بالسهولة التي اتُّخذ فيها. كما أن الجو الراهن لا يعكس صورة نموذجية للجلسة التي سُجّل خلالها نقاش غير مألوف، بلغ سقوفًا مرتفعة، بعيدًا عن الحد الأدنى من توفير الامتيازات السيادية، حيث عرض كل طرف وجهة نظره بطريقة "سطحية"، في إطار لا يمكن تصنيفه إلا كمحاولة لنزع سلاح المقاومة، من دون تقديم أي ضمانات تحفظ حق لبنان.
النقاش، وما رافقه، بدا أقرب إلى “رمي المشكلة” بدل السعي إلى حلها. صحيح أن القرار الذي اتُّخذ ويقضي بـ”حصر السلاح” بيد الدولة قبل نهاية العام الجاري شكّل خطوة سياسية اعتُبرت انتصارًا لفريق على آخر، لكنه لم يضع إطارًا واضحًا أو آلية تضمن التنفيذ، كما لم يوضح كيف يمكن استثمار هذه الخطوة في تقوية الدولة، أو كيف تكون مصدر قوة لها في حال تخلّت عن القوة الوحيدة التي تمتلكها.
إقرار القرار بالشكل الذي حصل ومن دون مراعاة التفاهمات التي سبقت الجلسة استفزّ وزيري “الثنائي الشيعي”، تمارا الزين وركان نصر الدين، اللذين قدّم كل منهما مرافعة منطقية جاء في نهايتها مطلب واضح بتأجيل البت في بند "حصر السلاح". وفُهم أنهما طلبا التريّث وعدم اتخاذ أي قرار خلال هذه الجلسة، خشية من أن يُقيّد الحكومة بموقف نهائي. لكن هذا التوجّه لم يُؤخذ به، ودَفعت أطراف أخرى، على رأسها وزراء القوات اللبنانية، باتجاه اتخاذ قرار واضح وفوري بـ”حصر السلاح”، فيما أصرّ بعضهم على تحديد مهلة زمنية وآلية تنفيذية، في تماهٍ كامل مع المطلب الأميركي، ما دفع الوزيرين إلى الانسحاب قبل إقرار البند، بينما اكتفى الوزير الشيعي الـ"ملك" فادي مكي بتسجيل تحفظه على القرار. وتشير المعلومات إلى أن المشاورات الليلية التي سبقت الجلسة، والتي كان هدفها تمريرها بأقل أضرار، لم تتضمّن التفاهم على قرار نهائي، بل كانت تهدف إلى إفساح المجال أمام عقد جلسات متتالية. ويُرجّح أن انقلابًا حصل على التفاهم، ما دفع وزراء “الثنائي” إلى الانسحاب.
وبحسب مصادر وزارية تحدّثت إلى “ليبانون ديبايت”، فإن رئيس الحكومة نواف سلام بدا مندفعًا بقوة لإقرار البند في جلسة الأمس، متنصلًا من أي التزامات سابقة، ولا سيما تلك التي عُقدت مع رئيس الجمهورية جوزيف عون بعلمه. وقد شكّل – إلى جانب وزراء القوات الذين ابتزّوه بتهديدهم بالاعتكاف عن المشاركة في جلسات الحكومة – رأس حربة المواجهة. وقد واجه سلام و"صحبه" مطلب وزراء “الثنائي” بالاستمهال بأن أصرّ على عرض بند "حصر السلاح" وعدم تأجيله، كما طلب الرئيس عون في مستهل الجلسة.
على أي حال، وبعد نقاش مطوّل تخلله تقديم وجهات نظر عدة وأخذ ورد، تقرّر تكليف الجيش اللبناني تشكيل “لجنة عسكرية” تتولى إعداد دراسة شاملة وتفصيلية حول الطريقة المثلى لحصر السلاح بيد الدولة، على أن تُسلَّم الدراسة للحكومة لإقرارها قبل نهاية الشهر الجاري. بعدها، تُدرج الدراسة على جدول أعمال أول جلسة، تمهيدًا لإقرارها رسميًا، على أن يشكّل موعد إقرارها انطلاقة لبدء التنفيذ حتى نهاية العام.
وتفيد المعلومات بأن هذه الفكرة لم تُبحث مسبقًا مع قيادة الجيش، وجاءت كبديل عن الذهاب إلى المجلس الأعلى للدفاع. وتشير مصادر وزارية مطلعة إلى أن الجيش كُلّف بإعداد الدراسة على أن تتضمّن تحديد مهلة زمنية وآلية تنفيذ لتسلّم سلاح المقاومة ومعالجته.
وبالتالي، يمكن القول إن الحكومة اللبنانية ألقت “كرة النار” في حضن المؤسسة العسكرية، التي ستلتزم طبعًا بهذا التكليف، لكنها تنظر إليه بحذر شديد نظرًا إلى حساسيته البالغة. ومصدر القلق الرئيسي يتمثّل في تحميل المؤسسة مسؤولية أي تداعيات مستقبلية. كما أن “حصر السلاح” يفترض ألا يعني حزب الله فقط، بل يشمل أيضًا قوى محلية سبق أن هدّدت بتحريك 15 ألف مقاتل، إلى جانب الفصائل الفلسطينية في المخيمات. والكل يدرك أن الجيش مقبل على ملف بالغ التعقيد، وهو يدرك – كما سائر الأطراف – أن تنفيذ القرار لن يكون سهلًا كما اتُّخذ.
تبقى المسألة الجوهرية: هل تملك الحكومة اللبنانية القدرة على تنفيذ القرار؟ خاصة في ظل توجّه واضح بأن أي قرار لا يحظى بتوافق كامل لن يكون قابلًا للتطبيق. أما المسألة الثانية، التي لم تُناقش خلال الجلسة، فهي مدى السوء الذي قد يرتدّ على الحكومة في حال فشلها في تطبيق ما تصدره من قرارات. فقد غاب عن المجلس دراسة الاحتمالات والسيناريوهات، وسط مؤشرات إلى أن لبنان دُفع نحو “فخ” عملت الولايات المتحدة على نصبه. فإذا اتُّخذ القرار ولم يُنفّذ، قد تستغل واشنطن هذا الإخفاق لتصوير الحكومة على أنها “عاجزة” وتحتاج إلى “مساعدة”، ما يفتح الباب أمام تدويل الموضوع وزيادة حجم ابتزاز الدولة، وفرض عقوبات أو إجراءات عقابية لا يمكن للبنان أن يتحمّلها.
وهذا السيناريو يتقاطع مع ما ألمح إليه المبعوث الأميركي توم براك خلال اجتماعاته في بيروت، حول أن لبنان سيكون مسؤولًا عن عدم تنفيذ التزاماته. كما يعزّزه ما قاله أحد السفراء العرب في مجلس خاص ضم نوابًا قبل أسابيع معدودة، بأن لبنان قد يواجه “ثمنًا اقتصاديًا” في حال رفض تنفيذ الشروط، يشمل عقوبات قد تصل إلى حدّ الحصار.
بالعودة إلى جلسة مجلس الوزراء، تشير معلومات “ليبانون ديبايت” إلى أنه تقرر استكمال بحث البنود المتبقية، وعلى رأسها ما ورد في ورقة المبعوث الأميركي، في جلسة مرتقبة الأسبوع المقبل. وفُهم أن رئيس الحكومة نواف سلام هو الذي يدفع بقوة صوب هذا الخيار.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :