الاشتباكات تعمّق الشروخ في الخريطة السورية: الشرع يفشل في احتواء الميدان

الاشتباكات تعمّق الشروخ في الخريطة السورية: الشرع يفشل في احتواء الميدان
تعكس الاشتباكات الأخيرة بين «قسد» وفصائل مرتبطة بوزارة الدفاع في ريف حلب الشمالي الشرقي، تعثّر محاولات الشرع لفرض سلطة موحّدة وفشله في ضبط الميدان.

 

Telegram

 

 

 

لم تكن الاشتباكات الأخيرة في ريف حلب الشمالي الشرقي بين فصائل من المُفترض أنها تابعة لوزارة الدفاع و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، أمراً مفاجئاً في ظل تعثّر المفاوضات الجارية لدمج «الإدارة الذاتية» التي تقودها «قسد» مع الإدارة السورية الجديدة، جرّاء مشاكل جوهرية تتعلّق بشروط وتوجّهات الطرفين. وفيما تزامنت الاشتباكات مع تصعيد آخر على خطوط التماس بين فصائل تابعة للإدارة السورية الجديدة وفصائل السويداء المحلية، فهي كرّست حالة الشرخ الذي تعانيه الخريطة السورية، على وقع محاولات الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بسط نفوذه على كامل الجغرافيا السورية، والصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في سوريا.

وبينما تبرز تركيا وإسرائيل باعتبارهما القوّتين الأكثر تأثيراً ميدانياً، في الوقت الحالي، على الخريطة السورية، يخلق الصراع الواضح بينهما على النفوذ ساحة ملائمة لتمدّد الصراعات، وعرقلة مستمرة لبعض المحاولات الجارية للحل، الأمر الذي يُنذر بمزيد من التعقيد، إذ في وقت تحاول فيه تركيا جاهدةً إجهاض مشروع «الإدارة الذاتية»، وتدعم بشتى السبل الممكنة توجّهات الشرع لفرض سلطة مركزية على الجغرافيا السورية، ومحاولة سحب ذريعة «محاربة الإرهاب» من الولايات المتحدة، عبر خلق تشكيلات بديلة لـ«قسد» من خلال مبادرة إقليمية انخرط فيها العراق والأردن، لم تنجح أنقرة حتى الآن في بناء هذه التشكيلات بشكل واضح. كما أنها فشلت أيضاً في مدّ نفوذها العسكري نحو الوسط السوري، في وقت تستمر فيه إسرائيل بدعم التوجه نحو إدارة لامركزية في سوريا، من خلال تحصين السويداء، وتحويلها بشكل تدريجي إلى حالة شبيهة بإدارة «قسد» الذاتية.

وفي ظلّ الميل الأميركي والأوروبي الواضح نحو إسرائيل، تبدو توجّهات الإدارة السورية الأخيرة والمفاجئة نحو روسيا، محاولة للعودة بالزمن، عبر ترسيخ الحضور الروسي باعتباره قوة دولية وازنة في الملف السوري، إلى جانب ميل موسكو نحو أنقرة، الأمر الذي يبدو أن الأخيرة تأمل منه أن يدعم موقفها ويعمل على تحريك الجمود في خريطة السيطرة، لما تتمتّع به موسكو من علاقة طيبة مع تل أبيب، وعلاقات متينة مع أنقرة أيضاً.

 

قد تتحوّل الاحتكاكات في كل من الشمال الشرقي والجنوب إلى ساحات لمعارك عنيفة لإجراء تغيير إجباري في خريطة السيطرة

 

 

وبينما لم تظهر، حتى الآن، آثار توجّهات الشرع نحو روسيا، على العلاقات الأميركية والأوروبية مع إدارته، تبقى الاحتمالات مفتوحة على مصراعَيها أمام تقلّبات سياسية عديدة مقبلة، أبرزها التلويح المستجدّ بسلاح العقوبات، بالإضافة إلى آثار سياسة الشرع، والمجازر التي شهدها الساحل والسويداء، وما خلقته من تغيّر واضح في المزاج الغربي نحو سوريا، خصوصاً بعد أن طاولت الجرائم سوريين عادوا من أوروبا أخيراً، الأمر الذي يعني بالنسبة إلى أوروبا إغلاقاً للباب الذي تحاول فتحه للتخلّص من عبء اللاجئين، فضلاً عن اصطدام ألمانيا وفرنسا بحقيقة عدم خسارة روسيا ثقلها الاستراتيجي في سوريا، مع سقوط نظام الرئيس السابق، بشار الأسد، كما كانتا تأملان.

على أنّ هذه التطورات دفعت إلى التركيز، على نحو كبير، على السياسة التي تنتهجها إدارة الشرع، ومدى نجاحها في تحمّل المسؤوليات المنوطة بها، والتي يُعتبر تحقيق «السلم الأهلي» عمودها الفقري، الأمر الذي أثبتت الأحداث الدموية التي عاشتها البلاد، والجرائم المستمرة، واستمرار الحالة الفصائلية، وعدم وجود هيكلية واضحة للجيش ولقوى الأمن، فشلها فيها، ما قد يشكّل مرتكزاً واضحاً لتغييرات متوقّعة في التعاطي مع هذه الإدارة.

وفيما كانت الولايات المتحدة، تأمل من خلال مبعوثها الخاص إلى سوريا، وسفيرها في أنقرة، توماس برّاك، الاستفادة من علاقة الأخير القوية مع تركيا والسعودية، من أجل خلق توازن سعودي – تركي في سوريا، اصطدمت تلك المساعي بالموقف الإسرائيلي التصعيدي نحو سوريا، على رغم حرص واشنطن على مصالح تل أبيب ووضعها على رأس أولوياتها في الملف السوري، الأمر الذي يفسّر المراوحة الحالية بالنسبة إلى واشنطن التي أوفدت أول من أمس، نيكولاس غرانجر، الذي يشغل منصب مدير منصة سوريا الإقليمية، على رأس وفد لإجراء مباحثات مع مسؤولين في الإدارة السورية الجديدة.

ويكشف اختيار غرانجر، الذي شغل قبل عامين منصب المبعوث الأميركي الخاص إلى «الإدارة الذاتية» التابعة لـ «قسد» عن مناورة جديدة تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين هذه الإدارة و«قسد»، أملاً بحل معضلة الشمال الشرقي، أو على الأقلّ نزع بعض الألغام من طريق التقارب بين الإدارتين. ويأتي ذلك بالتوازي مع خط آخر أميركي - فرنسي، يهدف أيضاً إلى نزع ما يمكن نزعه من الألغام في طريق إيجاد تسوية ما لملف السويداء، يفسح المجال أمام واشنطن لاستكمال خطتها التي تهدف في المحصّلة إلى التطبيع بين سوريا وإسرائيل.

وأمام هذه التعقيدات المتزايدة، والتي تشكّل ضغوطاً متراكمة على الإدارة السورية الجديدة، والتي لم تحصل حتّى الآن على اعتراف دولي واضح، يبدو أن رهان هذه الإدارة على قدرتها على إدارة ملف الفصائل، وضبط الفصائل المتشدّدة، دخل مرحلة حاسمة. ويعني ذلك أنه في حال استمرار الأوضاع الحالية واستمرار الهشاشة الأمنية غير المسبوقة، قد تتحوّل الاحتكاكات في كل من الشمال الشرقي والجنوب إلى ساحات لمعارك عنيفة لإجراء تغيير إجباري في خريطة السيطرة، وهو ما يبدو أن جميع الأطراف، بما فيها تركيا المتحمّسة للقضاء على «الإدارة الذاتية»، تحاول تجنّبه عبر محاولة تحصين المسارات السياسية، والتي تبدو هشّة للغاية.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram