“طيران البحر المتوسّط” اليونانية: حكاية شركة تحلّق إلى دمشق بالتعاون مع متّهمين بالتورط في تجارة السلاح والمهاجرين
بعد ظهر يوم الاثنين في 30 حزيران/ يونيو 2025، هبطت طائرة تابعة لشركة “طيران المتوسّط” اليونانية في مطار دمشق الدولي، وكانت هذه أوّل رحلة ركّاب من أثينا إلى العاصمة السورية منذ سقوط نظام بشّار الأسد. وقد استقبل وفد ضمّ، بحسب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، السفير اليوناني السيد إيمانويل كاكافيلاكيس، وممثّلي هيئة الطيران المدني السوري، ورجلاً مجهول الهوّية يرتدي ملابس بيضاء، قيل إنه رئيس شركة لبنانية اسمها “أرخوس“.
وفي وقت لاحق، وخلال احتفاليّة في دمشق لإطلاق خطوط شركة “طيران المتوسّط” الجديدة من فيينا وكولونيا وبرلين إلى دمشق عبر أثينا، صرّح الرجل نفسه، مرتدياً بدلة سوداء، قائلاً: “في حين واجهت شركات الطيران الكبرى عقبات في جدولة الرحلات إلى سوريا، فقد تمكّنا، كشركة طيران خاصّة من اليونان، من التغلّب عليها”.
الرجل المجهول الهوّية الذي تحدّث كما لو كان ممثلاً لشركة الطيران اليونانية، يدعى محمّد مجد ديري، وله صفة أخرى غير رجل أعمال: فهو مطلوب من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بتهمة الإتجار غير المشروع بالأسلحة وغسل الأموال منذ العام 2021.
اسمه مدرج في قائمة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، التي تفيد بأن ديري، إلى جانب شريكه اللبناني سامر ريّا وشركتهما “بلاك شيلد”، وباستخدام شركات وهمية في قبرص (S. Group Airlines Ltd، Centuronic Ltd) وتركيا، قاما منذ العام 2015 على الأقلّ “بالتوسّط في صفقات أسلحة وتقديم خدمات النقل الجوّي في الشرق الأوسط وأفريقيا”.
وأضافت مذكّرة “أوفاك” أن الشريكين “حافظا على علاقات مع أفراد يُزعم ارتباطهم بالحكومة السورية وتورّطوا في أنشطة تجارية نيابة عن النظام الإيراني”.
تُظهر بيانات السجلّ التجاري السوري، أن ديري يدير نشاطاً تجارياً باسمه في دمشق منذ العام 1986، يشمل “الإتجار، والاستيراد، والتصدير لجميع الموادّ المسموح بها من الدولة”، ومن غير المعروف كيف تمكن الديري من العمل مع الحكومة السورية الجديدة، على الرغم من أنه مطلوب لمكتب المباحث الفيدرالية في أمريكا.
على الضفّة الأخرى من المتوسّط، وفي عام 2018 وصل الديري إلى اليونان، مُعلناً عن إقامته الدائمة، بعنوان مشابه لعنوان “مديرية الأجانب والهجرة في القطاع الجنوبي”. أُلقي القبض على شريكه الرئيسي ريّا، في مطار “إليفثيريوس فينيزيلوس” في أثينا في عام 2022. ووفقاً لتقرير حديث صادر عن iMEdD، ظلّ ريّا رهن الاحتجاز في أثينا لمدّة 16 يوماً، ثم أُفرج عنه بكفالة بشرط عدم مغادرة البلاد في انتظار المحاكمة، إلا أن ريّا لم يمثل أمام المحكمة في شباط/ فبراير 2023.
لماذا يتحدّث تاجر أسلحة سوري، صدرت بحقّه مذكّرة توقيف دولية نافذة، وشريكه هارب، نيابةً عن شركة طيران يونانية في سوريا؟ ماذا نعرف عن شركة طيران المتوسّط، التي كانت تُسيّر رحلات جوّية إلى دمشق في عام 2023 في عهد بشّار الأسد، في حين لم تفعل أي شركة طيران أوروبية أخرى الشيء نفسه؟
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي الذي أُنجز بالتعاون بين معهد البحر المتوسّط للصحافة الاستقصائية (MIIR)، والوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج (سوريا)، ومجلة إسبرسو (إيطاليا)، وفوكس أوروبا (فرنسا)، وموقع درج (لبنان) عن خيوط قضيّة قد تُشبه سيناريو فيلم بوليسي، لكنّها ليست كذلك.
إنها سلسلة من الأحداث التي تُحمّل السلطات اليونانية والأوروبية المسؤوليّة، وتتكشّف في اليونان، وقبرص، وسوريا، وليبيا، وإيطاليا، ولبنان، ودبي.
تشمل القضيّة عائلة رجل أعمال لبناني معروف لدى النخبة السياسية اليونانية منذ عهد أندرياس باباندريو، رئيس الوزراء الاشتراكي لفترتين (1981-1989 و1993-1996) و”حرباً أهلية” بين الشركات، ومزاعم سوء إدارة ومخالفات مالية، ومعاملات عبر قبرص، ورجلاً مطلوباً بتهمة الإتجار بالأسلحة، وزعيم عصابة مخدّرات مُدان بالارتباط بالإتجار غير المشروع بالمهاجرين من وإلى ليبيا.
كما يكشف هذا التحقيق العابر للحدود أن “نشرة حمراء” من الإنتربول صدرت بحقّ اثنين من الأفراد الذين يمثّلون محور هذه القصّة، ولم تردّ الشرطة والسلطات القضائية اليونانية عليها بعد.
من الإقلاع إلى الاضطرابات الجوّية
تأسّست شركة طيران المتوسّط (الخطوط الجوّية المتوسّطية ش.م.) في الأول من أيلول/ سبتمبر 2015، على يد ثلاثة أفراد: حمد علي آل ثاني، أحد مؤسّسي الخطوط الجوّية القطرية ورئيس مجلس إدارة شركة “بلو إير ليسينغ” – Blue Air Leasing ومقرّها الإمارات العربية المتّحدة، من جهة، وفادي إلياس حلّاق وأندرياس حلّاق، وهما من أصل يوناني لبناني.
الشقيقان أبناء رجل الأعمال اللبناني القوي والمؤثّر جورج حلاق (أو شلق) المعروف بصداقته الحميمة مع رئيس الوزراء اليوناني السابق وزعيم حزب “باسوك” أندرياس باباندريو، وعلاقاته الوثيقة بالنخبة السياسية اليونانية، وقادة بارزين في الشرق الأوسط، مثل الفلسطيني ياسر عرفات والسوري حافظ الأسد.
تشير تقارير سابقة (صحيفة وول ستريت جورنال، 1993) إلى أن حلّاق هو من حرّض على مخطّط جنى أموالاً لـ”منظّمة التحرير الفلسطينية” من خلال شراء شركات طيران، ومتاجر معفاة من الرسوم الجمركية في عدّة دول، وهي خطوة ربما سهّلت تهريب جميع أنواع السلع غير المشروعة.
لا يظهر اسم جورج حلّاق، البالغ من العمر 85 عاماً اليوم، في وثائق الشركة، بينما يبدو أن زوجته ندى تشغل منصب الرئيس. أُضيف المدير المسؤول الحالي الطيّار السابق ماريوس سامبراكوس، إلى مجلس الإدارة في عام 2021. ومع ذلك، تُدار الشركة وتُمارس أعمالها من خلال شبكة من الشركات القبرصية.
مجلس الإدارة والمساهمون في شركة طيران المتوسّط. Image: MIIR, Konstantina Maltepioti
بين العامين 2018 و 2021، ضمّ مجلس إدارة شركة “طيران المتوسّط” شخصين مرتبطين ببنك “ليبانك” للاستثمار (Libank) اللبناني، الذي استثمر أموالاً في الشركة. إلا أن البنك نفسه يُزعم اليوم أنه يتّهم شركة “طيران المتوسّط”، وتحديداً أندرياس وجورج حلّاق، بالاحتيال واختلاس مبلغ 6.61 ملايين يورو.
ونتيجة لذلك، صدرت “نشرة حمراء” من الإنتربول في 17 نيسان/ أبريل 2024، بناء على طلب السلطات اللبنانية، وهي طلب لأجهزة إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم لتحديد مكان شخص، واعتقاله مؤقتاً، في انتظار تسليمه أو ترحيله، أو اتّخاذ إجراء قانوني مماثل.
نشاط الأخوين حلّاق في قبرص
ولا يُشير أمر التوقيف المؤقت ذي الصلة إلى الأخ الثاني فادي حلّاق، الذي يبدو أنه في صراع مفتوح مع عائلته منذ العام 2022، وفقاً لتقارير إعلامية ومعلومات أخرى اطّلعت عليها MIIR. ومع ذلك، ووفقاً لنشرة الإنتربول، قد تصل عقوبة التهم إلى السجن ثلاث سنوات كحدّ أقصى. وحتى الآن، لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت السلطات اليونانية قد استجابت بأي شكل من الأشكال لطلب التوقيف المؤقت وتسليم عائلة حلّاق إلى لبنان.
تواصل فريق التحقيق مع الشرطة اليونانية، لكن لم يتلقَّ رداً حتى الآن.
صورة عن النشرة الحمراء من الإنتربول الدولي بحقّ جورج وأندرو حلّاق. حصري
ولكن كيف بدأ كلّ شيء؟ منذ إنشائها، وعدت شركة حلّاق بتقديم خدمات ركّاب وشحن راقية من أوروبا إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، قامت شركة “طيران البحر المتوسّط” بتشغيل أوّل رحلة ركّاب لها، واحتفلت بها بحدث متألّق قبل بضعة أيّام مع مجموعة من الضيوف: من رئيس الأساقفة إيرونيموس ونيكوس باباندريو، إلى النائب السابق باناجيوتيس كورومبليس ومشاهير مشهورين. وعلى الرغم من الدعاية الأوّلية، ظلّ نشاط شركة الطيران محدوداً حتى العام 2019، مع التركيز على رحلات الطيران العارض والطرق إلى لارنكا وستوكهولم ولندن (ستانستيد) وبغداد والدار البيضاء والخرطوم وجدّة.
في 2020، في خضم وباء كورونا، تمّ تقليص الرحلات الجوّية، ولكن فُتحت فرص أخرى، مثل برنامج العودة الطوعية المدعومة (AVRR) التابع للمنظّمة الدولية للهجرة (IOM)، الذي يشارك في تمويله الاتّحاد الأوروبي والصناديق الوطنية. في 6 آب/ أغسطس 2020، نفّذت شركة الطيران رحلةً مستأجرةً لإعادة 134 مهاجراً عراقياً طوعياً إلى العراق، برعاية وزارة الهجرة. وأكّد متحدّث باسم المنظّمة الدولية للهجرة أن المنظّمة الدولية نسّقت العمليّة وعمليّة المناقصة التنافسية، التي فازت بها شركة “طيران المتوسّط”.
وأضاف أن “هذه الرحلة هي الرحلة الوحيدة لبرنامج العودة الطوعية التي نُفّذت مع تلك الشركة”، وفي عام 2024، نفّذت الشركة ثماني رحلات عودة طوعية مماثلة من إيطاليا إلى تونس، بالاتّفاق مع وزارة الداخلية الإيطالية.
“صعود” تاجر مخدّرات مطلوب
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، سافر جورج حلّاق برفقة ماريوس سامبراكوس إلى سوريا، حيث التقى وزير الخارجية والمغتربين آنذاك فيصل المقداد، على الرغم من إدراجه على قائمة عقوبات الاتّحاد الأوروبي بصفته عضواً في حكومة الأسد منذ كانون الثاني/ يناير 2021. تُعدّ هذه واحدة من رحلات حلّاق العديدة إلى المنطقة، ليس بصفته رجل أعمال لبنانياً، إنما بصفته مبعوثاً دبلوماسياً لرئيس غيانا، بل أيضاً وزير جنوب أوروبا والشرق الأوسط في هذه الدولة، التي تُعتبر ملاذاً ضريبياً في أميركا اللاتينية. بالإضافة إلى علاقاته مع غيانا، حافظ جورج حلّاق حتى العام 2023 على علاقات مع بنما، حيث أسّس شركة خارجية مجهولة الهوّية تُسمّى “فانغ”، تيمّناً بشركة الاستثمار العقاري التي يملكها منذ العام 2003 في اليونان.
pasted-image.png
وصف الصورة: الرحلة رقم MV670 المتّجهة إلى دمشق على شاشات المغادرة في مطار أثينا الدولي – المصدر: بشّار ديب
في ذلك الوقت تقريباً بعد رحلة دمشق، بدأت شركة “طيران المتوسّط” النظر في تشغيل رحلات إلى سوريا، في وقت لم تكن شركات الطيران الأوروبية الأخرى تفعل ذلك، بسبب الحرب والعقوبات القائمة.
في أيلول/ سبتمبر 2022، استقرّ السوري إيّاد أسليم، وهو رجل يُقال إنه على علاقة جيّدة بدائرة الأسد الأوسع في أثينا، وبدأ العمل في الشركة كمدير تجاري.
ويلعب إيّاد أسليم أيضاً دوراً آخر، فهو الممثّل المفوّض لوكالة “فري بيرد للسفر” أي (الطير الحرّ للسياحة) التي ستكون لمدّة عام كامل الوكالة الوحيدة التي تُصدر تذاكر لشركة “طيران المتوسّط” في سوريا، كما هو موضّح في العقد (عقد الوكالة العامّة لبيع خدمات نقل الركّاب والبضائع) الموقّع بين الشركتين في أثينا بتاريخ 28 أيلول/ سبتمبر 2022.
سارت الأمور على ما يرام، وقامت شركة الطيران اليونانية في 9 آذار/مارس 2023 بتشغيل أوّل رحلة ركّاب من شركة طيران أوروبية إلى دمشق منذ العام 2012.
في هذه المرحلة، طُرحت تساؤلات جدّية حول رقابة السلطات اليونانية والأوروبية، التي سمحت بتأسيس هذه الشراكة وخطّ الطيران هذا، وكذلك حول مسؤوليّات شركة النقل نفسها، وتتمثّل الأسباب الرئيسية في ما يلي:
شركة “فري بيرد” بالإضافة إلى كونها وكالة تعمل مع شركة “طيران المتوسّط”، هي وكالة تعمل لشركة “أجنحة الشام للطيران” أو (Cham Wings Airlines). هذه الشركة السورية سيّئة السمعة التي كانت تُسيّر رحلات بين سوريا وليبيا، كانت متورّطة في الإتجار غير المشروع بالمرتزقة والمهاجرين والمخدّرات، وهي مدرجة على قائمة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC).
وقد أثبتت تقارير استقصائية سابقة صادرة عن “مراسلون متّحدون” و”سراج” و”لايتهاوس ريبورتس” و”دير شبيغل” و”إل بايس”، أن العديد من المهاجرين الـ 750 الذين عُثر عليهم لاحقاً على متن قارب الصيد “أدريانا”، الذي غرق قبالة ساحل بيلوس في 14 حزيران/ يونيو 2023، في أخطر حادث غرق سفينة في البحر الأبيض المتوسّط، نُقلوا من دمشق إلى بنغازي عبر “أجنحة الشام”. تضمّنت عمليّة النقل تقديم وثائق سفر مزوّرة لركّاب زُعم أنهم دفعوا 4500 دولار أميركي مقابل الرحلة المشؤومة.
تنتمي شركة “فري بيرد” إلى “مجموعة الدجّ” التجارية التي أسّسها ويديرها رجل الأعمال السوري الليبي محمود الدجّ، أحد أقوى رجال الأعمال السوريين في قطاعي الخدمات اللوجستية والسياحة، وله علاقات وثيقة بنظام الأسد السابق، حيث قدّم له خدمات داعمة. من خلال “مجموعة الدجّ”، تمّ تسهيل معاملات غير قانونية مثل نقل الأسلحة والمرتزقة والمخدّرات بين شرق ليبيا التابع للجنرال حفتر وسوريا.
يقف محمود الدجّ وشركته “الطير” وراء تنسيق عمليّات نقل شحنات مخدّرات الكبتاغون غير القانونية إلى ليبيا، وتشمل هذه الشحنات شحنة كبتاغون وحشيش تزيد قيمتها على 100 مليون دولار من السفينة “نوكا” التي اعترضتها السلطات اليونانية قبالة سواحل جزيرة كريت في 5/ 12/ 2018، بعد أن بدأت رحلتها نحو بنغازي من ميناء اللاذقية في سوريا.
وقد تمّ تقديم أدلّة على نشاط الدجّ غير القانوني في وقت مبكر من العام 2021، من خلال التحقيقات التي أجراها OCCRP و The New Arab و Der Spiegel، وحُكم على الدجّ غيابياً بالإعدام رمياً بالرصاص في عام 2019 من قِبل محكمة بنغازي بسبب أفعاله.
في العام 2024، كانت شركة تابعة للدجّ اسمها “الأيادي الذهبية” أيضاً وراء نقل 2000 عامل سوري إلى ليبيا، حيث تمّ استدعاؤهم للعمل في ظروف مروّعة تشبه معسكرات الاعتقال العمّالية، كما تمكّن الصحافيون السوريون من الكشف عنها.
بدءاً من العام 2024، أُدرج محمود الدجّ و”مجموعة الدجّ”، و”فري بيرد” وشركة “الطير”، على قائمة عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) والاتّحاد الأوروبي.
في 1 تمّوز/ يوليو 2025، أصبح على قائمة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، فيما بات يعرف بإجراءات “تعزيز محاسبة الأسد” (PAARSS).
لاحقاً وقّع محمود الدجّ وأندرياس حلّاق عقداً بين شركتي “فري بيرد” و”إير ميديتيرينيان” لرحلات أثينا- دمشق.
وعلى الرغم من أن تفاصيل النشاط الإجرامي للدجّ معروفة لدى السلطات اليونانية، ففي 24 أيّار/ مايو 2023، تأسّست شركة “فري بيرد هيلاس إس إيه” (Free Bird Hellas SA) في أثينا. وكما ورد في سجلّ الأعمال اليوناني، فإن مؤسّسيها هما إيّاد أسليم ومحمود الدجّ، المُعلن عنه كـ”رجل أعمال سوري الجنسية”، والمسجّل برقم ضريبة القيمة المضافة VAT اليوناني، وعنوان إقامته في غليفادا، إحدى ضواحي أثينا، وستظلّ الشركة، التي تُوصف بأنها وكالة سفر، تعمل حتى نيسان/ أبريل 2024.
لكن كيف تمكّن تاجر مخدّرات مطلوب من الحصول على رقم ضريبة القيمة المضافة الشخصي، ومكتب مسجّل لشركته في اليونان دون أي إجراء من السلطات المختصّة؟
استمرّت رحلات “طيران المتوسّط” من وإلى دمشق أسبوعياً من آذار/ مارس حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما بدأت الأعمال العدائية في غزّة. كما أفاد منشور على “فيسبوك” من شركة Freebird بتوسيع شبكة خطوطها لتشمل مدناً أوروبية، مُشيراً إلى أنها بصفتها “وكيلاً لشركة الخطوط الجوّية اليونانية المتوسّطية، ستُسيّر رحلات من أوروبا إلى دمشق وبالعكس عبر أثينا، بدءاً من 14 /5 /2023”.
في سوريا، صدرت التذاكر عبر صفحة Freebird، ولكن، وفقاً لمصادر في البلاد، يُزعم أنه من خلال هذه الوكالة، يُمكن للأطراف المهتمّة أيضاً الحصول على وثائق سفر مزوّرة.
لم تردّ “مجموعة الدجّ” بدورها على أسئلة فريق التحقيق حول العلاقة مع “طيران المتوسّط”.
ومنذ 2 حزيران/ يونيو الماضي، طلب الصحافيون مراراً بيانات من الشرطة اليونانية حول اعتقالات مواطنين أجانب يحملون تأشيرات مزوّرة في مطار أثينا، قادمين على متن رحلات جوّية من سوريا وليبيا في عام 2023، ومعلومات عن المسارات وشركات الطيران المعنيّة، ومع ذلك، لم نتلقَّ رداً بعد.
رحلات “طيران المتوسّط” من سوريا وليبيا إلى أوروبا خلال التعاون مع “فري بيرد” Image: MIIR, Konstantina Maltepioti
وفقاً للبيانات التي جُمعت من Flightradar24، شغّلت شركة الطيران 18 رحلة بين دمشق وبنغازي من أيّار/ مايو إلى تمّوز/ يوليو 2023، و52 رحلة من بنغازي إلى أثينا (وليس العكس) بين كانون الأوّل/ ديسمبر 2022 وتمّوز/ يوليو 2023.
لا يزال من غير الواضح تحديداً هوّية الركّاب الذين خدمتهم الشركة، وكيف يُمكن للشركة ضمان عدم نقلها “أفراداً تعاونوا مع النظام السوري أو مدرجين على قائمة العقوبات الأميركية”، كما أكّد مدير العمليّات ماريوس سامبراكوس، نظراً لحاجتها إلى إذن حكومة الأسد للعمل في سوريا. كما لا يزال من غير المعروف ما هي الضمانات المُقدّمة لسلامة الرحلات الجوّية في المجالين الجوّيين السوري والليبي.
وللحصول على إجابات عن جميع ما سبق، ولعلاقة الشركة بالشريك الجديد في سوريا، محمّد مجد ديري، المدرج على قائمة “أكثر المطلوبين” لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وجّهنا أسئلة إلى وزارة الخارجية والشرطة اليونانية، ولم نتلقَّ أي ردّ.
فيما أكّدت وكالة “سلامة الطيران” التابعة للاتّحاد الأوروبي (EASA) في ردّ لفريق التحقيق إجراء عمليّات تدقيق على شركة الطيران في عام 2024، بينما لم نتلقَّ ردّاً من المديرية المختصّة في المفوّضية الأوروبية.
في اليونان، أكّدت هيئة الطيران المدني أن شركة “طيران المتوسّط” قدّمت الوثائق اللازمة للحصول على ترخيص تشغيل الرحلات الجوّية، مضيفةً أنها غير مسؤولة عن فحص الركّاب أو البضائع الداخلة إلى البلاد أو العابرة لها.
في ردّ مُفصَّل على MIIR، يزعم بنك Libank في لبنان، الذي لا يزال مساهماً في شركة GMT Aviation في قبرص (أحد مساهمي Air Mediterranean)، أنه “بسبب استبعاد GMT وLIBANK بالكامل من Air Mediterranean، لم نكن مشاركين أو على دراية بأي من أنشطتها، باستثناء تلك التي أصبحت متاحة في مصادر الأخبار العامّة. ونظراً لذلك، فإننا لا نعلم على الإطلاق تعاون Air Mediterranean مع Freebird وArkhos OFFSHORE Sal والسيد ديري.
وكذلك الرحلات الجوّية التي تم ّتشغيلها بين أثينا ودمشق في آذار/ مارس 2023″.
في ما يتعلّق بنزاعها مع أندرو وجورج حلّاق، تؤكّد شركة “ليبانكّ أنها لاحقت الرجلين، بالإضافة إلى ندى حلاق بـ”تهم الاحتيال المنظّم الجنائي في محاكم بيروت. وقد نجحت ليبانك في الحصول على لائحة اتّهام من المدّعي العامّ، بالإضافة إلى مذكّرة توقيف دولية بحقّ السيد جورج حلّاق والسيد أندرياس حلّاق”.
بدورها لم تُقدّم شركة “طيران المتوسّط” أي ردّ على أسئلتنا.
طيران فوق إيطاليا
في عام 2023، وقّعت شركة “طيران المتوسّط” اتّفاقية مع شركة F.A. Srl الشركة المالكة لمطار فورلي، وهو مطار صغير مملوك للقطاع الخاصّ يقع بالقرب من ساحل البحر الأدرياتيكي في شمال إيطاليا. افتُتح مطار فورلي في عام 2019 بمبادرة من رجال أعمال محلّيين، وخلال السنوات الأربعة الأولى من تشغيله (2029-2022) تكبّد خسائر تراكمية بلغت 12.4 مليون يورو، وكان يكافح للوصول إلى الحدّ الأدنى من عدد المسافرين سنوياً للاحتفاظ برخصته من هيئة الطيران المدني الإيطالية (ENAC).
في آذار/ مارس 2024، وبعد أشهر قليلة من توقّف عمليّات شركة “طيران المتوسّط” بين سوريا واليونان، استُقبل أندرياس حلّاق بحفاوة بالغة في فورلي لتوقيع عقد لمدّة عام واحد، يتضمّن 1800 ساعة طيران، بقيمة 6.3 مليون يورو، يغطّي رحلات إلى 12 وجهة سياحية في اليونان وجنوب إيطاليا وألبانيا، عبر شركة الطيران الافتراضية للمطار GoToFly.
وفي حين أكّد مصدر مجهول أن إدارة المطار كانت على دراية تامّة بـ”منهج” شركة “طيران المتوسّط” قبل إبرام الصفقة، نفى ريكاردو بريجنولاتو المدير المسؤول عن المطار منذ كانون الثاني/ يناير 2025، أي علم مسبق، محمّلاً المسؤوليّة كاملة لسلطات أمن الطيران المعنيّة (الهيئة الإيطالية للطيران المدني ENAC، والهيئة الأوروبية لسلامة الطيران EASA).
أكّدت لنا أحدث التقارير أنها أجرت عمليّات تفتيش في عامي 2024 و2023 لكلّ من السلطات الوطنية وشركة “طيران المتوسّط”، ولكن لا يمكن مشاركتنا نتائجها وقت النشر.
بين نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو 2024، ومن قاعدتها التشغيلية في فورلي، قامت طائرات شركة “طيران المتوسّط” برحلات إعادة المهاجرين إلى أوطانهم، وهذه المرّة نيابة عن وزارة الداخلية الإيطالية: تم إجراء نحو 8 رحلات ذهاباً وإيّاباً من إيطاليا (من باليرمو والعودة إلى روما) إلى طبرقة (غرب تونس) من آذار/ مارس إلى حزيران، يونيو 2024. ووفقاً لخبير في هذا المجال لم يكشف عن هوّيته، تكسب شركة الطيران نحو 60,000 يورو عن كلّ رحلة من هذه الرحلات كرسوم استئجار طائرات.
منذ تمّوز/ يوليو 2025، تواصل شركة “طيران المتوسّط” العمل من فورلي مع عدّة وجهات في اليونان وإيطاليا لصيف 2025. ووفقاً لبريجنولاتو، لم تُثر الجهات التنظيمية الإيطالية أو الأوروبية أي مخاوف بشأن وجود الشركة في فورلي.
حلّاق ضدّ عائلة حلّاق
من المسؤول النهائي عن هذه القرارات التجارية؟ وماذا تفعل السلطات اليونانية من جانبها؟
وثيقة تُلقي الضوء على ما سبق، وهي بمثابة رسالة يُزعم أنها صيغت وأُرسلت في شباط/ فبراير2024 من قِبل فادي إلياس حلّاق، المساهم في شركة “طيران المتوسّط” وعضو مجلس إدارتها حتى وقت قريب، إلى شركة المحاماة “نوبل ترست”، التي تُمثّل المساهم الرئيسي في الشركة، وهي شركة “بانتريلالو للتجارة المحدودة” القبرصية.
في الرسالة التي اطلع عليها MIIR، يُشير فادي حلّاق إلى إجراءات أحادية الجانب اتّخذها مجلس إدارة شركة “طيران المتوسّط” ضدّه، والتي يعتقد أنها أضرّت به مالياً، وإلى إدارة لا تسمح له بالاطّلاع على سجلّات الشركة. كما يتّهم شقيقه ووالده وشركاءهما الرئيسيين، من بين آخرين، بـ”تزوير الدفاتر والسجلّات المالية والتشغيلية لشركة طيران المتوسّط طوال عمليّات الطيران منذ العام 2017″، ويزعم أن “بيانات البضائع الخطرة مُحرّفة وأن البيانات الحقيقية مخفيّة عن جميع السلطات”، ويستنكر “الانتهاكات الجسيمة للواجبات المالية والائتمانية والسلامة والأمن والتشغيل”.
كما تذكر الرسالة أن “محمود الدجّ زار جورج وأندرياس بانتظام في مكاتب شركة طيران المتوسّط، وزار منزل جورج وندى حلّاق عدّة مرّات”، كما يزعم أن جورج حلّاق “يواصل استخدام علاقاته للرشوة واستخدام أساليب الترهيب المستمرّة”، ويعرب عن خوفه على حياته وحياة عائلته.
لم يُقدّم أندرياس وجورج حلّاق أي ردّ على أسئلة الصحافيين.
اتصلنا بفادي حلّاق شخصياً، الذي أكّد وجود الرسالة وأبلغنا أنه اتّخذ إجراءات قضائية وخارج نطاق القضاء ضدّ الشركة، التي لا يزال مساهماً فيها، وقال: “في جهودي منذ كانون الثاني/ يناير 2022، من خلال المؤسّسات القضائية والسلطات المستقلّة في اليونان وقبرص، لكشف الحقيقة حول طريقة عمل شركة طيران المتوسّط، لم أواجه حتى الآن سوى طرق مسدودة لا يمكن تفسيرها. آمل الآن أن يتمّ الكشف عن الأعمال غير القانونية والمسؤولين عن تصرفات شركة الطيران هذه، وأن يتمّ حشد قادة القضاء للقيام بواجبهم غير الواضح تماماً”.
ووفقاً للمحامين المشاركين في القضيّة، فقد تلقّى نائب المدّعي العامّ الاستئنافي المعلومات والادّعاءات التي قدّمها فادي حلّاق في رسالته، والذي كان ينظر في إحالتها إلى هيئة مكافحة غسل الأموال. في الوقت نفسه، فإن مكتب المدّعي العامّ في أثينا لديه الرسالة أيضاً، بعد دعوى قضائية من قِبل هيئة عامّة، ويجب عليه متابعة التحقّق من ادّعاءات فادي حلّاق. لم تتوفّر أي تطوّرات معروفة في القضيّة قبل النشر.
تمّ تعليق رحلات “طيران المتوسّط” إلى سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قبل وقت قصير من دخول عقوبات الاتّحاد الأوروبي على الدجّ وشركاته حيّز التنفيذ في 22 كانون الثاني/ يناير 2024. استؤنفت الرحلات إلى دمشق قبل شهر، وهي مستمرّة حالياً من خلال وكالة أخرى، وهي “ألميرا للسفر والسياحة”.
يظهر ديري، مهرّب الأسلحة الهارب من مكتب التحقيقات الفيدرالي، علناً في دمشق في ظلّ البيئة السياسية والاجتماعية الجديدة التي تتشكّل في البلاد.
لم تردّ شركة “آرخوس” التي يرأسها ديري على الأسئلة التي وُجّهت إليها حول العلاقة مع شركة “طيران المتوسّط”.
فيما لا تزال سوريا تمرّ بمرحلة انتقالية، واستقرار هشّ، لم تنفّذ “النشرة الحمراء” من الإنتربول الصادرة بحقّ جورج وأندرو حلّاق.
ولا يزال من غير الواضح ما تفعله السلطات اليونانية والأوروبية لضمان ابتعاد شركة الطيران اليونانية وشركائها، بالإضافة إلى شركات الطيران الأخرى، عن الأنشطة غير القانونية، وضمان سلامة الركّاب.
أما محمود الدجّ، المدان، فلا يُعرف الكثير عن أنشطته بعد سقوط نظام الأسد، باستثناء منشور واحد على “فيسبوك” بتاريخ 31 كانون الأوّل/ ديسمبر 2024، يتباهى فيه بوصول أوّل سفينة إلى ميناء اللاذقية محمّلة بالسيّارات والحافلات.
وكتب: “إنجاز جديد يجسّد رؤيتنا وطموحنا… للعام 2025″، في إشارة إلى نيته مواصلة العمل في سوريا. سرعان ما حذف المنشور لاحقاً، ولا يزال مكانه مجهولاً.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي