غرفة ثانية في الهيئة المصرفية العليا بصلاحيات واسعة: ممنوع محاسبة المصارف؟

غرفة ثانية في الهيئة المصرفية العليا بصلاحيات واسعة: ممنوع محاسبة المصارف؟

 

Telegram

 

طبقاً للتعليمات الصادرة عن صندوق النقد الدولي والتعهّدات التي قطعها المسؤولون اللبنانيون بإقرار قانون معالجة أوضاع المصارف قبل نهاية تموز، فإنّ الهيئة العامة لمجلس النواب ستعقد جلسة يوم الخميس المقبل لمناقشة وإقرار القانون المُحال إليها من لجنة المال والموازنة بعد درس ونقاش لأشهر في لجنة فرعية. القانون ليس سوى نسخة رديئة من نسخ عُرضت سابقاً في مجلس الوزراء وهو يركّز صلاحيات إعادة الهيكلة أو التصفية بيد حاكم مصرف لبنان من بينها الإجراءات الاحترازية المتعلّقة بالمسؤولية والمحاسبة، ويمنح المصارف عبر الهيئات الاقتصادية ومؤسسة ضمان الودائع صوتاً وازناً في الهيئة المعنيّة بعملية إعادة الهيكلة أو التصفية... فضلاً عن أنه قانون «مبتور» وفق تعبير رئيس لجنة المال إبراهيم كنعان، لأنه منفصل عمّا يتعلّق بتوزيع الخسائر الذي سيقرّ بقانون آخر.
«تعمل قوى السلطة السياسية بطريقة متناغمة، ويبدو أنّ هناك اتّفاقاً على طي الصفحة بشكل كامل» هذا هو تعليق المحامي كريم الضاهر على مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف كما خرج من لجنة المال والموازنة. بالنسبة له، لم تكن التعديلات التي أُدخلت على مشروع القانون، من الحكومة أولاً ثم في اللجنة الفرعية للجنة المال والموازنة، كافية لطي الصفحة، بل جاء آخرها في لجنة المال ليضمن ذلك. ففي النسخة التي عُرضت على مجلس الوزراء في شباط 2024، لم يكن المشروع منفصلاً عن عملية توزيع الخسائر، ولم تكن المسؤولية والمحاسبة بالشكل الذي هما عليه في المشروع المعروض على الهيئة العامة، ولم تكن صلاحيات إعادة الهيكلة أو التصفية المنوطة بالغرفة الثانية في الهيئة المصرفية العليا استنسابية كما هي عليه الآن. فما سيطرح على المجلس النيابي، هو إقرار غرفتين للهيئة المصرفية العليا برئاسة حاكم مصرف لبنان. وتكون صلاحيات الأولى متّصلة بفرض تدابير العقوبات الإدارية المنصوص عنها في المادتين 208 و209 من قانون النقد والتسليف، وذلك في سياق التعامل مع التجاوزات المصرفية «الاعتيادية»، أي تلك التي تخرج عن نطاق ما يمكن تسميته «الأزمة النظامية». أمّا الغرفة الثانية فستكون معنيّة بالتعامل مع «الأزمة النظامية» التي نتجت من انهيار كامل النظام المصرفي. وبالتالي فإنّ وظيفتها تصنيف المصارف بين من يقدر على الاستمرار ومن يتوجّب تصفيته. أيضاً الغرفة الثانية تكون برئاسة حاكم مصرف لبنان، وهنا المسألة لا تتعلّق فقط بالحاكم، بل بالنفوذ المعطاة له. إذ إنّ الغرفة الثانية مؤلفة من الحاكم، ونائبين له، ومدير المالية العامة (الثلاثة أعضاء في المجلس المركزي لمصرف لبنان)، ومن قاضٍ، ومن رئيس مؤسسة ضمان الودائع، فضلاً عن وجود رئيس لجنة الرقابة بلا أي قدرة تصويتية أو حتى في ما يتعلّق بنصاب الجلسات الذي يفرض حضور أربعة أعضاء وقرار بأكثرية الحاضرين. وفي ما عدا أنّ تمويل الهيئة يكون من مصرف لبنان، وهذه مشكلة بحدّ ذاتها، فإنه في سياق البحث عن توازن ما في تكوين هذه الغرفة، كان هناك اقتراح باستبدال أحد نواب الحاكم بخبير يُقترح من نقابة المحامين أو من نقابة المحاسبة، إلا أنّ اللجنة أقرّت في جلستها الأخيرة تعيين خبير بناء على اقتراح من الهيئات الاقتصادية، أي من هيئات أصحاب العمل الذين يشاركون بشكل واضح في ملكية المصارف وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك مثل نقولا شماس رئيس جمعية تجار بيروت وأحد أعضاء الهيئات وهو يملك حصّة وازنة من بنك سيدروس، وهناك مقعد دائم لرئيس جمعية المصارف في الهيئات، وهناك أيضاً أعضاء آخرون يشاركون في الهيئات ولديهم حصص في مصارف مثل جاك صراف وغيره.

أضيف مقعد للهيئات الاقتصادية في الغرفة الثانية لدى الهيئة المصرفية العليا المعنيّة بإصلاح أوضاع المصارف


إذاً، بات لدى الحاكم من يتوافقون بشكل تلقائي معه من الذين يتقاضون مالاً ومخصّصات من مصرف لبنان، سواء من الذين هم معه في المجلس المركزي حيث لديه نفوذ واسع في ما يخص السفر والمخصّصات المالية، أو في مسألة تمويل الغرفة بكاملها.
أصلاً، هذه الفكرة القاضية بإنشاء غرفتين، هي مخالفة لفكرة أن تكون هناك هيئة مستقلّة تتعامل مع الأوضاع غير العادية للمصارف مثل «الأزمة النظامية». ومن الواضح، أنّ الهيئة المصرفية العليا، كما هي عليه الآن وبالصلاحيات التي أعطيت لها بموجب القوانين النافذة في قانون النقد والتسليف والقانون 28/67 والقانون 110/91 وسواهم، تمارس صلاحيات التعامل مع المصارف المأزومة على الشكل الآتي: خفض التسهيلات، منع من القيام بعمليات أو فرض تحديدات أخرى في ممارسة المهنة، تعيين مراقب أو مدير مؤقّت، شطب من لائحة المصارف... وقد مارست الهيئة هذه الصلاحيات في السنوات الماضية بشكل واضح، فأجبرت الكثير من المصارف على زيادة رساميلها أو على بيع موجوداتها أو إجراءات أخرى، أو تعيين مدير مؤقّت أو إجراءات أخرى كان يفرض الحاكم من أجل التعامل مع أزمات مصرفية. آخر هذه الأزمات ما حصل في بنك الاعتماد المصرفي الذي أُعطي مساهموه خمس فرص امتدّت على أكثر من سنة لإعادة أموال «منهوبة» من دون أن يستجيب، وذلك بعد تعيين مدير مؤقّت. لذا، ما يحصل الآن في مسألة الغرفة الثانية، هو تحديد للصلاحيات بشكل أوضح ضمن ما يسمّى «تجانس تشريعي» يحافظ على صلاحيات الحاكم ونفوذه كهيئة ناظمة. غير أنّ هناك سؤالاً أساسياً: هل من المنطق أن يُعيَّن الناظم للقطاع والمسؤول عن أي تداعيات فيه، مراقباً لعملية إعادة هيكلة نظامية كان هو سبباً أساسياً في انفجارها؟
على أي حال، صار بإمكان الغرفة الثانية في الهيئة المصرفية العليا أن تمارس مجموعة من الصلاحيات المسمّاة في الباب الخامس من القانون المُحال إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، علماً بأنّ هذه الصلاحيات كانت موجودة في غالبية النسخ السابقة من هذا القانون، ومن أبرزها: تعيين مدير مؤقّت، إقالة أو استبدال أعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة العليا، تعيين عضو مجلس إدارة أو أكثر مستقلّ غير تنفيذي، الاعتراض على تعيين أعضاء جدد في مجلس الإدارة، فرض التدابير لإزالة العوائق أمام إمكانية إصلاح وضع المصرف، الطلب من المصرف أن يبيع أصوله، الطلب من المصرف أن يوقف بعض النشاطات والعمليات، فرض تدابير وأدوات إصلاح الوضع، تعديل أجل استحقاق الدين...
ما غاب بشكل واضح عن هذه الإجراءات التي لا تستعمل إلا إذا قرّرت الهيئة، وبشكل استنسابي، القيام بأي منها، هو ما جاء في المادة 25 من نسخة مشروع قانون إصلاح المصارف الصادرة في شباط 2024، والمتعلّقة بقرار الشطب أنه بعد صدور قرار الشطب وبدء عملية التصفية «وفي حال وجود أسباب منطقية للاشتباه بأي من أعضاء مجلس الإدارة والإدارة العليا والمفوّضين بالتوقيع ومفوّضي الرقابة الذين شغلوا مناصبهم لدى المصرف قيد التصفية في السنوات الخمس السابقة لتاريخ صدور قرار الشطب، متورّط في أي مخالفة معاقب عليها مدنياً أو جزائياً، يتعيّن على المصفّي أو الهيئة المختصّة بإعادة الهيكلة: ملاحقة هؤلاء الأشخاص أمام المحاكم اللبنانية والأجنبية، وفرض حجز مؤقّت على جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة في لبنان والخارج العائدة لهم ولأي أشخاص مرتبطين بهم ويبقى الحجز سارياً إلى أن تصدر المحكمة الخاصة حكماً مبرماً بهذا الخصوص، ويفرض عليهم التنازل عن السرية المصرفية، وأن يجري توزيع لائحة كاملة بكل الأشخاص الذين خضعوا لهذا الإجراء، ويترتّب على هؤلاء تزويد المصفّي بلائحة كاملة بأملاكهم وأموالهم المنقولة... كل ذلك تحت طائل تجريمهم بالمادة 695 من قانون العقوبات.
هذا الأمر مذكور بشكل حرفي، وبالمقارنة مع الصلاحيات الاستنسابية التي منحت للغرفة الثانية وفق تسوية تكرّس الحاكم ذو النفوذ الأوسع والصلاحيات شبه المطلقة على القطاع، فإنّ المحاسبة وتوزيع المسؤوليات سيكونان وفق سلوك استنسابي تسيطر عليه السياسة والقوى السياسية بدلاً من أن يكون عملاً جرمياً.

◀ «المال والموازنة»
- لا لفصل تسوية المصارف عن المودع
يسجّل للجنة المال والموازنة أنه في ظلّ كل هذه التسويات التي أحاطت بمشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، أصدرت توصية في تموز تقول فيها إنه لا يجب الفصل بين قانون معالجة أوضاع المصارف وبين قانون استعادة التوازن المالي واسترداد الودائع المسمّى «قانون الفجوة المالية»، أي إنه لا يجوز تسوية أوضاع المصارف وترك أوضاع المودعين. وقالت اللجنة إنّ هناك «ترابط وثيق في مضمون (مشروع القانون) مع موضوع معالجة الفجوة المالية»، لذلك أوصت بـ«ضرورة الإسراع في إحالة مشروع القانون المتعلّق بمعالجة الفجوة المالية (الانتظام المالي)، ليصار إلى دراسته بالتوازي مع مشروع القانون قيّد الدرس حالياً في اللجنة الرامي إلى إصلاح أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها».

- تعليق مواد بانتظار «توزيع الخسائر»
قرّرت لجنة المال والموازنة أن تعلّق العمل بعددٍ من مواد مشروع القانون، في حال إقراره كما أحيل منها إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، لأنها ترتبط بمشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع المسمّى قانون الفجوة المالية أو قانون توزيع الخسائر. من أبرز المواد التي جرى تعليقها هي المادة 14 التي تتعلّق بمبادئ إصلاح وضع المصارف ومنها إصلاح تراتبية الأموال الخاصة والدائنين، وكيفية امتصاص الخسائر وحماية المودعين وأدوات الإصلاح وغيرها. أيضاً جرى ربط تطبيق هذا القانون بإصدار قانون الفجوة المالية أو توزيع الخسائر في المادة 37 التي يعتقد أنّ هناك الكثير من النقاش بشأنها في جلسة الهيئة العامة انطلاقاً من كونها ستحدّد مواقف النواب والكتل السياسية في اتجاه التعامل مع المصارف لوحدها وفصل قضية المودعين عنها، أو الربط في ما بينهما.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram