كتبت صحيفة “الديار”: في ظلّ التحولات المتسارعة التي يشهدها الإقليم، وما يرافقها من تهديدات أمنية متشابكة، تبرز المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني كأحد أركان العلاقة الاستراتيجية بين بيروت وواشنطن.
فقد تحوّل الدعم الأميركي، منذ ما بعد عام 2006، من مجرد مساعدة لوجستية أو تقنية إلى مقاربة متكاملة تسعى إلى تمكين المؤسسة العسكرية اللبنانية من أداء دورها كعمود فقري للأمن الوطني، اذ تأتي هذه المساعدات في سياق قراءة أميركية تعتبر الجيش اللبناني شريكا أساسيا في تثبيت الاستقرار الداخلي، ومواجهة الإرهاب، وضبط الحدود، خصوصا في ظل هشاشة الوضعين السياسي والأمني في لبنان.
غير أن هذا الدعم، ورغم طابعه العسكري، لا يخلو من خلفيات سياسية وأبعاد استراتيجية ترتبط بأجندات إقليمية ودولية، ما يطرح تساؤلات متجددة حول مدى قدرة الجيش على الاستفادة من هذا الدعم في ظل الواقع اللبناني المعقّد.
في هذا الاطار تكشف مصادر لبنانية في واشنطن، اطلعت على موازنة الولايات المتحدة الأميركية، بأن ما من دعم مالي مخصص لليونيفيل او للجيش اللبناني، والمساعدات العسكرية مخصصة فقط لإسرائيل ومصر والأردن، ما يشي بمرحلة بالغة الدقة والصعوبة في الأشهر المقبلة.
وأشارت المصادر ان خطورة ذلك انه يتزامن مع التقييم الدوري الذي يعده فريق البيت الابيض حول الوضع في لبنان والذي خلص الى تقييم سلبي في تقريره الاخير معتبرا ان القيادات الرسمية اللبنانية تحاول اللعب على الوقت، مظهرة عجزا او عدم رغبة “في التعاون”.
وتوقفت المصادر امام تراجع نسبة الوفود العسكرية الاميركية التي تزور لبنان، قياسا الى ما كانت عليه وتيرتها خلال الفترة السابقة، وهو مؤشر مقلق، خصوصا ان راي القيادة العسكرية المركزية في الملف اللبناني لا زال يحتل مكانته على صعيد تقييم ورسم الاستراتيجية الاميركية في لبنان.
من هنا تتخوف المصادر من اي خطوة في اتجاه وقف المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني، او تخفيفها، مع ما سيكون لذلك من تداعيات خطيرة ومتعددة الأوجه، لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تمتد لتشمل الأمن، الاستقرار، والنسيج الاجتماعي والسياسي في لبنان والمنطقة.
وتلخص المصادر هذه التداعيات في ابرز النقاط التالية:
1- تدهور القدرات العملياتية للجيش اللبناني: نتيجة نقص المعدات والصيانة، وضعف التدريب والتأهيل، وبالتالي تراجع القدرة على مكافحة الخلايا الإرهابية، وشن العمليات الاستباقية، وتأمين الحدود، مما قد يؤدي إلى عودة نشاط هذه الجماعات.
2- زعزعة الاستقرار الأمني الداخلي، اذ ان توقف الدعم سيضعف المؤسسة العسكرية، مما قد يخلق فراغاً أمنياً يمكن أن تستغله الجماعات المسلحة المختلفة، والعصابات الإجرامية، أو جهات تسعى لزعزعة الاستقرار، مما يخل بالتوازن الأمني والسياسي الهش في لبنان ويزيد من احتمالات الصراع الداخلي، كما انه سيفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
3- تداعيات على سيادة الدولة، من خلال ضعف القدرة على فرض السيطرة بما في ذلك الحدود مع سوريا وإسرائيل. فضعف الجيش سيجعل الدولة أكثر عرضة للانتهاكات الحدودية، ويفقدها القدرة على تطبيق القرارات الدولية، مثل القرار 1701، كما انه سيؤدي إلى سعي قوى إقليمية ودولية أخرى لملء هذا الفراغ، مما يزيد من تعقيد المشهد اللبناني ويقلل من استقلالية قراره.
4- التأثير على الدور الإقليمي والدولي للبنان: من تراجع الشركة في مكافحة الإرهاب، الى زيادة المخاطر على الاستقرار الإقليمي، حيث يعتبر لبنان نقطة ارتكاز في الشرق الأوسط. فأي تدهور أمني فيه يمكن أن يؤدي إلى تداعيات إقليمية أوسع، من موجات نزوح إلى تصعيد في الصراعات القائمة.
باختصار، إن وقف المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني ليس مجرد قرار مالي، بل هو قرار سياسي استراتيجي ذو تداعيات كارثية محتملة على لبنان والمنطقة.
ففي ظل الأوضاع الحالية، يظل الجيش اللبناني هو الركيزة الأساسية للاستقرار، وأي ضعف يلحق به سيترك لبنان عرضة لمزيد من الفوضى والانهيار، رغم ان امكان تحويل المساعدات من حساب دولة الى اخرى، كما حصل المرة الماضية، يبقى مفتوحا، وكذلك المساعدات غير المباشرة المقدمة عبر طرف ثالث، عبر قطر والاردن على سبيل المثال.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :