بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على فتح ملفّ المراهنات وألعاب الميسر عبر الإنترنت، لا تزال حيثيّات التحقيقات الجارية بخصوصه، مطوّقة بعلامات الاستفهام، لا بل بالشكوك. كثرٌ من اللبنانيين، وحتّى القوى السياسية، لم يقتنعوا بالأسباب، أو بالأحرى بالتهم المسطّرة للتوقيفات الحاصلة.
تعبق رائحة السياسة في الملفّ، من لحظة استدعاء رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري، الذي تمّ التمهيد لقرار توقيفه، من خلال أخبار سبقت وصوله إلى المديرية العامّة لأمن الدولة والاستماع إليه، أثبتت أنّ قرار توقيفه متّخذ مسبقاً بمعزل عن الوقائع، إلى لحظة سرد التهم الموجّهة التي بلغت حدّ تبييض الأموال… فماذا في التفاصيل؟
لا بدّ أوّلاً من الإشارة إلى أنّ المراهنات وألعاب الميسر باتت أشبه بمنجم الذهب الذي يسيل اللعاب، خصوصاً أنّ الغرْف من المال العامّ كما كان يحصل طوال العهود الماضية، صار غير مجدٍ نتيجة الانهيار المالي، فتحوّلت الأنظار والشهيّات إلى المال الخاصّ الذي يشكّله قطاع الأونلاين المستجدّ.
لماذا السّياسة حاضرة؟
يكفي كشف ما سمعه وكلاء الموقوفين من قاضٍ بارز حين راجعوه بالتّهم الموجّهة إلى موكّليهم الذين تمّ توقيفهم بحجّة أنّ عملهم غير شرعي بينما هؤلاء أُرغموا على توقيع تعهّدات (بإشارة النيابة العامّة التمييزية) بتوقيع عقود مع كازينو لبنان، فقال لهم بالحرف الواحد: راجعوا قصر بعبدا للتأكّد أنّ المسألة لا تمتّ لمكافحة الفساد بأيّ صلة!
بهذا المعنى، يسود الاعتقاد أنّ كلّ ما يحصل في هذا الملفّ يهدف إمّا إلى:
– تفريغ شركة OSS المشغّلة لمنصّة BetArabia من خلال استبدال شركائها الحاليين بشركاء جدد، لا سيما أنّ المنصّة لا تزال تعمل بينما مالكوها وبعض العملاء الذين يتعاملون معهم في السجن قيد التوقيف!
– أو إقصاء الشركة كلّياً لمصلحة شركة جديدة تتولّى تشغيل منصّة جديدة، لتكون اللعبة “قم لأجلس مكانك”.
– أو إعادة فتح الباب أمام السوق غير الشرعية التي كانت تسيطر على اللعبة قبل توقيع العقد بين كازينو لبنان وشركة OSS.
المسار القانونيّ
بالعودة إلى الأساس القانوني لانطلاق أعمال المراهنات عبر الإنترنت، يُسجّل الآتي:
– وزراء المال المتعاقبون وجّهوا قبل عام 2020 عدداً من الرسائل إلى إدارة كازينو لبنان، تطالبها بفتح باب اللعب عبر الأونلاين بعدما صار متوفراً بين اللبنانيين عبر العديد من المنصّات التي تتيح اللعب غير الشرعي أونلاين من خلال كازينوهات خارج لبنان (قبرص، اسبانيا…).
– بادر رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري إلى إجراء مناقصة لتعيين مشغّل ومنصّة تتيح للكازينو فتح باب المراهنات عبر الإنترنت. رست المناقصة على شركة OSS التي قدّمت السعر الأدنى لكنّ رفض الأمن العامّ لبرنامج الشركة ربطاً بقانون مقاطعة إسرائيل أدّى إلى تعليق المناقصة.
– في عام 2022، أقنعت شركة OSS الشركة التي قدّمت السعر الثاني وراءها، وهي شركة game cooks التي يملك هشام عيتاني جزءاً صغيراً من أسهمها وتدير منصّة لهذه الألعاب في عدد من الدول الإفريقية، بالدخول في شراكة معها لاستخدام البرنامج الذي لديهما ويكون لهما حقّ حصري باستعماله في لبنان. وهذا ما حصل، فتوزّعت الحصص بالتساوي بين OSS وشركة game cooks (50% مقابل 50%). وقد منح عيتاني في حينه داني عيد 1% من أسهمه ليكون عضواً في مجلس الإدارة في الشركة المنشأة.
– على هذا الأساس، تمّ توقيع العقد مع كازينو لبنان بعد تجاوز إشكاليّة الأمن العامّ، بموافقة كلّ من وزير المال يوسف خليل والسياحة وليد نصّار وموافقة استثنائية من رئيسَي الجمهورية والحكومة آنذاك.
السؤال هنا لماذا لم يلغى المرسوم في مجلس الوزراء؟
ديوان المحاسبة: وقف المنصّة تجاوز لحدّ السّلطة
– في جواب كازينو لبنان على وزير المال الذي ورد في استشارة ديوان المحاسبة في الرأي الاستشاري الذي أصدره في 3 تشرين الأوّل 2023 ما يثبت أنّ طلب وقف المنصّة كان “من قبيل تجاوز حدّ السلطة”، حيث جاء الآتي:
“حول قانونيّة طلبكم إيقاف العمل بمنصّة الـOnline التابعة لكازينو لبنان:
نعبّر لكم صراحة عن مفاجأتنا وأسفنا لهذا الطلب حيث إنّ طبيعته هي من قبيل ممارسة سلطة وصاية على كازينو لبنان، وهو أمر غير صحيح البتّة، حيث إنّ شركة كازينو لبنان هي شركة مساهمة ذات امتياز يحكم إدارتها وخياراتها نظام الشركات الخاصّة وقانون التجارة اللبناني الذي يحدّد في موادّه 21 و22 و23 طبيعة ومجالات سلطة الوصاية على المؤسّسات التابعة لها…
أمّا العلاقة بين شركة كازينو لبنان والدولة اللبنانية فهي محكومة حصراً بأحكام العقد الموقّع بين الشركة والدولة اللبنانية ممثّلةً بوزارتَي الماليّة والسياحة بتاريخ 14/7/1995 والملحقين المنبثقين عنه، وتحديداً في ما خصّ وزارة المالية في الشقّ المتعلّق بالرقابة على حصّة الدولة من إيرادات ألعاب الميسر الداخلة ضمن الامتياز والذي لحظ العقد المشار إليه في المادّة 16 منه تشكيل لجنة رقابة لهذا الغرض.
كان مجلس شورى الدولة أيضاً حاسماً في تحديده طبيعة وحدود العلاقة بين الإدارة العامّة المتعاقدة وشركة كازينو لبنان في قراره رقم 568/2013 – تاريخ 23/4/2014 الذي أبطل فيه قرار وزير السياحة رقم 61 تاريخ 15/3/2011 بإنشاء مكتب استقبال خاصّ بالوزارة داخل الكازينو.
بالتالي، وبوضوح كلّ ما سبق عرضه، يكون طلبكم توقيف العمل بمنصّة الـ Online التابعة لكازينو لبنان واقعاً في غير محلّه القانوني، وهو من قبيل تجاوز حدّ السلطة”.
– بعد توقيع العقد مع شركة OSS شهدت السوق غير الشرعية عدداً من المداهمات على يد الأجهزة الأمنيّة نتيجة الشكاوى التي تقدّم بها كازينو لبنان بحقّ المشغّلين غير الشرعيّين، الذين كانوا يُرغمون على توقيع تعهّدات (بإشارة النيابة العامّة التمييزية) بتوقيع عقود مع كازينو لبنان.
في لغة الأرقام
أمّا بالنسبة لعالم الأرقام والمال، فيقول المطّلعون:
– بلغ حجم السوق اللبناني في المراهنات عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة حوالي 20 مليون دولار شهرياً، حيث أدّى تنامي هذه السوق إلى خفض مداخيل كازينو لبنان، وهو ما كان يدفع وزراء المال إلى حثّ إدارة الكازينو على خوض هذا المجال لوقف المراهنات غير الشرعية التي كانت تحتكر السوق وأرباحها.
– مع توقيع العقد مع شركة OSS دار نقاش بين إداراتها والكازينو ووزارة المال حول النسبة المفترضة للعملاء أو الـAgents الذين كانوا يعملون في السوق السوداء. وهؤلاء كانوا يحقّقون 70% من الأرباح، أي الخسائر التي يتكبّدها الزبائن، بينما تعود 15% للكازينو الأجنبي صاحب المنصّة، والـ15% لمقدّم الخدمة عالميّاً أي الـProvider، و70% للعملاء. لهذا رأت إدارة كازينو لبنان أنّ النسبة للعملاء يجب أن تراوح بين 30% و40% وفقاً لعدد الزبائن الذي يملكه العميل. كان الهدف الأساس هو تحفيز أكبر عدد من الزبائن حتّى لو ذهبت بعض الأرباح للعملاء خلال مدّة العقد، لكنّ الرهان كان على أن يتمكّن الكازينو مع الوقت من استقطاب هؤلاء الزبائن.
– وفق حسبة بسيطة يتبيّن أنّ حصّة الكازينو مع وزارة المال والضرائب المدفوعة كانت تصل إلى 53% من حجم السوق، فيما يذهب 15% إلى الـProvider، و5% لشركة OSS، ومعدّل وسطيّ 27% للعملاء (لأنّها نسبة غير موحّدة). أمّا نسبة الـ53% التي تحصّلها الخزينة العامّة وكازينو لبنان فناتجة عن نسبة ثابتة لكلّ منهما، وهي 20%، إضافة إلى الضرائب المحصّلة على أرباح العملاء وشركة OSS، التي تساوي حوالي 13%، وتعود إلى خزينة الدولة .
– بناء عليه، نجح كازينو لبنان وشركة OSS في الوصول إلى استقطاب 13.5 مليون دولار من هذه السوق البالغة قيمتها، كما سبق ذكره، 20 مليون دولار شهريّاً، ويبقى حوالي 6.5 ملايين دولار مشغّلة بطريقة غير شرعية.
تفريع الكازينو
تبقى مسألة تفريع الكازينو، أي صالات الـLounges التي تمّ افتتاحها للعب المراهنات عبر الإنترنت. وفق العقد الموقّع مع كازينو لبنان، يحقّ لشركة OSS تعريف الزبائن على هذه الألعاب وتوفير Code للّعب. لكنّ العقد لم يحدّد جغرافية هذه الصلاحيّة ولم يستثنِ أيّ جغرافية من اللعب. فالمراهنة عبر الإنترنت قد تحصل في البيت، الشارع، المطعم… وفي أيّ مكان. ولما كانت الشركة لا تتمتّع بصلاحيّة منح تراخيص لفتح صالات جرى استقدام تراخيص من ميدان سباق الخيل والبلديّات الكائنة فيها مكاتب المراهنات وجرى الاستفادة منها لاستضافة لاعبين. وبالتالي لا عقوبة من دون نصّ.
المسار القانونيّ
في المسار القانوني حيث الادّعاء يقوم على تبييض الأموال من خلال التهرّب الضريبي، لعب ميسر غير شرعيّ، إهمال وظيفي، وهدر أموال عمومية، لا بدّ من السؤال:
– كيف يمكن وصف عقد موقّع من وزيرَي السياحة والمال بعمل غير شرعي فيما الأرباح تحوّل سنوياً إلى الخزينة العامّة؟ كيف يمكن لعميل فُرِض عليه من النيابة العامّة التمييزية تحت وطأة توقيفه توقيع عقد مع كازينو لبنان ليصبح عمله شرعيّاً، أن يتّهم بأنّه غير شرعي من قبل النيابة العامّة الماليّة؟
– أين هو المال العامّ المهدور بينما هدف الكازينو هو استقطاب أرباح كانت تهدر في السوق السوداء؟
– كيف يمكن اعتبار التعامل بالـUSDT، وهي اختصار لـTether (تيثر)، وهي عملة رقمية (كريبتو) تُصنّف ضمن فئة العملات المستقرّة، بتبييض الأموال، وقد صار معظم دول العالم يتعاملون بها؟
– تبيّن أنّ التهرّب الضريبي هو العنوان الأساسي لتهمة تبييض الأموال، هذا مع العلم أنّ نصف اللبنانيين متّهمون بالتهرّب الضريبي، فهل يتمّ توقيفهم جميعاً؟
الأهمّ من ذلك كلّه هو قصّة توقيف داني عيد لأربع وعشرين ساعة. لماذا؟ لأنّ القاضية دورا الخازن حمّلته مسؤوليّة عدم تسديد رسم الطابع المالي على مذكّرة التفاهم الموقّعة بين شركة game cooks، وسركيس سركيس الذي اشترى حصص هؤلاء، بصفقة بلغت قيمتها حوالي 12 مليون دولار حيث جرى الاتّفاق على تسديد المبلغ على دفعات، فيما داني عيد صاحب الـ1%. ولم يفرَج عنه إلّا بعد دفع 270 ألف دولار رسم طابع ماليّ على الرغم من اعتراض المحامين لأنّ مذكّرة التفاهم وقّعت في قبرص، والتنازل لم يحصل بشكل كامل، ولم يوقّع داني عيد على العقد. ولم يحصل أن تمّ توقيف أيّ شخص بتاريخ لبنان بتهمة عدم دفع رسم طابع ماليّ!
في التحقيقات، عُلم أنّ قاضي التحقيق في جبل لبنان طارق بو نصار استمع إلى عدد من الموقوفين، ومنهم رولان خوري، حيث تركّز التحقيق بشكل أساسي على مسألة التهرب الضريبي، وقد سطّر قرارات بتوقيف المتهمين لحين استكمال التحقيقات، وهو إجراء متوقع طالما أنّ القاضي لم ينته من الاستماع إلى الموقوفين، قبل أن يتقدم وكلاء الدفاع بطلبات إخلاء سبيل.
السؤال وليس الأخير لماذا يستدعى هشام عيتاني إلى التحقيق بسبب حصة في الشركة باعها، ولم يتم استدعاء سركيس سركيس قضائياً بعد أن أصبح هو صاحب الشركة؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :