الفيديو الذي أعاد التاجر نشره بوصفه «إعلاناً مجانياً»، أثار علامات استفهام، خصوصاً أنه يُعدّ مخالفة صريحة للقانون اللبناني الذي يجرّم كل أشكال التعامل مع العدو، سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة.

لذلك تواصلت «الأخبار» مع صاحب الحساب ونبّهته إلى خطورة نشر هذا النوع من المحتوى، موضحةً أن الفيديو يروّج لعلامة إسرائيلية بوضوح. إلا أن التاجر لم يُبْدِ أي نية للتراجع عن نشر المقطع، بل قال: «لن أحذف الفيديو… افعلوا ما شئتم».

ويحظر القانون اللبناني، بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 285/1955، المعدّل لاحقاً، التعامل مع العدو الإسرائيلي بكل أشكاله، ويعتبر الترويج لمنتجات إسرائيلية أو عرضها أو المساعدة في تسويقها جريمة يعاقب عليها القانون.

كما ينصّ قانون مقاطعة إسرائيل، الصادر عن مكتب المقاطعة العربي في بيروت، على أن «كل عمل يؤدي إلى دعم الاقتصاد الإسرائيلي أو الترويج لمنتجاته يُعدّ خرقاً للمقاطعة ويستوجب الملاحقة».

بدوره، أكد مصدر في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، رفض الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار»، أن «الترويج العلني لأي مادة تحمل دلالة تجارية واضحة ذات صلة بالعدو، سواء أكانت مباشرة أم رمزية، يُعدّ مخالفة يعاقب عليها القانون، وقد تترتّب عليها إجراءات تصل إلى حجب الصفحة المعنية أو إحالة صاحبها إلى الجهات القضائية».

وأوضح المصدر أن «المكتب لا يتدخّل تلقائياً في مثل هذه الحالات، بل ينتظر ورود إخبار رسمي من الجهات المختصة، وعلى رأسها وزارتا الإعلام والاقتصاد».

وفي هذا السياق، تواصلت «الأخبار» مع المعنيين في وزارة الاقتصاد، التي أكدت أنها ستوجّه كتاباً رسمياً إلى الأمن العام اللبناني، تطلب فيه اتخاذ الإجراءات المناسبة بحق الصفحة المعنية لمخالفتها قوانين مكتب مقاطعة إسرائيل.

الخوارزميات تروّج والدولة غائبة

قال مدير برنامج الإعلام ومشروع حوكمة الإنترنت في منظمة «SMEX»، عبد عطايا لـ«الأخبار» إن «المنصات تعتمد معايير عالمية موحّدة لا تراعي الخصوصيات القانونية في الدول، ما يجعل من الصعب الاعتماد عليها لضبط هذا النوع من المحتوى»، موضحاً أن «الدولة اللبنانية لا تتواصل مع شركات التكنولوجيا والتواصل الكبرى مثل «ميتا» و«غوغل» للحد من هذه المخاطر».

وعن سؤاله عن دور الخوارزميات في تعزيز نشر الإعلانات المروّجة للعدو، لفت عطايا إلى أنها «تسهم بشكل مباشر في تعزيز انتشار الإعلانات المثيرة بصرياً بغضّ النظر عن خلفيتها السياسية أو القانونية، ما يتيح لمواد ذات رموز تطبيعية أن تنتشر بشكل واسع من دون تدقيق أو فلترة».

وعن التوصيات الموجّهة إلى الصفحات التجارية الصغيرة، شدّد على ضرورة «تبنّي سياسات تحقّق ذاتي لكل محتوى يُعاد نشره، خاصة إذا كان مستورداً من صفحات أجنبية»، مؤكداً أن «الوعي بالمحتوى المتداول بات ضرورة ملحّة، لا مجرد خيار أخلاقي».

مبادرات أهلية تُقاوم التطبيع

ورغم تزايد محاولات اختراق الوعي العام عبر المنصات التجارية والإعلامية، نشطت في السنوات الأخيرة مبادرات مدنية عدّة لمكافحة التطبيع الناعم في لبنان، من بينها: «قاطع-قاوم» التي تدعو إلى مقاطعة الشركات المتعاملة مع العدو، «باقون» التي ترصد التسلل الثقافي والإعلامي الإسرائيلي، و«المبادرة اللبنانية لمناهضة التطبيع» التي تُصدر تقارير دورية حول الانتهاكات في هذا المجال.

وقد لعبت هذه المبادرات دوراً أساسياً في رفع منسوب الوعي الشعبي حول أشكال التطبيع غير المباشرة.

واعتبرت الناشطة في مبادرة «قاطع-قاوم»، عفيفة كركي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الترويج لفيديو له علاقة بالعدو بأي شكل من الأشكال هو تطبيع ناعم»، لافتةً إلى أن «المشكلة تكمن في معرفة صاحب الحساب بهذا الأمر ورفضه اتخاذ القرار الحاسم لحذفه».

وأضافت: «إنها ليست المرة الأولى التي ينشر فيها هذا النوع من الفيديوهات»، مشيرةً إلى أن «صاحب الحساب يفتقر إلى ثقافة العدو»، واصفةً تصرفه بـ«الغريب» في ظل الأوضاع التي «نمرّ بها كشعوب عربية وخاصة لبنان».

وأوضحت كركي أن «المشكلة في لبنان تكمن في غياب ثقافة التوعية الموحّدة من خطر التعامل مع العدو، وعدم دمج هذه الثقافة في المناهج الدراسية»، داعية وزارة الإعلام إلى اتخاذ «الإجراءات اللازمة لفرض رقابة مشدّدة ضمن برنامج ثابت للتوعية من مخاطر التعامل مع العدو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة»

وفي وقت تُستخدم فيه المنصات الاجتماعية كأدوات اختراق ناعم لترويج التطبيع، لا يجوز التعامل مع هذه الحالات بوصفها مجرّد «هفوات تجارية» أو «سوء تقدير». ما نُشر ليس تفصيلاً، بل اختراق ثقافي وقانوني يجب أن يُواجَه بالحزم نفسه الذي يُواجَه به أي خرق أمني. فالتساهل مع هذا النوع من المحتوى يفتح الباب واسعاً أمام شرعنة التطبيع، وتحويله إلى أمرٍ عادي في الوعي الجماعي.

لذلك، إن ملاحقة هذه الصفحات ومحاسبة من يقف خلفها لا تندرجان فقط ضمن حماية القانون، بل أيضاً ضمن حماية الوعي العام من السقوط التدريجي في مستنقع التطبيع المُقنّع