تسجّل أعداد الكلاب الشاردة ازدياداً مطرداً في مختلف المناطق. وفي غياب إحصاء رسمي دقيق، تشير التقديرات إلى وجود نحو 60 ألف كلب شارد، فيما «تستقبل الشوارع يومياً كلاباً جديدة تائهة، لا تعرف أين تذهب ولا كيف تعيش، وغالباً ما تذهب ضحية حوادث دهس»، بحسب رئيسة جمعية «OPS» للرفق بالحيوان دانا أبو الحسن. ولفتت إلى أنّ «ظاهرة التخلّي عن الكلاب مستمرة، ولا تقتصر أسبابها على الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة أصحابها على تحمّل كلفة رعايتها، بل تتعدّاها إلى عوامل أخرى.
كما إنّ المعابر غير الشرعية مفتوحة أمام دخول مزيد من الكلاب إلى القرى الحدودية، في حين تتعمّد بعض محال بيع الكلاب، سواء كانت مرخّصة أو غير شرعية، تزويج الكلاب لتتكاثر وتزداد أرباحها».
في ظل هذا الواقع، يُسجَّل انتقال منتظم لداء الكَلب من الحيوانات البرية إلى الكلاب، ثم إلى البشر، في وقت يشهد البلد نقصاً حاداً في أدويته ولقاحاته.
وما دامت قد اتّسمت معالجة أزمة الكلاب الشاردة بالعشوائية، وغالباً ما اقتصرت على التخلّص من الكلاب المصابة بداء الكَلب بتسميمها أو دهسها أو إطلاق النار عليها، مع العلم أنّ الدراسات أظهرت أنّ هذه الأساليب، إلى جانب كونها غير إنسانية، غير فعّالة علمياً، إذ لا تؤدّي إلى خفض أعداد الكلاب الشاردة، بل سرعان ما تحلّ محلّها كلاب أخرى.
بصيص أمل برز مع إطلاق وزارة الزراعة، في 31 أيار الماضي، مبادرة «TNVR» التي تهدف إلى السيطرة على أعداد الكلاب الشاردة بطريقة علمية وإنسانية. تقوم المبادرة على تعقيم (خصي) الكلاب جراحياً، وتلقيحها ضدّ داء الكَلب، ثم إعادتها إلى بيئتها الطبيعية، مع توثيق كل حالة، وتمييز الكلاب التي خضعت لهذه الإجراءات بحلقة تُثبّت على الأذن.
يقوم هذا الحلّ على تكاتف مختلف الجهات المعنية، من وزارة الزراعة وجمعيات الرفق بالحيوان، إلى البلديات وبعض الشركات المستوردة للأدوية البيطرية التي بادرت إلى تأمين المواد المخدّرة اللازمة لإجراء العمليات، وحلقات الأُذن التعريفية، ولقاحات التحصين ضدّ داء الكَلب. كما تطوّع عدد من الأطباء البيطريين لتنفيذ عمليات التعقيم الجراحي مجاناً، في مبادرة تعتمد مبدأ «جود من الموجود»، في ظلّ انعدام التمويل.
فبعدما تبيّن استحالة تأمين تمويل لـ«الخطة الوطنية لمكافحة داء الكَلب» التي أقرّتها وزارة الزراعة عام 2016، والتي تمتدّ على خمس سنوات بكلفة تُقدّر بثلاثة ملايين دولار، أصبح التعويل على الدعم المحلّي الخيار الوحيد. وفي هذا السياق، قال مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، إلياس إبراهيم، لـ«الأخبار»، إنّ «المنظمات الدولية عبّرت بصراحة عن عدم حماستها لتقديم المساعدة بحجّة غياب إحصاء دقيق لأعداد الكلاب الشاردة، رغم علمها بأننا لا نملك القدرة على تنفيذ هذا الإحصاء بأنفسنا».
وصلت مآوي الكلاب إلى قدرتها الاستيعابية ووزارة الزراعة تقترح «الموت الرحيم»
وتهدف المبادرة، وفق إبراهيم، إلى «نقل عدوى مكافحة داء الَكلب» بين البلديات واتحادات البلديات، «وفعلاً، أبدت عدّة بلديات حماسة واستعداداً للتعاون معنا، ومع الجمعيات وشركات الأدوية البيطرية، وكذلك مع الأطباء البيطريين المتطوعين في مناطقهم، لإجراء العمليات الجراحية مجاناً أو بأسعار رمزية».
وأوضح أنّ «اتحاد بلديات واحداً وتسع بلديات بدأت تنفيذ الخطة»، بينها بلديتا معلقة وتعنايل في قضاء زحلة، والسمقانية في قضاء الشوف، إلى جانب بلديات أخرى في الجنوب والبقاع الغربي. وشدّد على أنّ دور وزارة الزراعة يقتصر على الإشراف والتنسيق بين الجهات المعنية، دون تحمل التكاليف المادية.
من جهتها، أشارت أبو الحسن إلى جدّية متزايدة لدى البلديات في التعامل مع ظاهرة الكلاب الشاردة، لافتة إلى وجود «لائحة انتظار» تُسجّل عليها البلديات الراغبة بالحصول على المساعدة لمكافحة داء الكَلب.
لكنّ المبادرة تواجه تحدّيَين أساسيَّين. الأول، بحسب إبراهيم، هو الإمساك بالكلاب الشاردة، إذ إنّ معظم البلديات تفتقر إلى الخبرات والمعدّات اللّازمة لذلك، ما يجعل الاستعانة بجمعيات متخصّصة بالتعامل مع الحيوانات أمراً ضرورياً. أمّا التحدي الثاني، فيكمن في توفير المآوي الكافية، إذ يتّفق جميع المعنيّين على أنّ عدد المآوي الحالية في لبنان لا يُلبّي الحاجة.
وتوضح أبو الحسن أنّ بعض رؤساء البلديات يتواصلون مع الجمعية طالبين حلولاً، رغم امتلاكهم أراضٍ غير مأهولة ومشاعات يمكن استثمارها كمآوٍ. وتقول: «صحيح أنّ إنشاء المأوى مكلف في المرحلة الأولى، لكن بعد الانتهاء من عمليات التلقيح والتعقيم، لن يتطلّب الأمر سوى تأمين الغذاء، وهي كلفة أقل بكثير من الفاتورة الصحية التي قد تنتج عن انتشار داء الكَلب».
وفي إطار البحث عن «حلول واقعية»، يشير إبراهيم إلى إمكانية اللجوء إلى القتل الرحيم، كما ينص قانون حماية الحيوانات والرفق بها الرقم 47 الصادر في عام 2017، في حال تجاوزت أعداد الكلاب القدرة الاستيعابية للمآوي. غير أنّ هذا الحلّ يواجه اعتراضاً من الجمعيات الحقوقية والبيئية، التي ترفضه باعتباره غير إنساني، مشيرة إلى أنّ القانون لم ينصّ عليه صراحة.
في السياق نفسه، تعمل وزارة الزراعة على إعداد قانون يُلزم الجمعيات والمشرفين على المآوي والعيادات البيطرية بتسجيل الكلاب باسم مالكها في مِنصّة، مع بطاقة صحية تذكر اللقاحات التي حصلت عليها، من أجل إحصاء عددها وتتبّع انتشارها.
وأخيراً، تبقى مبادرة «TNVR»، على أهميتها، بحاجة إلى تطبيق على نطاق أوسع، مع ضرورة ضبط دخول الكلاب إلى البلاد بالطرق الشرعية وغير الشرعية، بالتوازي مع تفعيل تطبيق قانون حماية الحيوانات. ودون ذلك، لن يبقى سوى الاكتفاء بإحصاء الحالات المصابة بالكَلب والتحذير من الاقتراب من الكلاب، مع العلم أنه «ليست كل عوارض داء الكَلب الاستشراس، بل هناك كلاب ودودة مصابة بالكَلب أيضاً».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :