مرة أخرى، تعود بعلشميه لتستقبل ذكرى أثقل من الجبال. ست سنوات مرّت، لكن غياب الشهيدَين القائدَين، رامي سلمان وسامر أبي فرّاج، لا يزال نزيْفاً في قلب الحزب الديمقراطي اللبناني وضمير البلدة. في ساحة الشهداء، حيث يتجمد الزمن ليذكرنا بالبذل، وقف الأمير طلال أرسلان، رئيس الحزب، ليس كرئيس فحسب، بل كرفيق درب، وحامل لوعة رفاق اقتُلعوا من جسد الوطن.
لم تكن الزيارة طقساً رسمياً عابراً. كانت وقفة وفاء تشبثاً بالذاكرة. انحنى الأمير أرسلان أمام صورتَي الشهيدين اللتين تشهدان على وجوه لم تُغبْ عن بال من عرفوهما، ووضع بإيقاع بطيء يحمل ثقل السنوات الست إكليلين من الزهر. كل وردة في الإكليل بدت كدمعة متحولة إلى جمال، وككلمة وفاء تُنثر أمام أرواح غادرت الجسد وبقيت هاديةً للطريق. الزهر الأبيض، رمز الطهر والتضحية، يروي قصة دم أريق في سبيل مبدأ، ويحاول أن يلملم جراحاً لم تندمل.
ثم ارتفع صوت خافت، حاملاً معه تراتيل صامتة من القلوب الحاضرة، "بسم الله الرحمن الرحيم...". تلاوة الفاتحة عن روحَي الشهيدين كانت نهراً من الدعاء الصادق، يختلط فيه الحزن بالأمل، والفقد بالخلود. لحظة روحية عميقة، تذوب فيها الحدود بين الأرض والسماء، ويتجدد فيها العهد مع القيم التي استشهد من أجلها الرجلان.
لم يكن الأمير وحيداً في مشهده الوجداني. وقف إلى جانبه أعضاء القيادة والحزبيون، وجوههم تحمل نفس المسؤولية ونفس الألم. ولكن الأقسى، الأجمل، الأكثر إيلاماً وإلهاماً، كان وقوف عائلتي الشهيدين. ست سنوات، والجرح ينزف نفس الألم الأول. وقفتا، كشجرتين صامدتين في عاصفة الفقد، ثم تقدّمتا لِـتضعا أكاليل باسمي الشهيدين. هذه الأكاليل ليست مجرد زهور، إنها قلوب الأمهات والآباء والأبناء والأزواج، تنبض بالحياة رغم الموت، وتقول للعالم: "ها هم أبناؤنا.. لا يزالون هنا، في ضميرنا، في نضالنا".
في ساحة الشهداء ببعلشميه، في الذكرى السادسة، لم يكن الماضي هو البطل. كانت الحاضرية القوية لتضحية لم تمت. كانت رسالة أن دم الشهيدين لم يجف، بل تحول إلى زهر يزين طريق الاستمرار، وإلى فاتحة تملأ قلوب الأحياء إيماناً بأن من يسقطون على درب الحق، لا يرحلون. إنهم يرتقون، ويصبحون شموساً تنير الدرب للأجيال التي تليهم. الغياب جسداً حضوراً أبدياً في ضمير الوطن ووجدان أهله. فسلامٌ عليهم يوم استشهدوا، ويوم يبعثون أحياء.
---
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :