الحدود المصطنعة وتفكيك الأمة السورية وخطر التطبيع

الحدود المصطنعة وتفكيك الأمة السورية وخطر التطبيع

 

Telegram

 

( كتب الإعلامي ميشال دمعة ) 
 
منذ بداية القرن العشرين، بدأت قوى الانتداب الغربي، خصوصًا بريطانيا وفرنسا، برسم حدود كيانات لا تشبه شعوبها، ولا تعكس امتدادها التاريخي أو الثقافي. فرضت اتفاقية "سايكس–بيكو" واقعًا جديدًا على الأمة السورية، فقُسمت الأرض الواحدة إلى دول متناحرة، فُصل لبنان عن سورية، وسُلخت فلسطين عن الجسد، وزُرعت الكيانات الطائفية والمذهبية لتكون أدوات دائمة للتفجير الداخلي.
 
لم تكن تلك الحدود سوى سجن كبير، حوّلنا من شعب واحد إلى شعوب وهمية، تعيش صراع هويات ضيقة بدلًا من مشروع نهضة موحّد. ومع الزمن، تحولت الهويات الجزئية إلى غطاء للانقسام، وتم تغييب فكرة الأمة السورية التي آمن بها أنطون سعاده، وجعل منها مشروعًا للتحرر والوحدة والنهضة.
 
واليوم، نعيش نسخة أخطر من التفكيك: تقسيم داخل التقسيم. نُحاصر بمشاريع الفدرلة، والتقسيم الإداري على أسس مذهبية، وبخطابات تدّعي الواقعية بينما تؤسس لمزيد من التشرذم. كل هذا يتم تحت رعاية منظومة دولية، تتحدث عن "شرق أوسط جديد" يُراد له أن يُولد من رحم الصراعات، وتحت حراب الحروب بالوكالة.   
في هذا السياق، يبرز خطر  التطبيع  مع العدو الصهيوني كأخطر أداة لإلغاء الذاكرة واغتيال التاريخ. اليوم، يعمل البعض في الداخل والخارج على تسويق إسرائيل كـ"جار طبيعي"، متناسين أن هذا العدو لم يزل يحتل أرضًا سورية في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، وينتهك يوميًا حقوق الإنسان. التطبيع هنا ليس خيارًا سياسيًا، بل انخراط في مشروع الهيمنة، وتحويل العدو إلى شريك، والقضية إلى وجهة نظر.
 
المفارقة أن بعض الأنظمة والتيارات التي تتغنّى بالاستقلال والسيادة، تفتح أبوابها للتطبيع الاقتصادي والثقافي، بينما تسكت عن المجازر اليومية بحق الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين. ووسط هذا الصمت، يحاول إعلام مأجور الترويج لفكرة أن هزيمة  سورية الأمة أو المقاومة، تعني انتصار مشروع "التحرر"، بينما في الحقيقة هو انتصار للمشروع الأمريكي–الإسرائيلي في المنطقة.
 
إن كل خطوة نبتعد فيها عن فهمنا لوحدتنا الطبيعية، وكل تطبيع، وكل رضوخ للحدود المصطنعة، ليس إلا خطوة باتجاه التهلكة. وحدها العودة لفكرة الأمة السورية، التي تتجاوز الطوائف والحدود، يمكن أن تشكل بداية الخلاص. فالمقاومة ليست خيارًا سياسيًا، بل ثقافة وجود، والتطبيع ليس سلامًا، بل خيانة لدماء الشهداء ولكل من حلم بيوم تتحرر فيه الأرض والإنسان.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram