واشنطن وباريس تشكلان لوائح لانتاج سلطة جديدة
عام 2022 تزدحم فيه الاستحقاقات الانتخابية في لبنان، من بلدية واختيارية الى نيابية فرئاسية، وقد يكون الوحيد الذي تصادف فيه الاستحقاقات الثلاثة التي ستكون ضاغطة على السلطة، في ظل عدم تشكيل حكومة بعد، وازمة مالية واقتصادية واجتماعية خانقة، تحرك الشارع من وقت لآخر، دون ان يحصل تغيير في الواقع السياسي، ولا في تركيب وانتاج سلطة جديدة.
والسنة المقبلة ستحدد نوع السلطة التي ستكونها نتائج الانتخابات، التي هي المكان السليم لحصول تغيير ديموقراطي، لا العنف السلمي، ولا المسلح، بل صناديق الاقتراع هي التي يعول عليها، وتختبر المواطن الذي خرج الى الشوارع والساحات يصرخ في وجه السلطة، ومرتكبي الفساد من اركانها، وعدم استثناء أي طرف سياسي شارك فيها منذ مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، اثناء الوجود السوري، أو بعد خروجه.
والانتخابات النيابية هي مطلب الدول التي تعنى في لبنان، لا سيما من فرنسا واميركا، كما المجتمع الدولي وصل الى قناعة بأن السياسيين اللبنانيين المتعاقبين على السلطة، منذ اكثر من ثلاثة عقود، لم يعد مكانهم ان يستمروا فيها، وهم الذين اوصلوا لبنان الى الانهيار، وشعبه الى كارثة انسانية، وان البديل عن هؤلاء، هو ما ستفرزه نتائج الانتخابات التي بحاجة الى قانون يصحح التمثيل، وقد خطا لبنان خطوة ايجابية نحو النظام النسبي، لا الاكثري، لكن القانون الذي صدر كان مشوهاً، ولا بد من آخر غيره، يمكن استنباطه من اتفاق الطائف الذي أوصى بقانون انتخاب خارج القيد الطائفي، وفق مصدر سياسي، الذي يرى أن الانتخابات النيابية المقبلة ستكون مفصلية، لأن مجلس النواب هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية، ويسمي رئيس الحكومة، ومن يملك الاكثرية النيابية فيه يتحكم الى حد مؤثر في القرار.
واتفق كل من اميركا وفرنسا على ان الانتخابات النيابية، هي ما يجب التركيز عليها، وليس على السياسيين الفاسدين، الذين بات الموفدون الفرنسيون والاميركيون يتجنبون لقاءاتهم، ويلتقون مع ممثلي ما يسمى «المجتمع المدني»، ونواب استقالوا من مجلس النواب، وهذه رغبة خارجية وتحديداً أميركية لانتاج سلطة جديدة، لا تكون «لحزب الله» وحلفائه اكثرية نيابية فيها، كما حصل في انتخابات عام 2011، كما تشير المصادر التي تؤكد على ان القرار الدولي لا سيما الاميركي والفرنسي، هو باجراء انتخابات في موعدها الدستوري، وهو القرارالذي سبق لواشنطن ان نفذته في العام 2005، بعد انسحاب القوات السورية من لبنان، والحاق لبنان بـ «الثورات الملونة» التي استخدمها الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش لتنفيذ مشروعه «للشرق الأوسط الجديد»، وخلق «فوضى خالقة» تعيد قيام انظمة جديدة، وخارطة سياسية لجغرافيا تتناسب والمصالح الاميركية والاسرائيلية اذ اصر الرئيس بوش بعد انطلاق «ثورة الارز» ان يستفيد منها، لانتاج سلطة جديدة، غير تلك التي كانت في زمن الوجود السوري، وشاركه في الموقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك. فاصر صاحب مشروع «الشرق الاوسط الجديد» ان يبدأ اختباره من لبنان الذي عمت فيه الفوضى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فدعا الى ان تحصل الانتخابات في موعدها في ايار 2005، وترأس حكومة الانتخابات الرئيس نجيب ميقاتي، وتحت سقف ما كان يسمى «قانون غازي كنعان الانتخابي» الذي كان مرفوضاً من اطراف مسيحية، لا سيما البطريرك الماروني نصرالله صفير، الا ان الرئيس الاميركي أصر ان يستكمل «ثورة الارز»، وجرى تركيب تحالف رباعي ضم حركة «أمل» و»حزب الله» من جهة و»تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة ثانية، حيث اكسب هذا التحالف الانتخابي قوى 14 آذار الاكثرية النيابية، وفي الوقت نفسه أعطى العماد ميشال عون العائد من المنفى أكثرية نيابية مسيحية بنحو 70 % من اصوات المسيحيين، ومن خارج «تحالف الاسلام السياسي» الذي برره «الثنائي الشيعي» بأنه لمنع حصول فتنية سنية – شيعية.
لذلك فان الانتخابات النيابية ستجري في موعدها، تحت ضغط الدول المهتمة بلبنان، وتحديداً فرنسا وأميركا اللتين على تواصل دائم مع قوى وهيئات وتيارات نشأت بعد حراك 17 تشرين الاول 2019، ولم تكن الدولتان غائبتين عنه، من خلال تشــجيع ادارات الجــامعات الاميركية والاميركية – اللبنانية، واليسوعية، على دفع طلابهم للمشاركة في الاحتجاجات التي انطلقت وقيل إنها عفوية بعد رفع الرسم على مكالمة «الواتساب»، ليتبين، وفق المصادر، أنها اصبحت «ثورة» أو انتفاضة موجهة لأهداف سياسية، وظهر أن الجامعات المذكورة قدمت اسماء وزراء من اصحاب اختصاص، للمشاركة في الحكومة، بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، وان بعض هؤلاء موجودون في حكومة حسان دياب، وهو آت من الجامعة الاميركية.
وأظهرت لقاءات وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، ولا سيما في آخر زيارة له الى بيروت عن اهتمام باريس في الانتخابات، وحث من التقاهم من مسؤولي احزاب وشخصيات ونواب مستقيلين على التحضير للانتخابات، وتشكيل لوائح ترفع برامج تستجيب لمطالب المواطنين بالاصلاح، وهذا مطلب دولي لم تنفذه القوى السياسية الحاكمة، وان ما قاله لودريان، أكده موفدون اميركيون الى لبنان، ومسؤولون عن ملفه، كديفيد شينكر الذي اكد دعم بلاده لانتاج سلطة جديدة، بالرغم من ان شينكر اصبح خارج الادارة الاميركية الجديدة، انما هناك توجه اميركي – فرنسي، تم التعبير عنه مؤخراً، بأن الانتخابات النيابية هي المعول عليها لاخراج لبنان من تحكم القوى السياسية الفاسدة فيه.
فما كان يحصل زمن الوجود السوري، من تركيب لوائح وتسميته مرشحين من عنجر أو دمشق، فان واشنطن وباريس حلتا مكان النظام السوري.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :