في زمن تتشظى فيه المرجعيات، ويتنازع فيه الدين والسياسة على الصوت والمكان، يتحول التنافس بين وليد جنبلاط والشيخ موفق طريف من خلاف في الرؤية إلى صراع على من يترجم الهوية الدرزية في زمن الاصطفافات الكبرى. وهو ليس خلافاً على الطقوس أو المبادئ، بل على من يملك مفاتيح التمثيل: الزعيم الذي يحمل إرث المختارة، أم الشيخ الذي يحمل توقيع المؤسسة الدينية في زمن التطبيع؟
أثارت صورة جمعت بين رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون، والزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف، في أروقة الفاتيكان نهار الـ18 من مايو (أيار) الماضي، أي يوم تنصيب البابا لاوون الـ14، موجة جدل حاد في لبنان والمنطقة، تجاوزت الإطار البروتوكولي إلى عمق التمثيل والشرعية، ولكن انتشارها كان أشد وقعاً داخل الطائفة الدرزية، محدثاً زلزالاً سياسياً في صفوفها، وعلق الإعلام الإسرائيلي على اللقاء بالقول، "صورة لا نراها كل يوم".
التقطت صورة مصافحة "ودية" بين الرجلين، ولكنها في المفهوم السياسي العام في لبنان ليست مجرد مصافحة عابرة، فحين يظهر رئيس دولة لا تزال نظرياً في حال حرب مع إسرائيل، وهو يبتسم أمام شخصية دينية من تلك الدولة، يصبح الصمت الرسمي "مشبوهاً"، والنفي اللاحق أكثر ضجيجاً من "الاعتراف".
وتكاثرت الأسئلة، ومنها: هل كان اللقاء عفوياً؟ أم مدروساً؟ وهل الشيخ طريف مجرد زائر ديني، أم حامل مشروع "اختراق" ناعم للطائفة الدرزية في لبنان وسوريا تحت عباءة الحوار الروحي والانفتاح الدولي؟
الضجة لم تندلع لأن الصورة انتشرت، بل لأن ما ترمز إليه بات واضحاً، هناك من يريد إعادة رسم خريطة الزعامة الدرزية في الشرق الأوسط، من بوابة الفاتيكان، لا من بوابة المختارة أو السويداء، علماً أن الدعوة التي وجهت للشيخ طريف، جاءت بصفته ممثلاً عن الطائفة الدرزية في العالم.
عون ينفي معرفته بطريف
على أثر البلبلة التي أحدثتها الصورة في الأوساط اللبنانية، وبخاصة الدرزية، صدر بيان عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في لبنان، أشار إلى أنه "خلال توجه عون إلى مقعده في القداس الحبري الأول للبابا لاوون الـ14، تقدم منه أحد رجال الدين الدروز المشاركين في القداس وصافحه، علماً أن رئيس الجمهورية لا يعرفه ولم يسبق أن التقاه".
وتابع البيان، "تبين في ما بعد أنه الشيخ موفق طريف، ممثل الدروز في إسرائيل، وقد تعمدت هيئة البث الإسرائيلية توزيع الصورة مع تعليق يجافي الحقيقة". وأشار مكتب الإعلام إلى أن "مثل هذه الممارسات المشبوهة تتخصص بها وسائل الإعلام الإسرائيلية في لقاءات دولية مماثلة، وهي لا تلغي حقيقة الموقف اللبناني الرسمي عموماً، وموقف الرئيس عون خصوصاً، ومن ثم لا حاجة إلى الترويج لمثل هذه الأكاذيب وخدمة العدو الإسرائيلي، لذا اقتضى التوضيح".
لكن البيان أشعل موجة نقاش آخر، وأكثر حدة، وتساءل كثير من المتابعين: كيف يمكن لرئيس الجمهورية ألا يعرف الشيخ طريف، وهو شخصية معروفة ويظهر كثيراً في الإعلام العربي والأجنبي؟ ووفقاً لمصادر من المجلس الديني الأعلى كانت رافقت الشيخ طريف إلى روما، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" فإنه "جرى حديث ودي بين الرجلين (small talk)، وأن الرئيس تعرف إلى سماحته فوراً"، وتابعت المصادر أن المجلس الديني لم يصدر بياناً توضيحياً للقاء "منعاً لإحراج رئيس الجمهورية اللبناني".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :