بمعنى آخر، لا يزال أساس راتب الموظف في الفئة الثالثة في الدولة 3 ملايين ليرة، أي أقل من 35 دولاراً، وعند بلوغه السن القانونية يتقاضى تعويضاته بناءً على أساس راتبه هذا.

لكنّ السلطة استعادت منهج ما قبل الانهيار القائم على الرشوة الجماعية، والترقيع مقابل السكوت عن الأرباح المتعاظمة للقطاع الخاص الذي يرفض أي بحث في ملف الأجور.

ترقيع متواصل

بالنسبة إلى أصحاب نظرية الخصخصة السائدة بين رجالات العهد والحكومة والقطاع الخاص، فإنّ سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت في عام 2017 كانت سبباً في الانهيار، لكنّ الواقع هو أنّ كلفة السلسلة التي بلغت 3 آلاف مليار ليرة أو ملياري دولار في حينها، لا تتساوى مع «الفجوة» التي ظهرت بفعل الانهيار والتي تزيد قيمتها عن 70 مليار دولار.

هذه الفجوة هي الخسائر التي ترتّبت على الودائع التي نُهبت من أجل استمرارية النظام في تمويل بقائه على قيد الحياة.

فلا شكّ أنّ الفرق كبير بين كلفة إضافية على الخزينة بقيمة ملياري دولار وبين خسائر في القطاع المصرفي نُهبت من الودائع بقيمة 70 مليار دولار.

أمّا العاملون في القطاع العام الذين يتقاضون اليوم أجوراً متدنّية جدّاً وغير مُدرجة في أساس الراتب وضاعت مكاسبهم الوظيفية التي راكموها على مدى العقود الماضية، فباتوا بنظر السلطة مجرّد فئات توزّع عليهم الرّشى الجماعية من هنا وهناك، ويهدّدون بالخصخصة طوال الوقت.

عدم تعديل أرقام السلسلة
يخدم أرباب العمل لإبقاء
مستويات الأجور منخفضة

مكوّنات السلطة من ممثّلي الأحزاب والمجتمع المدني في مجلس الوزراء، لم يعترضوا في الجلسة الأخيرة للمجلس، على زيادة الضريبة على المازوت والبنزين وتخصيص الإيرادات لتسديد «منح مالية» للعسكريّين، هم أنفسهم رفضوا في الحكومة السابقة طرح موضوع تعديل سلسلة الرتب والرواتب على المجلس.

ففي الواقع، لا تختلف هذه الحكومة عن غيرها لجهة تكوين السلطة في لبنان، ولم يعمد أي طرف في هذه السلطة بشكلها السابق أو الحالي، بعد، إلى طرح ملف الأجور في لبنان والتدهور الحاصل فيه على طاولة النقاش، ولم يناقش أيّ منهم أرباح القطاع الخاص المتفلّتة من كل رقابة.

سلام، مثل ميقاتي، يرفض هذا الأمر. فالأخير وعد العاملين بطرح تعديل السلسلة إذا وافقوا على «الترقيع» ثم نكث وعده، أما سلام فهو يأبى استقبال أي وفد من العاملين في القطاع العام رغم تكرّر طلب موعد منه، بحسب تجمّع موظّفِي القطاع العام.

في الواقع، إنّ عدم تعديل أرقام السلسلة يخدم أرباب العمل في القطاع الخاص لجهة إبقاء مستويات الأجور منخفضة، كيلا يضطرّوا هم في المقابل لإعطاء الأجراء زيادات حقيقية بدلاً من الحدّ الأدنى الهزيل للأجور والذي وافقت عليه وزارة العمل.

وفي كلّ مرّة تقوم بها الحكومة بتعديل تقديمات الموظّفين تُخرج من جواريرها مرسوماً عنوانه «تعويض مؤقّت»، أو «مساعدة اجتماعية»، أي أنها تواصل ممارسة «الترقيع».

فبموجب هذه المراسيم رفعت التقديمات للموظفين إلى حدود 45% ممّا كانت عليه عام 2019 بحسب مصادر في وزارة المال، إنّما بقيت كل هذه الزيادات خارج أساس الراتب، ويخسرها الموظف مباشرةً عند خروجه إلى التقاعد.

المنح بدل السلسلة

مع صدور كلّ مرسوم زيادات على الرواتب، كانت الحكومة تُشبع الموظّفين وعوداً بـ«قرب موعد دراسة سلسلة رتب ورواتب جديدة»، وأتت آخر الزيادات مرفقةً برفع سعر المحروقات لتمويل «منحة اجتماعية» لجميع المتقاعدين العسكريّين والمدنيين، إلا أنّ رئيس الحكومة نواف سلام فاجأ الجميع، ومنهم وزير المالية ياسين جابر، وحصر «المنحة الاجتماعية» بالعسكريّين حصراً، وفقاً لمصادر «الأخبار» في وزارة المالية.

وتبلغ قيمة المنحة 14 مليون ليرة للعسكري في الخدمة، و12 مليون ليرة للعسكري المتقاعد.

جاءت أبرز وعود السلطة السياسية الفارغة بإعادة دراسة أرقام السلسلة عام 2023 حين طلبت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من مجلس الخدمة المدنية تقديم دراسة جديدة لأرقام سلسلة الرتب والرواتب، فكان من المفترض أن يخرج المجلس بأرقامه في حزيران من العام نفسه، إلا أنّها ربطت بـ«توصيفات وظيفية جديدة للإدارة العامة»، ما أدخلها دوّامةً من التعقيدات الإدارية، والتي أدّت لعدم إصدارها نهائياً.

أمام هذا الواقع قامت السلطة السياسية بإخماد نيران الإضرابات المتلاحقة عبر «زيادات مؤقّتة» اتّسمت بالعشوائية واللّاعدالة على رواتب الموظفين. وفي كلّ مرّة كانت الحكومة تمارس لعبة «فرّق تسد» لإسكات الموظفين وتمرير الوقت من دون إقرار مشروع قانون لتعديل أرقام سلسلة الرتب والرواتب. فتعطي الزيادات للموظفين في الخدمة من دون المتقاعدين، أو تعطي زيادات لقطاعات محدّدة من الموظفين وتستثني البقية، لتتغيّر المطالب من «تعديل السلسلة» إلى «المساواة ببقيّة القطاعات».

وبلغ عدد المرّات التي أضافت فيها الحكومات زيادات على الرواتب خلال سنوات الأزمة الممتدّة من عام 2020 حتى اليوم 5 مرّات، وبموجبها تمّت مضاعفة أساس الراتب على مراحل حتى وصل إلى 13 مرّة للموظف في الخدمة وللمتقاعد.

زيادات على مراحل

في البداية، أُعطي الموظفون كلّ شهر نصف راتب إضافي في بداية عام 2020، واستمرّ دفع هذه الزيادة حتى تشرين الأول من عام 2022. حينها أقرّت موازنة عام 2022، وبموجب المادة 111 فيها أضيف أساس راتبين على راتب الموظفين، ما جعل راتب الموظف مضاعفاً 3 مرّات. ومع استمرار الانهيار، أقرّت حكومة ميقاتي المرسوم 11227 في نيسان من عام 2023، والذي أضيف بموجبه 4 رواتب إضافية إلى الرواتب الثلاثة، فأصبح الموظف يتقاضى 7 رواتب، فضلاً عن رفع بدل النقل إلى 450 ألف عن كلّ يوم حضور إلى العمل، وكلّها من خارج أساس الراتب.

شملت هذه الزيادات كلّ قطاعات موظفِي القطاع العام من إداريّين، وعسكريّين، وأساتذة، ومتقاعدين. ولكن فيما بعد، أصبحت الحكومة تتعامل مع الموظفين على القطعة. ففي شباط من عام 2024 أصدرت حكومة ميقاتي المرسوم 13020، والذي قسّم القطاع العام إلى جزئين، جزء حصل على تعويضات إضافية وهم الإداريون والعسكريون، وجزء بقي من دون أيّ تقديمات مباشرة وهم الأساتذة والقضاة.

وكانت حجّة الحكومة حينها لعدم شمول هذه القطاعات بالزيادات، حصولهم على «بدلات إنتاجية» بالدولار من وزاراتهم. وضاعف المرسوم 13020 أساس رواتب الإداريّين والعسكريّين 9 مرّات، وللإمعان في حرمان المتقاعدين، أعطى المرسوم بدلات إنتاجية للموظفين في الخدمة على شكل «بدلات صفائح بنزين» تُدفع للموظف الذي يحضر إلى مركز عمله لـ14 يوماً على الأقل شهرياً، فضلاً عن «بدل مثابرة»، وهي مبلغ إضافي يُدفع عند حضور الموظف كلّ أيام الدوام الرسمي إلى عمله.

من ثمّ، قامت حكومة ميقاتي بزيادة راتبين إلى أساس الراتب في الفصل الأخير من عام 2024 لجميع الموظفين، وبعد استلام الحكومة الجديدة أزيل الاستثناء الذي حرم أعضاء السلك التعليمي من «بدلات المثابرة وصفائح البنزين»، وأصبحوا متساوين مع باقي الأسلاك.

80%

هي نسبة العسكريّين من مجمل أعداد المتقاعدين في القطاع العام