في الزمن الذي تخلّت فيه الدولة عن شعبها، وتحوّلت المصارف إلى أدوات نصب علني، ظلّ “القرض الحسن” وحده على العهد: مؤسسة لم تغلق أبوابها في وجه الناس، ولم تُخفِ الودائع في خزائن الغموض، ولم تسلك دروب المقامرة التي التهمت أموال اللبنانيين ذات انهيار.
اليوم، نُفاجأ بما نُقل عن حاكم مصرف لبنان، كريم سعيد، من تعهّد خلال زيارته إلى واشنطن بـ”إقفال القرض الحسن”. وكأن هذا الصرح الذي صمد في وجه الحرب، والحصار، والانهيار، بات فجأة هو الخطر الذي يستدعي الشطب والملاحقة!
الحاكم الجديد، على ما يبدو، لم يقرأ جيداً ما تعنيه هذه المؤسسة في الوعي الشعبي اللبناني. القرض الحسن ليس مجرد جمعية تُقرض وتسترد، بل هو نموذج مختلف تماماً: نابع من الناس، قائم على الثقة، ومحكوم بمعادلة الشفافية والمسؤولية. وهو قبل كل شيء، المكان الذي حافظ على ودائع الآلاف من اللبنانيين، حين تخلّت المصارف عن أماناتها، وسقطت الأقنعة.
من يريد “الإصلاح” فليبدأ من المصارف التي أودعت أموال الناس في جيوب السياسيين، لا من مؤسسة بقيت خارج دائرة الفساد والارتهان. ومن يسعى لمحاربة “الاقتصاد الموازي”، فلينظر أولاً إلى السوق السوداء التي وُلدت من رحم السياسات الرسمية، لا من صناديق القرض الحسن.
ما لا يفهمه الحاكم – أو ربما لا يريد أن يفهمه – أن القرض الحسن لم يعد مؤسسة فقط، بل صار جزءاً من وجدان الناس. شطبه لن يكون شطباً لجمعية، بل استهدافاً لقيمة، لذاكرة، لبديل أثبت أنه أكثر أهلية من نظام بأكمله.
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي