خاص 𝐢𝐜𝐨𝐧𝐧𝐞𝐰𝐬
رواد محمد منذر
إن التطور التكتولوجي السريع الذي أقبلت عليه البشرية بكافة أوجه الحياة وبشكل خاص في المجالات الإقتصادية والسياسية والأمنية والإجتماعية، أدى إلى التخوف من تفاقم الأعمال الإرهاب والتخريب وغيرها من الجرائم التي أصبحت في مجتمعنا عادة نسمع عنها كل يوم . لذلك شهد لبنان، خاصةً بعد الأزمة الإقتصادية الخانقة التي لا يزال يرضخ تحت وطأتها، موجةً كبيرةً من أعمال تركيب كاميرات المراقبة سواء في المؤسسات العامة أو التجارية وحتى في المنازل لـتأمين المراقبة إن كانت مسبقة للجريمة أو لكشف فاعليها في حال اقترفت.
كاميرات المراقبة هي أجهزة إلكترونية تستخدم لتسجيل او بث فيديو في أماكن محددة ومراقبة الأنشطة القائمة في هذه الأماكن . يعتبر هذا الإختراع وجهاً من أوجه التكنولوجيا الحديثة التي لم تتوقف عن مفاجأة العالم، فلا يزال العلم يتطور ويظهر لنا المزيد من القدرات المذهلة التي يحملها هذا الإختراع، ففي حين كان في البداية ينقل صوراً غير دقيقة أصبح اليوم عبر دمجه بالذكاء الإصطناعي مثلاً يحدد كل التفاصيل الشخص الظاهر في الفيديو .
على الرغم من أهمية تركيب هكذا أجهزة في لبنان، خاصة بعد أن سجلت القوى الأمنية اللبنانية تزايداً في أعداد الجرائم بعد الأزمة الإقتصادية، لما تساعد في حماية الممتلكات وتسهيل عمل القوى الأمنية في بعض الأحيان، إلا أنه يبقى غياب قانون محدد لتفاصيل استخدام هذه الأجهزة يشكل خطراً ليس فقط على أمن الأفراد بي على الأمن القومي اللبناني ككل .
ففي لبنان، لا يوجد هناك أي قانون فعليّ يأتي على ذكر ضرورة تنظيم طرق استخدام كاميرات المراقبة إلا فيما يتعلق بحماية الحريات الفردية فلقد أتت بعض القرارات القضائية نذكر منها القرار رقم 242 تاريخ 28/10/2024 لقاضي الأمور المستعجلة في أميون بحيث أن هذا القرار يبرز ضرورة التوفيق بين استخدام كاميرات المراقبة كأداة فعّالة لمكافحة الجريمة واكتشاف الأدلة وبين الحرية الشخصية للأفراد وحقهم في عدم انتهاك خصوصيتهم . وهذه كانت سابقة قانونية مميزة، فاعتبر القاضي بأن أنظمة المراقبة المنزلية في نطاق الأماكن السكنية يجب أن تمتثل لقانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي اللبناني رقم 81/2018 معللاً قراره بكون صور وأصوات أماكن أنشطة الأفراد المسجلة بواسطة هذه الكاميرات تتيح تحديد هويتهم وتشكل خرقاً لحريتهم الشخصية . ولكنها تبقى متعلقة فقط بالأنشطة الشخصية التي يقوم بها الشخص لحاجاته وهي تلك الأنشطة الحاصلة في بيئته المنزلية والتي لا تتعرض لخصوصية الغير .
مع تتطور التكنولوجيا وظهور جماعات متخصصة في عالم السيبرانية، أصبحت كاميرات المراقبة لقمةً سائغةً لمخترقي الشبكات العنكبوتية إن كانوا على شكل مجموعات تابعة لدول أو مستقلة أو حتى أفراداً، وذلك لتأمين معلومات عن الأهداف سواء كانت بشراً لدراسة تحركاته أو أماكن وجوده أو أماكن كالمحال التجارية مثلاً لدراسة طبيعة المكان لتسهيل عملية السرقة .
في الحرب اللبنانية الإسرائيلية الأخيرة، لوحظ أن العدو اعتمد على خرق كاميرات المراقبة الموضوعة في المنازل والمؤسسات والمحال التجارية والتي لا تكشف فقط داخل ومحيط المكان المراد حمايته ومراقبته بل تعدى هذا الامر إلى الكشف على الطرقات والمنازل المجاورة وكل ما يكون مجاوراً بشكل غير منظًم، وبحيث أن معظم الكاميرات الحديثة تبث صوتاً وصورة كل الأحداث التي تقع في نطاق مراقبة هذا الجهاز بدقة عالية ما شكل خطراً على اللبنانيين المعرضين لخطر الإغتيال من قبل العدو وبالتالي يشكّل خطراً على الأمن القومي اللبناني ككل .
ففي العديد من الدول، عمد المشرّع لتنظيم هذه الظاهرة بشكل يضمن فوائدها من ناحية توطيد الأمن إضافةً لمراعاة خصوصية الأفراد، فاتفقت معظم القوانين المتابعة للموضوع على وجوب كون الكاميرا تؤدي دورها في تعزيز الأمن بشكل يتناسب مع الضرورة الأمنية كما ذكره القانون الإتحادي لحماية البيانات الإلماني (𝐁𝐃𝐒𝐆) أو حصر عملية المراقبة للأماكن العامة في جهات حكومية حصرية لديها القدرات التكنولوجية والتقنية لتأمين الحماية اللازمة لها من أي اختراق .
من هنا نستنتج، بأننا في لبنان أمام تحدي جديد من نوعه ويجب معالجته، فعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي تقدمها انتشار كاميرات المراقبة في الأماكن العامة والخاصة من ناحية ملاحقة ومنع الجرائم إلا أن سوء تنظيمها وضعف القدرات فيما خص حمايتها من أية عملية اختراق يهددان ليس فقط الحريات الشخصية بل أمن المواطنين بشكل خاص ولبنان بشكل عام . لذلك لا بد من تطوير قدرات الدولة في مجال الأمن السيبراني لضمان أٌقل معايير الحماية التي يمكن أن تتمتع بها من خلال فرق متخصصة خاصة للكاميرات المستخدمة من قبل الدولة ككاميرات المرور، كما أيضاً يجب إلزام تركيب الكاميرات في الأماكن الخاصة لمعايير محددة بحيث لا تكشف من الأماكن العامة إلا ما تقتضيه الضرورة الأمنية .
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :