هذه الطائرة وكانت ذات سطحين، صممها إيغور سيكورسكي، وهو مهندس روسي عمره 24 عاما. بعد شهرين ونصف من هذا التاريخ، سجلت طائرة "الفارس الروسي" رقما قياسيا عالميا في فترة البقاء في الجو وعلى متنها 7 ركاب بلغ ساعة و54 دقيقة.
الرحلة التجريبية الأولى لهذه الطائرة المبتكرة كانت بمثابة فاتحة لعصر الطيران الثقيل المتمثل في الطائرات القاذفة وطائرات الركاب ونقل البضائع، ووزن هذه الطائرة الروسية، كان ضعف أكبر طائرة في ذلك الحين.
في ذلك الوقت، شكك خبراء الطيران في إمكانية نجاح هذه الطائرة الثقيلة في التحليق في الأجواء، إلا أن المهندس الشاب سيكورسكي كان واثقا من عمله، وكن متأكدا أن قوة المحركات ستعطي للطائرة الثقيلة سرعة كافية لرفعها في الهواء.
يُسجل أيضا أن تشكيكا مماثلا ظهر خارج روسيا. لم يصدق المتخصصون حينها في الدول الأوروبية أن روسيا قادرة على رفع مثل هذه الطائرة الثقيلة في الجو، واعتبر بعضهم أن التقارير التي تحدثت عن "الفارس الروسي" مجرد خدعة صحفية، إلا أن مصمم الطائرات الشاب في النهاية أثار دهشة المشككين بعد اجتياز طائرته الاختبار.
صنعت هذه الطائرة التي كانت أثقل بأربع مرات من أي طائرة أخرى، في فبراير 1913 وفقا لمخططات المهندس سيكورسكي بمصنع "روسو بالتيك" لعربات السكك الحديدة في سان بطرسبورغ، ضمن مشروع صناعة أول طائرة ثقيلة في الإمبراطورية الروسية باسم "غراند".
زودت طائرة "الفارس الروسي" بأربعة محركات بقوة 100 حصان لكل منها، ثبتت على الجناحين السفليين، فيما بلغ وزنها 3.4 طنا، والوزن الأقصى مع الحمولة 4.9 طنا، وبلغ امتداد الجناحين العلويين 27.2 مترا والسفليين 20 مترا.
بلغت المساحة الإجمالية للطائرة 125 مترا مربعا، وكان قسم الأنف فيها على شكل شرفة مفتوحة، وخلفها مقصورة مغلقة مغطاة بالزجاج بلغ طولها 5.75 مترا، وارتفاعها 1.85 مترا.
هذه الطائرة الثقيلة حصلت على لقب "الترام الطائر" بسبب مظهر مقصورة القيادة وكانت تشبه مقدمة عربات الترام في ذلك الوقت.
علاوة على ذلك مكن تصميم المقصورة ووجود مخارج جانبية فيها، الميكانيكيين من إجراء عمليات إصلاح للمحركات مباشرة أثناء الطيران.
سيكورسكي، المهندس الروسي الشاب كان يحلم منذ طفولته بالسماء وتصميم الطائرات، وقد قام بتجميع طائرته الأولى في حظيرة يملكها والده. المخترع الشاب كان حصل على تعليم راق، واجتاز امتحانات تصميم الطائرات على متن واحدة من تصميمه الخاص.
بعد أن نجح في تصميم عدة طائرات، كُلف سيكورسكي بمشروع تصنيع طائرة عملاقة بعدة محركات مع مقصورة مغلقة بالكامل وهيكل مناسب لنقل الركاب. كان المهندس الشاب يتوق إلى تحقيق إنجاز غير مسبوق، وذلك بتصميم نوع جديد من الطائرات يحلق لفترات أطول وعلى ارتفاعات أعلى.
سيكورسكي كان أول من توصل بالتعاون مع مجموعة من المهندسين الأخرين، إلى حلول هندسية أصبحت لاحقا من كلاسيكيات الطيران. حدد هؤلاء مكان تركيب المحركات وخزانات الوقود، وكيفية ترتيب المقصورة ومدخل المسافرين للطائرة.
اعتقد خبراء أن الإنجازات في مجال الطيران بلغت اقصى مداياتها في عام 1910، وأن "الفارس الروسي" الضخم لن يتمكن من البقاء في الهواء. إلا أن الطائرة الجديدة أدهت الجميع، وهي لم تنجح فقط في الإطلاق والتحليق في الجو بأمان، بل وحملت أكثر من 700 كيلو غرام من البضائع، وبسرعة وصلت إلى 100 كيلو متر في الساعة.
طاقم "الفارس الروسي" كان يتكون من 3 أشخاص، وكانت المقصورة قادرة على استيعاب أربعة ركاب، واحتاجت الطائرة إلى مدرج بطول 700 متر للإقلاع.
قامت هذه الطائرة الضخمة في حقبتها بأكثر من 50 طلعة وسجلت رقما قياسيا عالميا لأطول فترة طيران بلغ 114 دقيقة. وعلى عكس جميع التوقعات، لم تسقط من السماء بل تعرضت لحادث دمرها وهي على الأرض.
أثناء مسابقة خاصة بالطائرات العسكرية جرت في 11 سبتمبر 1913، سقط محرك إحدى الطائرات من الجو على طائرة "الفارس الروسي" وهي رابضة على الأرض، ما أدى على إلحاق أضرار كبيرة بهيكلها.
بعد الحادث، قرر المهندس سيكورسكي تجاوز هذه التجربة وعدم إصلاح النموذج الوحيد. ظهر تصميم جديد في مخيلته دخل تاريخ الطيران تحت اسم "إيليا موروميتس"، وهي طائرة ضخمة حطمت الرقم القياسي في سعة الشحن وفي عدد الركاب وزمن الرحلات والارتفاع. إضافة إلى كل ذلك، أصبحت أول قاذفة قنابل ثقيلة يتم إنتاجها في روسيا بكميات كبيرة، وقد أثبتت قدراتها خلال الحرب العالمية الأولى.
المصدر: RT
نسخ الرابط :