مصرف لبنان: زيادة في الاحتياطات وخسائر في الذهب

مصرف لبنان: زيادة في الاحتياطات وخسائر في الذهب

 

Telegram

 


 

نشر مصرف لبنان مؤخرًا ميزانيّته النصف الشهريّة، التي عكست وضعيّته الماليّة لغاية منتصف شهر أيار الحالي. وحتّى اللحظة، لا تزال مؤشّرات السيولة والملاءة العامّة تتأثّر بقيمة أهم عناصر موجودات المصرف المتبقية: بند الذهب واحتياطات العملات الأجنبيّة. إذ تشكّل هذه الموجودات بالتحديد آخر ما تبقّى من أصول سائلة أو قابلة للتسييل، كما تشكّل التغيّرات في مستوياتها أهم ما يمكن مراقبته في ميزانيّة مصرف لبنان. أمّا تغيّر قيمة المطلوبات، وخصوصًا حجم السيولة المتداولة بالليرة في السوق وودائع القطاع العام، فتستمرّ في تقديم إيضاحات بخصوص نوعيّة السياسة النقديّة المعتمدة، التي تسمح لمصرف لبنان بشراء الدولارات من السوق.

الذهب والاحتياطي
بمراجعة الميزانيّة، يتضّح أنّ قيمة مخزون الذهب في مصرف لبنان تراجعت خلال النصف الأوّل من الشهر الحالي، من نحو 30.39 مليار دولار أميركي في بداية الشهر، إلى 29.46 مليار دولار أميركي في نهايته، ما يعني أن قيمة هذا المخزون انخفضت بنحو 926.95 مليون دولار خلال فترة لا تتجاوز 15 يوماً. ومن المعلوم أنّ هذا التحوّل يرتبط أولًا بالسياسة المحاسبيّة المعتمدة، التي تقوم على إعادة تقييم مخزون الذهب في ضوء تغيّرات أسعار الذهب العالميّة. وخلال الفترة الماضية، تراجعت أسعار الذهب مع تسارع المؤشرات الإيجابيّة المتصلة بالمفاوضات بين الولايات المتحدة والصين، بشأن خلافهما التجاري، بالإضافة إلى ترقّب نتائج المفاوضات المتصلة ببرنامج إيران النووي.
في جميع الحالات، ورغم هذا الانخفاض الوازن في قيمة الذهب، تبقى قيمته الحاليّة أعلى بنسبة 41.59%، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، وذلك بفعل الزيادات الكبيرة التي طرأت على أسعار الذهب منذ ذلك الوقت. وهذه الزيادة أشعلت مؤخرًا النقاش حول إمكانيّة استخدام مخزون الذهب، مع تسرّب أنباء عن اهتمام شركات أميركيّة بهذه المسألة. وحتّى اللحظة، يبدو أن قيادة مصرف لبنان تميل إلى طروحات تقوم على تأجير أو استثمار الذهب، من دون الوصول إلى بيع أجزاء من هذا المخزون. لكن بمعزل عن رأي قيادة المصرف، يبقى من المؤكّد أنّ أي مشاريع من هذا النوع ستحتاج إلى موافقة المجلس النيابي، بالنظر إلى وجود تشريع يمنع استخدام احتياطات الذهب من دون قانون.

أما في ما يخص احتياطات العملة الأجنبيّة، فشهد هذا البند تحوّلاً معاكسًا، مع ارتفاعه من قرابة الـ 11.12 مليار دولار أميركي في بداية شهر أيّار، إلى أكثر من 11.23 مليار دولار أميركي في نهايته، ما عكس زيادة قدرها 114.67 مليون دولار أميركي خلال فترة 15 يومًا. ومجددًا، بيّن مصرف لبنان استمرار قدرته على امتصاص العملة الصعبة من السوق، بالرغم من بدء اعتماد موازنة العام الحالي، التي تضمّنت زيادات في إنفاق القطاع العام.

وعلى أي حال، من المفيد العودة إلى أرقام الأشهر الماضية، التي تبيّن أنّ حجم هذه الاحتياطات لم يكن يتجاوز الـ 8.57 مليار دولار أميركي في أواخر شهر تمّوز 2023، أي مع مغادرة الحاكم السابق رياض سلامة لمنصبه. وبذلك يكون المصرف المركزي قد زاد احتياطاته بنحو 2.66 مليار دولار أميركي، منذ خروج سلامة من المصرف، وتمكّن المصرف من بعدها من دخول مرحلة مراكمة الاحتياطات بدل استنزافها. أمّا حجم هذه الزيادة، فيوازي وحده حاليًا نحو 11% من حجم الناتج المحلّي الإجمالي، ما يؤشّر إلى أثر هذه التحوّلات.

المطلوبات والكتلة النقديّة
في الجانب الآخر من الميزانيّة، يظهر أنّ حجم الكتلة النقديّة المتداولة خارج مصرف لبنان، أي حجم السيولة بالليرة الموجودة في السوق، تراجعت من 79.93 ترليون ليرة لبنانيّة إلى نحو 77.78 مليار ليرة لبنانيّة، بين بداية الشهر الحالي ومنتصفه. وهذا ما يعني أنّ شراء مصرف لبنان للدولارات من السوق لم يتسبّب بضخ المزيد من الليرات، بل حصل العكس تماماً. وتبلغ قيمة الانخفاض في حجم السيولة، وفق سعر الصرف الحالي، نحو 24 مليون دولار أميركي.

ويمكن تفسير هذه النتيجة بالنظر إلى حجم ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان. إذ ارتفعت قيمة هذه الودائع من 6.88 مليار دولار أميركي في بداية شهر أيّار، إلى 7.07 مليار دولار أميركي في منتصف الشهر، ما يعني أن أموال الدولة لدى مصرف لبنان زادت بنحو 187 مليون دولار خلال 15 يومًا فقط. وعلى هذا النحو، يكون المصرف المركزي قد استعمل مجددًا زيادة ودائع القطاع العام لديه، لامتصاص الليرات التي يتم استعمالها لشراء الدولار من السوق، أو لامتصاص الرسوم التي يجري يجنيها بالعملة الصعبة. وفي الحالتين، تكون الاحتياطات بالعملة الصعبة قد ارتفعت، من دون التسبب بارتفاع موازٍ في حجم السيولة المتداولة بالليرة في السوق.

المسألة الأكثر أهميّة، تبقى أن الميزانيّة بأسرها لا تزال غارقة بكتلة من الخسائر التي لم يتم العمل على معالجتها بعد، وهي تحديداً ما يمثّل مركز زلزال الأزمة التي ضربت القطاع المصرفي. ومعالجة هذه الفجوة، تنتظر حاليًا القانون الذي تعمل الحكومة على صياغته، بالاتفاق مع مصرف لبنان، لتوزيع هذه الخسائر والتعامل معها. وبانتظار إقرار القانون ودخوله حيّز التنفيذ، ستبقى الميزانيّة ومؤشّراتها محكومة بالتحولات التي تطرأ على قيمة الذهب واحتياطات العملة الصعبة، بغياب أي تطوّرات أخرى مؤثّرة.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram