يُعدّ الطيران الشراعي المظلّي من أبرز الرياضات الجوية التي تشهد نموّاً متسارعاً في لبنان والعالم، ويصنَّف عالمياً ضمن الممارسات الخطرة نظراً لارتباطه المباشر بعوامل طبيعية وتقنية وبشرية متداخلة. ورغم هذا التصنيف، فإنّ ممارسته تظلّ آمنة نسبياً عند الالتزام بالمعايير الدولية وقوانين السلامة والتدريب.
حادثة سقوط الشاب حسين محمد المعرباني وهو يمارس هواية الطيران الشراعي في جونيه، ما أدّى إلى وفاته على الفور، أفرغت كل المخاوف دفعة واحدة وفتحت الملف على مصراعيه وسلّطت الضوء على مخاطر جمّة تتهدّد حياة "المغامر" إلى جانب تساؤلات عن السلامة والأمان في بلد كلبنان.
العلاقة مع "سما لبنان"
قائد المظلّة نادر أبو عز الدين الذي سلّم نفسه إلى القوى الأمنية بعد فراره لساعات إلى وجهة مجهولة يتعاون مع جمعيّة "نادي سما لبنان" في حمّانا. "نداء الوطن" تواصلت مع رئيس الجمعية سلّوم ملاعب الذي أكّد أنّها "جمعيّة مرخّصة من قبل وزارة الشباب والرياضة، تصادق على الشهادات وتتابع تطبيق معايير الأمان، فضلاً عن سلامة المعدّات التي تخوّل الشباب ممارسة الطيران الشراعي. كما هناك حرص على تجديد الشهادات لكلّ قائد يطير في الجوّ ونطلب منه الرقم السرّي لمظلّته التي تتجدّد سنويّاً، إضافة إلى التأكّد من سلامة المظلّة الاحتياطيّة والتأمين عليها".
ويردف أنّنا "لا نتعاطى بالشق التجاري، فباقي المسؤوليات تقع بشكل يومي على عاتق الشركات والأفراد الذين يسعون إلى تفعيل هذه الهواية تجاريّاً"، مؤكّداً "أنّ "سما لبنان" لا تمتلك الصلاحيّة الرسميّة المطلقة على الطيّارين، ولكنّها تزوّدهم بالتوصيات اللازمة لضمان السلامة خلال الطيران".
وإذ يعرب ملاعب عن بالغ الأسف والحزن العميق لوفاة المعرباني، يعتبر أنّ "التحقيقات لا تزال جارية بالتعاون مع الجهات المعنية". كما يشدّد في هذا السياق على "أهمية وصدقيّة الدورات التي قام بها نادر أبو عز الدين، إذ يُصنَّف من أفضل الطيّارين في هذا المجال، وبات معتمداً من النوادي كافةً نظراً لخبرته الطويلة في المجال، فضلاً عن سجلّ مهني خالٍ من الحوادث، وحصوله على تراخيص محلية ودولية".
ويضيف ملاعب أنّ "ما حصل خسارة مؤلمة للجميع، لذا نحن في صدد التعاون مع وزارة الشباب والرياضة، عبر إنشاء اتّحاد لجان مشتركة بين النوادي بهدف إجراء تقييم لهذا الحادث لتلافي حصول مثله في الأيام والسنوات المقبلة"، مشيراً إلى أنّ "هذا الحادث الأليم لا يُقلّل من أهمية هذه الرياضة، أو من الجهود التي بُذلت على مدى السنوات الماضية لتطويرها بشكل مسؤول ومُنظَّم. بل يدفعنا للمضيّ قدماً نحو مرحلة جديدة قوامها تعزيز معايير السلامة، وتحديث آليات الرقابة، وتكثيف التدريب".
وبينما يلحظ الخبراء في مجال الطيران الشراعي أنّ مثل هذه الحوادث قد تنجم عن أسباب عدّة، منها الخطأ البشري، التقصير، أو حدوث خلل فنيّ في المعدّات، يلفت ملاعب إلى أنّنا "كنا نطير 5000 مرة في السنة واليوم بتنا نطير خمسين ألفاً ما سيحتّم ارتفاع نسبة الحوادث، ففي فرنسا وتركيا حيث هذه الرياضة منظّمة جداً والقوانين صارمة فيها، نرى أنّ عدد الحوادث والوفيات أكبر بكثير مما هو عليه في لبنان".
ويختم قائلًا: "نحن أمام مسؤولية جماعية تقتضي من الجمعيات، والمدرّبين، والممارسين، والجهات الرسمية، العمل يداً بيد من أجل تطوير نظام وطني يهدف إلى تعزيز معايير السلامة الدولية. كما يتوجّب إنشاء قاعدة بيانات وطنية تشمل التراخيص، والحوادث ومراكز التدريب، بالإضافة إلى إصدار تعليمات تنظيميّة واضحة بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة ومديرية الطيران المدني. فضلاً عن رفع مستوى الوعي لدى الهواة، المجتمع والجهات الرسمية إزاء المخاطر المحتملة، مع التأكيد على وضع الجميع أمام مسؤولياتهم".
لبنان ثالث عالميّاً من حيث السلامة
ويشدّد مؤسّس شركة Paragliding LB أحمد عبد الحي على أنّ "الأمان ركيزة أساسية في عملنا"، مؤكّداً أنّ "كلّ قائد مظلّة يحمل رخصة وهذا شرط أساسيّ كي يتمكّن من الطيران، وما صدر أخيراً عن عدم امتلاك الطيّارين التّراخيص اللّازمة هو أمر عارٍ من الصحة".
ويضيف أنّ "هذه الرياضة موجودة في لبنان منذ 33 عاماً، ويمارسها 45 طيّاراً يقومون بمعدّل 45 ألف رحلة سنوياً، أي حوالى مليون ونصف رحلة على مدى ثلاثة وثلاثين عاماً"، معتبراً أنّنا "لم نواجه خلال السنوات الماضية حادثة مؤسفة كهذه، رغم أنّ الطيران الشراعي هواية خطرة جداً".
ويلفت عبد الحي إلى أنّ "لبنان مصنّف من أفضل ثلاث دول في العالم من حيث السلامة والأمان في ممارسة هذه الهواية" نافياً كل ما تردد عن أن المعدّات ليست حديثة ومرّ عليها الزمن حيث يتم تجديدها دورياً وعلى كل طيّار تغيير مظلّته سنوياً، ويحرص على تفعيل المظلّة الاحتياطية البديلة كل أربعة أشهر كي يتمكّن من تشغيلها في الحالات الطارئة".
وعن "المظلّة الاحتياطية" فبإمكانها حمل القائد والراكب بسهولة، لكنّ الضحية لم يكن مثبتاً من الأساس، وبما أنّه عريض المنكبين علقت المظلّة بكتفيه قبل أن يسقط أرضاً".
وعن إقفال مدرج الطيران المظلّي بالشمع الأحمر بعد حادثة السقوط مباشرة، نفى أي علاقة بين إقفال المدرج والهبوط الاضطراري في البحر فمدرج الإقلاع والهبوط تعود ملكيّته لفندق لم يسدد الضرائب المستحقة عن الأملاك البحرية، ما حتّم على القوى الأمنيّة إقفاله بالشمع الأحمر ".
ويلفت إلى أنّ "قائد المظلّة نادر أبو عز الدين عانى من اضطراب عصبيّ حاد بعد الحادثة وقد أوكل محامياً لمتابعة المجريات القانونية"، معرباً عن اعتقاده بأنه "سيُمنع من الطيران مجدّداً، إذ هناك أخطاء تُغتفر وأخطاء لا تغتفر".
العائلة مفجوعة
عائلة الضحية حسين المعرباني تحرص على "متابعة القضية حتى النهاية كي لا تتكرّر مع آخرين"، معربة عن حزنها العميق والأسى الكبير إزاء فقدان حسين، الذي "لم تفارق الضحكة يوماً وجهه، هو الذي كان في إجازة، وتقصّد السياحة في وطنه الأم".
هل عيّنت السفارة الأسترالية محامياً للعائلة؟
يحمل حسين المعرباني الجنسيّة الأسترالية، وبعد تداول الأخبار عن توكيل السفارة الأسترالية محامياً لمتابعة الشقّ القانوني مع العائلة، ينفي مصدر في السفارة هذا الموضوع. ويؤكد في حديث لـ "نداء الوطن" أنّ "السفارة تقوم بإرشاد مواطنيها نحو محامين وحقوقيّين تتعاون معهم ولا تعيّن أحداً منهم".
تُعتبر رياضة الطيران الشراعي مصدر شغف لكثير من اللّبنانيّين والسيّاح، خصوصاً أنها تجمع بين المغامرة والتمتّع بجمال لبنان وطبيعته الخلّابة. لكنها تتطلّب منّا جميعاً أن نكون على قدر من المسؤولية والوعي لضمان مستقبل أكثر أماناً واحترافاً.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :