لمن تقرع طبول العرب؟!
لنتصور أن التريليونات الأربعة التي عاد بها دونالد ترامب من جولته الخليجية استخدمت في الانماء البشري، والاقتصادي، لدول عربية تعيش في قاع القرن. أما كان للعرب أن يغيّروا وجه الشرق الأوسط، بل وجه العالم ؟ قطعاً لا، حتى هذه الدول البائسة تدار بمنطق المغارة (مغارة علي بابا) لا بمنطق الدولة.
لقد احترفنا ثقافة الغيب، وثقافة الغيبوبة ما عاد به الرئيس الأميركي، وقد فاخر بذلك علناً، وبأسلوب الغزاة أو بأسلوب قطاع الطرق، هو من أجل حمايتنا. حمايتنا ممن؟ من روسيا التي لم تقف معنا، ولو مرة واحدة، في حروبنا، وفي نكباتنا، أم من الصين، وحيث التنين، بجناحي الدجاجة، يجول بالبضائع على ظهره بحثاً عن الأسواق في أرجاء الدنيا؟ تريدون الجواب. ما دفعناه لأميركا هو لحمايتنا من... أميركا!
على شاشاتنا (بلغة راقصات الباريزيانا) هللنا لما حصل على "أنقاض محور الممانعة". بهرتنا القصور، وبهرتنا الحفاوة الأسطورية. لكنه الاله الأميركي الذي فاق، بجبروته، آلهة الرومان، وآلهة الاغريق. في يده الحياة، وفي يده الموت، حياتنا نحن بالذات، وموتنا نحن بالذات.
لا اعلان عن دولة فلسطينية (وحتى لا وجود للفلسطينيين في رأسه). لكن مصادر ديبلوماسية أشارت الى أن هذه المسألة ستكون مثار اهتمامه في الوقت المناسب، أي عندما يباد سكان غزة عن بكرة أبيهم، وعندما لا يعود هناك حجر فوق حجر في الضفة. ولا مفاعل نووياً في السعودية لأن المفاوضات الأميركية ـ الايرانية اقتربت من الاتفاق على ازالة الحلم النووي من رؤوس حائكي السجاد.
لكننا لاحظنا أن الوفد الأمبراطوري ضم 46 ممثلاً لكبرى الشركات المعنية بصناعة المستقبل. هل حقاً جاؤوا الينا لنقلنا من عصر الحجاج بن يوسف الثقفي الى عصر ايلون ماسك. حديث عن مشاريع تتعلق بالذكاء الاصطناعي، وهو لغة القرن، ولكن هل استخدمنا يوماً، كما يلزم، ذلك الذكاء الذي منحنا اياه الله، لندخل في الذكاء الاصطناعي. على مدى قرون غرقنا في معادلة الحلال والحرام حين كان الآخرون ينكبون على ابتكار المعادلات التي تعيد تشكيل العالم ؟ هكذا تعاملت معنا حكوماتنا. تعليبنا كما الأسماك الباردة.
دونالد ترامب أفتتن كثيراً بالماضي "القوي"، وبـ"الشخصية الرائعة" لأحمد الشرع. أيضاً أفتتن برأسه الذي اختبرناه بدم جنودنا في السفوح الشرقية، وكان أقرب ما يكون الى المقبرة. الافتتان مسألة بديهية ما دام الرجل كاد ينثر الأزهار على دبابات ايال زامير، وهي تقترب من ابواب دمشق، وحتى من أبواب القصر الجمهوري، وبعدما دمرت الغارات الاسرائيلية حتى الطناجر العائدة للجيش السوري.
ها هو يبدي استعداده لتقديم الجولان، ناهيك الجنوب السوري، هدية لبنيامين نتنياهو، مقابل رفع العقوبات. رفع العقوبات عن بطون السوريين، وانزال العقوبات على أرواح السوريين. يا للمعادلة الفذة. هل يدرك الرجل ما هي سوريا في تاريخ العالم، وليس فقط في تاريخ المنطقة. بذهول، قال المؤرخ الفرنسي جان ـ بيار فيليو... يا لبهاء سوريا !!
في كل الأحوال، لا مكان لنا في الأجندة الأميركية. حين كان الرئيس الأميركي يستقبل، في ديارنا، كمبعوث شخصي من الله (وهو كذلك فعلاً)، كانت القنابل الأميركية تحصد آلاف الأطفال في غزة. ما هو اشد هولاً. أطفال يأكلون الأعشاب اليابسة، وهم يقضون جوعاً. لا هولاكو، ولا هتلر، فعل هكذا بضحاياه. على الأقل، أيها الأمبراطور العزيز، وقف مطحنة الدم خلال تواجدك بيننا. لم يخجل. من يفترض أن يخجل لم يخجل...
مضحك جداً الذهاب بعيداً في الرهان على الخلاف بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو الذي، وكما لاحظنا من مواقع التواصل العائدة للأنجيليين الصهيونيين في الولايات المتحدة، يستطيع أن يحاصر الرئيس الأميركي، كأي حصان عجوز، أو كأي شمبانزي عجوز، داخل البيت الأبيض. ما دمنا ندرك ما التأثير الأخطبوطي للمؤسسة اليهودية داخل الدولة العميقة.
حقاً، ما كانت نتيجة الجولة الترامبية على قضايا العرب (وهل من قضايا للعرب؟)؟ لفتنا تعليق أحدهم "ذكّرنا بالتحصيلدار أبان العهد العثماني الذي كان يستولي حتى على أرغفة الخبز القليلة في منازلنا. جاء وعاد. يوماً ما لسوف نكتشف أننا بتنا حفاة على سطح الأرض. لا مكان لنا، لا في لعبة الأمم ولا في لعبة الأزمنة. وكفى الله المؤمنين القتال، وشر القتال.
ربما يختزل المشهد بهذه الكلمات. بالعصا شق دونالد ترامب طريقنا الى أورشليم، والا مصيرنا مصير الجثث التي تتكدس في غزة، وحيث الوعد الأميركي بتحويل المقابر الى ملاهي ليلية على غرار لاس فيغاس، ريفيير الشرق الأوسط أم لاس فيغاس الشرق الأوسط...؟
اذ كدنا نقدم عظامنا هدية الى دونالد ترامب، والذي اعتبرنا وجوده بيننا، وجود الله بيننا، نرجو العودة الى وصف دانتي في "الكوميديا الالهية" لما شاهده في الجحيم ـ وقد وعدنا ترامب بالنعيم ـ "أناس لا يعيشون ولا يموتون".
اعتدنا أن نستقبل الغزاة بالزغاريد والورود. بالعين المجردة رأينا اقواس النصر وقد اقيمت بجماجم الأطفال لاستقبال السيد الأميركي. يا لروعة المشهد الذي تقرع له طبول العرب... !!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي