مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتهاء العمليات العسكرية ضد الحوثيين تبدأ مرحلة جديدة.
وخلال الساعات الماضية عملت قناتا "العربية" و"الحدث" على استطلاع رأي مسؤولين أميركيين حول العملية العسكرية، وكان لافتاً التناقض الكبير بين تقييمين، فهناك مسؤولون يتحدّثون عن أن الإدارة الأميركية ليس لديها تقييم واضح لحجم الضرر الذي ألحقته القوات الأميركية بالقوة الحوثية، فيما يؤكّد آخرون أن الحوثيين خسروا 80 في المئة من قوتهم الصاروخية، وقد أصيبت مخازنهم ومصانع المسيرات والصواريخ بأضرار كبيرة، بالإضافة إلى مراكز قيادة وسيطرة حوثية وقدرات رادار واستطلاع.
أحد الأسباب الأساسية في تباعد التقييمين هو أن القيادة المركزية، المسؤولة عن العملية، امتنعت عن إصدار تقييم دقيق، واكتفت بمخاطبة الأميركيين والصحافيين قبل أيام عبر تقرير قصير يقول إن الحوثيين خسروا جنوداً وقيادات وإن القوات الأميركية ضربت أكثر من 1000 هدف حوثي. لكنه من المؤكّد أن ضرب قدرات الحوثيين الصاروخية حوّلهم إلى ما يصفه مراقبون بـ"ذراع إيرانية مبتورة"، مثلما حدث مع حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة، وبدلاً من أن تتمكن جماعة الحوثي من تهديد الملاحة في البحر الأحمر بضربات صاروخية، ربما تكون قد تحوّلت إلى جماعة تحمل أسلحة فردية تسيطر على منطقة من اليمن بقوّة السلاح، لكنها لم تعد التنظيم الذي يهدّد دولاً كما حدث خلال السنتين الماضيتين.
خبر مناسب لعدد من الأطراف
انتهاء العملية العسكرية الأميركية ضد الحوثيين سيكون أيضاً خبراً جيداً لكثير من الأطراف، أولهم الجنود الأميركيون الذين ينتظرون العودة إلى أراضي الولايات المتحدة، فحاملة الطائرات "ترومان" بقيت في المنطقة لأشهر أكثر من الوقت المعتاد، ويريد مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية إعادة الجنود إلى مرفئهم في أقرب وقت ممكن.
سيكون الأمر أيضاً مهماً للإدارة الأميركية التي صرفت على هذه العملية العسكرية الكثير من الذخائر وربما تكون وصلت تكلفة هذه العملية إلى ما يقارب المليار لو احتسب الخبراء ثمن الذخائر وفترة الانتشار لحاملتي طائرات مع السفن المرافقة لها والطائرات الاستراتيجية التي وصلت إلى قاعدة "دييغو غارسيا".
كذلك، سيستفيد الاقتصادان، الأميركي والمصري معاً، لأن رفع التهديد عن الملاحة سيوفّر على شركات الشحن تكلفة الإبحار حول رأس الرجاء الصالح أو الثمن الباهظ لعقود التأمين، كما أن عدد السفن التي تمر عبر قناة السويس سيعود إلى مستواه العادي وستدفع هذه السفن تكلفة استخدام القناة للحكومة المصرية.
ربما يكون الربح السياسي الذي ينتظره الأميركيون أكبر. فقد أكد مسؤولون أميركيون، تحدّثوا إلى "العربية" و"الحدث" منذ بدء هذه العملية ضد الحوثيين، أنها في الحقيقة كانت موجّهة ضد طهران.
يقول أحد المسؤولين الأميركيين لـ"العربية" و"الحدث" إن الإدارة الأميركية كشفت عن حقيقة نواياها عندما تم نشر نصوص الرسائل بين مجموعة كبار المسؤولين الأميركيين في ما عرف بـ"تسريبات سيغنال" وقد قال فيها وزير الدفاع بيت هيغسيث: "لا أحد يعرف الحوثيين، لذلك علينا التركيز على أمرين: 1- فشل بايدن 2- وتمويل إيران لهم".
يشير المسؤول الأميركي أيضاً إلى أن الإدارة الأميركية كانت تواجه معضلة قبل أيام من بدء العمليات، وهي مشكلة الاقتصاد المتراجع ومشاكل سوق الأسهم، وقد بدأت العملية وحوّلت الانتباه إلى مشكلة الحوثيين بدلاً من أسواق الأسهم. وتابع: "الحوثيون لم يهددوا الملاحة منذ بداية العام 2025 وقبل أن يصل ترامب إلى البيت الأبيض"، وشدّد من جديد على أن العملية، رغم أنها ضربت الحوثيين، لكنها في الحقيقة كانت تهدف إلى أكثر من ذلك بكثير.
سيكون أهم إنجاز لإدارة ترامب، وللرئيس الأميركي بالذات، قدرته على استعمال القوة لتحقيق هدف عسكري محدّد وهدف سياسي ضخم. فالأميركيون ألحقوا ضرراً كبيراً بالحوثيين من جهة، بينما تشعر إيران الآن، من جهة أخرى، بأنها من الممكن أن تتعرّض لهجمات قاسية مثل التي تعرّض لها الحوثيون.
في هذا السياق، ستكون الأيام القليلة المقبلة مفصلية في سير المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين. وتستفيد واشنطن حالياً حشد قوات ضخمة في المنطقة تستطيع استعمالها. من جهتها، أعلنت إيران مراراً في تصريحات مسؤوليها أنها تريد التوصل إلى حل، كما أن ترامب يريد أيضاً حلاً قريباً.
نسخ الرابط :