كذبة بناء الدولة
تنطلق الأحد الجولة الأولى من الانتخابات البلدية في لبنان. وتشهد مناطق لبنانية معارك توصف بالمفصلية. وهي في حقيقة الأمر، لا تتجاوز المنافسات التقليدية التي تحصل في المدن والقرى والبلدات اللبنانية منذ عقود طويلة. وما سيحصده اللبنانيون من هذا الاستحقاق، لن يضيف شيئاً على جدول الأعمال الخاص بمشكلاتهم البنيوية، والتي لا يمكن معالجتها وفقاً لما يتبع من سياسات، سواء التي تضعها السلطات الموجودة، أو التي تتحدث عنها القوى السياسية. أما العمل الأهلي، فقد تم «خصيه» عندما تحول إلى فسحة يتركها النظام الطائفي للمريدين، كي يتوهموا أنهم يصنعون التغيير. بينما هم في حقيقة الأمر، يتحركون تحت سقف الإدارة الذاتية التي أتاحتها الجماعات الطائفية لجمهورها ومناطقها.
المشكلة في هذا الملف، لا تخص الناس أو القوى السياسية فقط، بل تخص الإعلام أيضاً. ونحن في «الأخبار» جزء من هذه المشكلة، لناحية أنّ أي نقاش لم يُفتح في البلاد عن وظيفة العمل البلدي. حتى الذين يطبلون ويزمرون وينادون باللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، لا تجدهم يضيفون بنداً واقعياً ومفيداً على جدول الأعمال في كل حملاتهم الانتخابية.
بل يهربون إلى تسويات تارة تحت اسم العائلات، وتارة تحت اسم التوافق بين القوى النافذة في هذه البلدة أو تلك، وفي غالبية الأحيان، تنتهي الأمور على شكل تسويات، إذ لا يمكن للمعركة أن تفيد أحداً. أما المعارك عندما تقع، فهي تكون جزءاً من الاستعراض السياسي، وخصوصاً أن المعركة على التمثيل الشعبي والاستعداد للانتخابات النيابية تشكل الهدف الفعلي لكل اللاعبين المحليين.
لكن، هل يمكن مراجعة كل النقاشات الجارية، سواء في المدن الكبرى أو المتوسطة أو الصغرى لمعرفة نوع العناوين المطروحة:
هل سمع الناخبون في بيروت كلاماً واضحاً عمّا قامت به البلدية طوال السنوات الـ27 الماضية؟ وهل حصل أن تقدم مجلس بلدي بجردة حول ما قام به، أو أطلع الناخبين على موجودات وأصول البلدية، وهل أثار الناخبون مصير الأموال الكبيرة التي طارت، كون إدارة البلديات السابقة، ومن خلفها القوى السياسية المعنية، منعت عن البلدية استخدام آليات للمحافظة على أموالها، حتى وصل الأمر بها في السنوات الأخيرة، حدّ عدم القدرة على تشحيل الأشجار أو ريّها؟
ماذا عن مدن مثل طرابلس وصيدا وصور والنبطية وزحلة وبعلبك وبنت جبيل ومرجعيون. هل لاحظ أحد في كل ما يحدث الآن من نقاشات غير الشعارات العامة التي يتطلب فهمها مجيء علماء اجتماع وعلماء نفس؟
ما هي المشاريع التي تقدمت بها البلديات التي تعاقبت لمعالجة ملفات أساسية تقع في صلب عملها، مثل التعليم الرسمي والخدمات الصحية، وخلق مساحات للتفاعل والتواصل بين سكانها، أو خلق آلية تفاعل ومساءلة بين المقيمين في هذه الأماكن من غير الناخبين وبين إدارات المجالس البلدية؟
الصورة اليوم، تعود لتعكس الانفجار الطائفي في أعلى درجات توتره. واختصار المشهد، يساعد في فهم أن المسيحيين يخوضون معركة تعزيز المواقع والنفوذ للقوى المتحاربة منذ توقف الحرب الأهلية. بينما ينقسم المسلمون، بين القوى الشيعية التي تريد إنجاز الاستحقاق بأقل المعارك، وبهدف تثبيت التفاف الجمهور الشيعي حول ثنائي أمل وحزب الله، فيما الدروز لا يجدون ما يتنافسون عليه، وسط «مزاج قلق» يسيطر على الزعامات التقليدية، نتيجة ما مرّ به لبنان، وانعكاس ما يحدث في الإقليم، وخصوصاً في سوريا.
أما القوى التي تعتبر نفسها تغييرية، التي تتقدم إلى الناس بأنها قوى مدنية غير طائفية، فهي تفضل عدم حصول الانتخابات من أصلها، خشية أن تنكشف على خسارة قسم كبير من التأييد الذي حصدته على حساب غضب اللبنانيين قبل ست سنوات. فيما الأحزاب التي يفترض أنها عابرة للطوائف والمناطق، خالية من أي دسم في كل ما تقوم، اللهم إلا من بعض الأصوات التي تحاول فرض نقاشات من نوع مختلف، كما يفعل شربل نحاس ورفاقه.
عملياً، ما يواجهه لبنان من استحقاق الانتخابات البلدية، يعيدنا إلى السؤال الرئيسي: هل يوجد الآن بين النافذين أو الحكّام، من يقدم دليلاً واضحاً على أنهم يريدون فعلاً السير في معركة بناء دولة قابلة للحياة والاستمرار… الأرجح أننا نبتعد يوماً بعد يوم عن هذا الهدف، ونغرق أكثر، في المعارك التي يظهر مع الوقت أنها انعكاس للصراعات الكبيرة الحاصلة من حولنا، إذ لا يزال لبنان، في قلب المحاور المتنازعة في المنطقة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي