ترسيم الحدود اللبنانية ـ السورية: سيادة على ورق أم إعادة رسم نفوذ؟
بين جرمانا وبيروت، وبين طموحات التحرر والتبعية، يُعاد فتح ملف ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، كرمز معقد لموازين القوى في الشرق الأوسط.
إنها لحظة سياسية غير اعتيادية تُعيد مواضيع “السيادة” و”الحدود” إلى الواجهة، بعد أن خرجت سوريا من قبضة نظام دام لأكثر من نصف قرن، لتدخل في عهد انتقالي لا تزال ملامحه غامضة، بقيادة أحمد الشرع.
في الشكل، يبدو أن الزمن قد حان لتسوية الملف الحدودي، لكن في المضمون، كل ما يجري يوحي بأن ما يُطرح على الطاولة ليس مجرد ترسيم جغرافي، بل محاولة لإعادة إنتاج خريطة المصالح الإقليمية، وسط اشتباك دولي محموم.
حدود لم تُرسم يوماً
ليس جديداً أن الحدود اللبنانية ـ السورية لم تُرسَم يوماً على أسس واضحة، فمنذ اتفاقية “سايكس ـ بيكو”، مروراً بفترة الانتداب الفرنسي، ثم مرحلة “الأخوة القسرية” تحت مظلة النظام السوري السابق، بقي الخط الفاصل مجرّد تقاطع هشّ بين جغرافيا طائفية، وعشائرية، وأمنية، لم تخضع لمنطق الدولة يوماً، لكن الجديد اليوم، هو أن هذه “الخطوط غير المعلنة” باتت مادة تفاوض دولي، تُدار من خارج الحدود لا من داخلها.
مفاوضات خلف الكواليس.. والخريطة في جيب واشنطن
تشير المعطيات إلى لقاءات غير رسمية تجري بعيداً عن الإعلام، بين ممثلين عن السلطة السورية الجديدة وشخصيات لبنانية بدعم غربي، حيث يتقدّم ملف الحدود على سائر القضايا، لكن الأخطر في هذه الاجتماعات ليس الطابع السري فقط، بل ما يُحكى عن خرائط جاهزة أُعدّت في مراكز دراسات قريبة من واشنطن و”تل أبيب”، تتضمن اقتراحات بتعديلات تطال القاع وعرسال والقصير، وحتى تخوم جبل الشيخ.
تحت ذريعة “تصحيحات تقنية”، يجري الدفع باتجاه رسم جديد للحدود قد يُفرغ مناطق لبنانية من امتدادها السكاني أو يقيّد حركة المقاومة، في محاولة لفرض وقائع على الأرض باسم “السيادة”.
وراء الستار، يبرز الكيان المحتل كأحد المستفيدين الرئيسيين من أي إعادة ترسيم، فبحسب تحليلات صهيونية، الهدف ليس فقط الفصل بين “حزب الله” وامتداده السوري، بل تحويل الحدود إلى ساحة أمنية صامتة، تُحصّن الداخل الصهيوني من أي تهديد، ومن هنا، تُطرح مزارع شبعا وتلال كفرشوبا كجزء من الخريطة الجديدة، ولو بغطاء “أممي تقني”.
الترسيم هنا لا ينفصل عن معركة الغاز في شرق المتوسط، حيث يرى الاحتلال أن تثبيت حدوده البرية قد يُمهّد لتنازلات بحرية لاحقاً، في سيناريو يُعيد إلى الأذهان تجربة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، لكن هذه المرة مع حدود “الأخ الشقيق.
روسيا تُراقب… وإيران تُحذر
موسكو، التي لم تتخلّ بعد عن طموحاتها في سوريا، تراقب الملف بحذر، هي لا ترفض الترسيم مبدئياً، لكنها ترفض أن يُرسم دون استشارتها، أما إيران، فتنظر إلى الأمر كتهديد مباشر لمنظومتها الإقليمية.
مسرح السيادة
في الجوهر، يدور صراع اليوم حول من يملك القرار: هل هو قرار لبناني ـ سوري حر ومستقل؟ أم أن الخرائط تُرسم في مكاتب في باريس وتُراجع في “تل أبيب” وتُطبّق في بيروت ودمشق؟ الإجابة لا تزال ضبابية، لكن الأكيد أن أي خريطة لا تمرّ عبر برلماني البلدين ومؤسساتهما الدستورية، ستكون مشروع فتنة أكثر منها مشروع حدود.
ما يجري اليوم ليس مجرد تفاوض على الخط الأزرق أو الأحمر، بل اختبار لمدى قدرة شعوب هذه المنطقة على حماية سيادتها، قد تُرسم الحدود يوماً، لكن السيادة لن تُرسم بالحبر، بل بالإرادة والخريطة، في نهاية المطاف، لا تعني شيئاً إن لم تكن تعبيراً عن توافق وطني حقيقي لا صفقة تُكتب خارج الجغرافيا والتاريخ.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي